فلسفة الابتلاء..مفهومها وحكمتها
يظنّ البعض أنّ الابتلاء يكون بالشر فقط كالمرض والفقر، فيربطون بين الألم وبين الابتلاء، ولكن في الحقيقة فإن الإسلام من خلال الآيات الكريمة والتوجيهات النبوية قد وضّح بأنّ مفهوم الابتلاء يشمل كل ما يقع بالإنسان من حالاتٍ على تنوعها واختلاف مسمياتها، في السراء والضراء وبهذه الرؤية تمّ توضيح الأمر، والردّ على الذين وهموا وظنّوا أنّ الابتلاء مرتبطٌ فقط بالشدائد، ولنتأمل قوله عز وجل في سورة الفجر « فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن، كلا بل لا تكرمون اليتيم» ( سورة الفجر :15-17)
فالابتلاء قانون من قوانين الحياة قال تعالى « إنّا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملاً» ( الكهف: 7) والمطلوب من المؤمن عندما تنزل به حالة الرخاء أن يكون من الشاكرين، وأما إذا نزلت به حالة البلاء أن يكون من الصابرين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له « والصبر عطاءٌ إلهي واسع فهو كنزٌ لا يجمع في كيسٍ بل في قلب الصابر ووجدانه، وهو منحةٌ إلهية يخص الله عز وجل بها من أحبه من عباده ورضي عنه ،وأراد أن يكفر عنه سيئاته، ويرفع درجاته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء أوسع من الصبر رواه أبو داود في السنن حديث رقم ( 1644) يقول علماء السلوك بأن الصبر يكون على أنواعٍ ثلاثة :
أولها الصبر على الطاعات ويكون ذلك عن طريق مجاهدة النفس في أداء العبادة , فالمسلم عندما يقوم لأداء صلاة الفجر فهو في الحقيقة يربي نفسه على الصبر، وكذلك عندما يصوم فإن الصيام يساعد على تقوية الإرادة والعزيمة لديه، وكذلك عندما يؤدي شعائر العمرة والحج ويسافر في سبيل ذلك فلن يستطيع تحقيق كل ذلك إلا بالصبر.
وأمّا النوع الثاني فهو الصبر عن المعاصي وذلك من خلال مجاهدة النفس بالبعد عما يغضب الله عز وجل، وأمّا النوع الثالث من الصبر فيكون بالصبر على أنواع الابتلاءات كالمرض ونحوه.
ولا بد هنا من التنويه والتنبيه على أنّ دعوة الشريعة للصبر على الابتلاء ليست بمعنى الاستسلام له وتركه يفتك في الأجسام والأموال فهذا غير صحيح لأن الإسلام علمنا أن نأخذ بالأسباب وان نقاوم المرض بالتداوي، قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم» تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا انزل معه شفاء إلا الموت والهرم» رواه احمد حديث رقم ( 18478) ولكن الإنسان عندما يقاوم أسباب الابتلاء من مرض وفقر بالأسباب العلمية ومع ذلك يستمر معه الابتلاء لفترة أطول فإنّ قيمة الصبر تمدّه بالروح المعنوية، وتزيد من تعلقه بالله عز وجل، وأنه لا بد من البعد عن اليأس، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً, فالمصيبة مثلما أنّ لها بداية فلا بد من الجزم أنّ لها نهاية والعاقبة للمتقين والبشارة للصابرين قال تعالى « ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين , الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم وهدى ورحمة وأولئك هم المهتدون « ( البقرة : 152-157) فبالصبر يستطيع طالب العلم أن يحقق النجاح، وبصبر الزوجين على بعضهما البعض وفق طاعة الله وحدوده يتغلبان على الأزمات الأسرية، وتنشئة جيل صالح يستطيع التعامل مع الابتلاءات وإدارة الأزمات.