وقال جلالته في كلمة ألقاها خلال لقائه رؤساء وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، في قصر بسمان الزاهر، "ان الإصلاح هو إرادتنا الثابتة، لأنه مصلحة شعبنا، وهو ما يعني التطوير ومواكبة روح العصر"، مشددا على أنه "ينتظر من الحكومة توصياتها حول آلية الحوار الشامل، لـمناقشة كل الخطوات اللازمة لتحقيق التنمية السياسية، وعلى رأسها دراسة وتطوير كل القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني، خصوصا قانون الانتخاب".
وأوضح جلالته أنه "يجب أن يتم التوافق على قانون الانتخاب، وعلى أهدافه المتمثلة في تشجيع العمل السياسي الجماعي والحزبي، وزيادة مشاركة المواطنين في صناعة مستقبلهم، حتى يكون التنافس في الانتخابات على أساس البرامج، وحتى ننتقل لمرحلة جديدة في إدارة شؤون الدولة".
ودعا جلالته إلى إطلاق حوار شامل، "والمواطن قادر على التعامل مع كل التحديـات إذا كان هناك مصارحة وشفافية وحوار، بحيث يكون مطلعا على ما تقوم به الدولة من أجل خدمته، وتحقيق الإنجاز، الذي يجب أن يكون الإنسان الأردني المستفيد الأول منه".
وأكد جلالته أن الشعب الأردني واع وعلى قدر المسؤولية، ويعرف تماماً أن مصلحته وأمنه، وكرامته ومستقبله، هي فوق كل الاعتبارات، وأضاف "أنا أعرف الأردنيين، وأعرف حكمتهم وانتماءهم، وحرصهم على وطنهم ومنجزاته، وإن شاء الله، تظل رؤوسهم دائما مرفوعة، ويظل الأردن شامخا وعزيزا".
وفيما يلي النص الكامل لكلمة جلالة الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم مساء الخير، وأهلاً وسهلاً بالجميع. في البداية، أريد أن أقول، أنني مرتاح للحرص الواضح من قبل الجميع، على تحمل المسؤولية، وفي إطـار الشراكة الحقيقية، التي يحتاجها ويستحقها وطـننا وشعبنا العزيز الغالي. وأنا متأكد، أنه إذا واصلنا العمل بهذه الروح الطيبة، سنحقق أهدافنا، ونسير للأمام بسرعة وثبات. هناك تحديات كبيرة، وهناك مشاكل اقتصادية، وهناك معاناة عند شرائح واسعة من أهلنا، لكن متى، يا إخوان، لم يكن هناك تحديات كبيرة أمامنا؟ ومتى لم يكن هناك صعوبات في تاريخنا؟ دوما هذا الوطن، وهذا الشعب الطيب يواجه التحديات، ويواجه المؤامرات والمزايدات، وينتصر عليها بالإرادة وبالعمل وبالتصميم على أن يكون الأردن دائماً، أقوى من التحديات والصعوبات، وأقوى من كل من يحاول العبث بأمنه واستقراره وتماسك أهله ووحدتهم.
مسؤولياتكم في هذه المرحلة كبيرة، وأملي أن يكون الجميع يدا واحدة، وفريقا واحدا لخدمة شعبنا، ولتلبية احتياجات الناس، والاستماع لهم والتواصل معهم، وتقديم مصلحة شعبنا على كل شيء آخر. شعبنا يستحق منا جميعا الوضوح والصراحة حول كل شيء. قضايا كثيرة مطروحة: شيء منها صحيح، وشيء مبالغ فيه وغير صحيح.
هناك كلام عن الفساد، وعن الواسطة والمحسوبية. وهناك حديث عن مؤسسات فاشلـة، وهناك كلام عـن التخاصية، نجحت أم فشلت، ضيّعت موارد الدولة أم زادتها؟ وهناك كلام عن الضرائب، عادلة أم غير عادلة؟ هل الاستثمار والانفتاح على القطاع الخاص، خدم الأردن أم لم يخدم الأردن؟ وهناك كثير من الـمواضيع الأخرى، التي يتم الحديث عنها، أحياناً بموضوعية ودقة، وفي مرات كثيرة على أساس الإشاعات والمعلومات المغلوطة، وهذه الإشاعات يجب أن يتم التعامل معها من خلال تقديم المعلومات الصريحة والصحيحة. وعندما نتحدث عن الفساد تحديداً، فالمطلوب من الحكومة، ومن مجلس الأمة، ومن الجميع، التحرك الفوري للتعامل مع أي موضوع مطروح، إذا كان هناك شبهة فساد، يبدأ التحقيق فيها فوراً، وإذا الاتهامات غير صحيحة، يتم توضيح ذلك، ويتوقف الاتهام، لأن الكلام غير المسؤول، يسيء للبلد ومكانته، ولا يجوز السماح لأحد، أن يشوه صورة هذا الوطن المشرقة، على غير وجه حق. لقد وجهت الحكومة، أن تطلب من هيئة مكافحة الفساد، بأن تكون أبوابها مفتوحة دائما، لاستقبال أي شكاوى حول أي شبهة فساد، بحيث يتم التحقيق فيها وتحويلها للقضاء، حتى تتم محاسبة كل من تثبت إدانته. ومطلوب من الحكومة أيضا، أن تعزز كل آليات وأجهزة مكافحة الفساد، حتى تكون الرقابة المسبـقة في أفضل درجات القدرة والكفاءة. مطلوب مناقشة كل القضايا المطروحة، لتوضيح الحقيقة حولها. الناس عندهم أسئلة، ويجب أن تكون هناك إجابات صريحة حول كل شيء.
ويجب على الحكومة، أن تلتزم بمدونة السلوك المبنية على أساس الدستور والقانون، والتي وضعتها الحكومة السابقة، وأن يبادر مجلس الأمة إلى اعتماد مدونة مماثله، وأن تتفق الحكومة والمجلس على آلية للتعامل، لتنظيم العلاقة بينهم وفق الدستور والقانون، وبما يؤدي إلى ضمان أفضل علاقة ممكنة بينهم. أطلقوا حوارا شاملا، والمواطن قادر على التعامل مع كل التحديـات، إذا كان هناك مصارحة وشفافية وحوار، بحيث يكون مطلعا على ما تقوم به الدولة، من أجل خدمته، وتحقيق الإنجاز، الذي يجب أن يكون الإنسان الأردني المستفيد الأول منه. هناك سلبيات يجب أن تعالج، وهناك إيجابيات كثيرة، وهناك إنجازات تم تحقيقها نعتز ونفتخر بها، ويجب علينا الحفاظ عليها وتعزيزها والبناء عليها.
وهذا يتم من خلال العمل الجاد والبرامج والخطط الصحيحــة. ومن خلال تعاونكم جميعاً نسير للأمام في عملية الإصلاح الشامل، حتى نبني المستقبل الذي يستحقه بلدنا وأهلنا. وعندما أتحدث عن الإصلاح، فمعنى ذلك أنني أريد إصلاحا حقيقيا وسريعا، لأنه من غير هذا الإصلاح الحقيقي، ستبقى الأمور مثلما كانت في السابق، عند كثير من الذين تحملوا المسؤولية، وأضاعوا الكثير من الفرص، بين التردد والخوف من التغيير، والتراجع أمام أصحاب أجندات، لا تريد الإصلاح، لأنها تخاف على مصالحها، وهذا الذي لن أسمح به. كل مسؤول لديه كل الصلاحيات، التي تمكنه من اتخاذ القرار الصحيح، وضمن هذه الصلاحيات، وعندما يتخذ المسؤول أي قرار يجب أن يتحمل مسؤولية هذا القرار، أمام الناس وأمام ضميره، بكل شجاعة وأمانة، ولا يجوز أن يختبئ وراء أحد، أو أن يقول "أجاني توجيهات من فوق".
يا إخوان لا يوجد شيء اسمه "توجيهات من فوق". شعبنا واعٍ، شعبنا على قدر المسؤولية، وشعبنا يعرف تماماً أن مصلحته وأمنه، وكرامته ومستقبله، هي عندي فوق كل الاعتبارات. وعندما أرى أن هناك تقصيرا في خدمة هذه الثوابت، وهي بالنسبة لي خط احمر، أتخذ القرار المناسب الذي يحمي حقوق المواطن، والتي لا يتقدم عليها شيء في بلدنا والدنيا. وتقييمي لأي جهة، ولأي برنامج يعتمد على القدرة على خدمة هذه الثوابت. وأنا أعرف الأردنيين، وأعرف حكمتهم وانتماءهم، وحرصهم على وطنهم ومنجزاته. وإن شاء الله، تظل رؤوسهم دائما مرفوعة، ويظل الأردن شامخا وعزيزا.
ومرة أخرى، لا أريد أن أقول بداية جديدة، لأن العمل هو استمرارية، لكن نريد آلية جديدة، ومرحله جديدة. ومثلما قلت في افتتاح مجلس الأمة، لا يوجد وقت نضيعه، مطلوب عمل جاد، وتقييم مستمر ومعالجة الأخطاء والقصور. وتكليف الحكومة الجديدة واضح، وأريد نتائج سريعة.
وعندما نتحدث عن إصلاح سياسي، نريد إصلاحا حقيقيا، منسجما مع روح العصر، وأنا أنتظر من الحكومة توصياتها، حول آلية الحوار الشامل، لـمناقشة كل الخطوات اللازمة، لتحقيق التنمية السياسية، وعلى رأسها دراسة وتطوير كل القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني، وخصوصا قانون الانتخاب، الذي يجب أن يتم التوافق عليه، وعلى أهدافه المتمثلة في تشجيع العمل السياسي الجماعي والحزبي، وزيادة مشاركة المواطنين في صناعة مستقبلهم، حتى يكون التنافس في الانتخابات على أساس البرامج، وحتى ننتقل لمرحلة جديدة في إدارة شؤون الدولة، وعندما نصل لهذه المرحلة، سنكون قادرين على تشكيل الحكومات، على أساس حزبي، وبناءً على ما تقدمه الأحزاب من برامج عمل واضحة. ومن أجـل ذلك، لا بد من وجـود أحزاب فاعلة، وحوار دائم. ونريد إصلاحا اقتصاديا، يحسّن مستوى معيشة الناس، ويحقق العدالة، ويوفر فرص العمل والإنجاز لشبابنا.
وفي هذه الحالة، يتحمل الجميع كل الصعوبات، إذا كانوا مطمئنين أن المستقبل أفضل. الإصلاح إرادتنا الثابتة، لأنه مصلحة شعبنا.
وعندما نتحدث عن الإصلاح، فهذا يعني التطوير، ومواكبة روح العصر. والذي يجب أن يكون واضحا عند الجميع، أنه عندما نقول إننا نريد تطوير، فهذا لا يعني، لا سمح الله، أننا منطلقون من خراب. الحمد لله، إنجازاتنا أكثر من قدراتنا، فمؤسساتنا فاعلة، والقانون يسود على الجميع، وكرامة المواطن، التي هي من كرامتي، محفوظة. والحمد لله، المواطن في هذا البلد، يشعر دائماً، بأنه آمن على نفسه وماله وكرامته، ويجب أن لا يحتاج إلى أي واسطة، حتى يأخذ حقوقه أو "تمشي أموره". والحمد لله، لـم يحصل عندنا أن اختفى مواطن عن وجه الأرض، ولا أريقت نقطة دم إنسان، لأسباب سياسية، أو فكرية، كما هو الـحال، في بعـض البلدان.
الصورة أفضل بكثير، مما يحاول بعض الناس تصويرها. الاستقرار، والحرية، والانفتاح الموجود في الأردن، والتسـامح الذي يميز الأردن، مع الأسف، سمح لفئة قليلة، أن تستغل هذه الأجواء، وتحاول أن تبث السموم في مجتمعنا، وتسيء لبلدنا ولشعبنا ولثوابتنا. والذي أريد قوله اليوم، بكل وضوح، أنه لا يوجد شيء يمكن أن يؤثر على سياسة الانفتاح، وروح التسامح، وثقافة التعددية، وقبول كل الآراء البناءة والصريحة، لأن هذه ثوابت أردنية لا تتغير. وفي نفس الوقت، أريد أن يكون واضحا للجميع، أنه لن أسمح، ولن يسمح كل الأردنيين، لأي جهة، أن تبث الفتنة، أو تسيء للوطن، وصورته أو استقراره، أو إنجازاته، أو تماسك أهلنا وجبهتنا الداخلية. نريد أن نسير إلى الأمام، لنبني على ما أنجزت أجيال من الأردنيين.
وواجبنا جميعاً أن نطور بلدنا، وأن نكون دائماً سباقين للتعامل مع روح العصر، والاستفادة من الفرص. إيماني بالأردن مطلق، وثقتي بالشعب الأردني ليس لها حدود. وهذا الأردن العزيز الغالي، نفـديه بدمائنا وأرواحنا للدفاع عن حريته وكرامته وعن حرية وكرامة أبنائه وبناته. ومرة أخرى، عليكم مسؤوليات كبيرة، وأنا واثق أنكم أهل للمسؤولية. ومن خلال تعاون الجميع، وبهمة شعبنا الوفي المخلص، سيظل الأردن، نموذج ووطن العزة والكرامة والإنجاز، والقادم كله خير إن شاء الله. والله يعطيكم العافية. وحضر اللقاء، الذي تخلله مأدبة غداء أقامها جلالة الملك تكريما لرؤساء وأعضاء السلطات الثلاث، عدد من أصحاب السمو الأمراء، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومستشارو جلالة الملك، وقاضي القضاة إمام الحضرة الهاشمية، وكبار موظفي الديوان الملكي الهاشمي.