=معنى التشبيه :
هوأن يعمد المتحدث إلى عقد مشاركة بين أمرين في وصف
ظاهر واضح في أحد الأمرين وفي الآخر خفي غير واضح .
كقوله -صلى الله عليه وسلم - ( لعن المؤمن كقتله )
أراد أن يثبت صفة الحرمة للعن فعمد إلى شيء وصف
الحرمة فيه واضح وهو ( القتل) الذي تقشعر منه الأبدان
ليحقق أثر ذلك في نفس المستمع .
أركان التشبيه :
المشبه , المشبه به ( طرفا التشبيه ).
أداة الشبه .
وجه الشبه .
على أن بعض البلاغيين يضيف ركناً خامساً
( الغرض من التشبيه ).
أداة التشبيه :
كل لفظ يدل على المماثلة والاشتراك .
إما أن تكون حرفاً أو اسماً أو فعلاً .
1- الكاف , وهي الأصل لخفتها وبساطتها , ويليها المشبه به .
أنا كالماء إن رضيت صفاء .. وإذا ما سخطت كنت لهيبا
أراد الشاعر أن يبرز صفة الصفاء في نفسه عند رضاها
فبحث عن شيء يكون وصف الصفاء فيه ظاهراً بارزاً فوجد
الماء , فعقد مشاركة بينه وبين الماء في هذا الوصف .
وأراد أن يصور حالة السخط في نفسه فوجد اللهب متمثلاً
فيه التوهج فليس هناك أظهر من صفة التوهج في اللهب فعقد
مشاركة في هذا الوصف بينه وبين اللهب .
وأراد أن يظهر قوته وأن حالات السخط هي الغالبة عليه
فأتى ب ( إذا ) .. وجاءت ( إن ) لتدلل على أنه نادراً مايكون
راضياً , وإن رضي فإنه يكون في قمة الصفاء .
2- كأن .. ويليها المشبه .
3- مثل .. ومافي معناها كلفظة ( نحو ) ومايشتق من لفظ
( مثل ) نحو .. مماثل , ومشابه .. ومارادفهما .
والأفعال .. يشبه , يشابه , يماثل , يضارع , يحاكي , يضاهي .
وجه الشبه :
المعنى الذي يشترك فيه طرفا التشبيه على سبيل
أ. التحقيق ,مثل تشبيه رجل بأسد , فالشجاعة هي المعنى
المشترك والصفة الجامعة بين الرجل والأسد , وهي على حقيقتها
موجودة في الإنسان , وموجودة في الأسد , والفرق بين وجوده
في الرجل والأسد من جهة قوة الشجاعة وضعفها وزيادتها ونقصانها .
ب .أو تخييلاً ..( لايمكن وجوده في المشبه به إلا على سبيل
التأويل ).كقول ابن بابك :
وأرض كأخلاق الرجال قطعتها .. وقد كحّلَ الليلُ السِمَاكَ فأبصرا
لعمركَ ماضاقت بلاد بأهلـها .. ولكنّ أخلاقَ الرجالِ تضــيقُ
تخيل أخلاق الكرام شيء له سعة وجعله أصلاً فيها فشبه
الأرض الواسعة بها .
// لابد أن يشمل طرفا التشبيه وجه الشبه
( النحو في الكلام كالملح في الطعام ).
وجه الشبه " الكثرة مصلحة , والقلة مفسدة )
هذا الوجه يمكن أن يصلح في الملح , ولكنه لايصلح في النحو
الذي على أساسه ينضبط الكلام .
لو قلنا أن وجه الشبه ( كون الاستعمال مصلحاً .. والإهمال مفسداً) لصح في الطرفين .
تأثير التشبيه :
يقول الخطيب القزويني صاحب الإيضاح "
اعلم أنه مما اتفق العقلاء على شرف قدره وفخامة أمره
فن البلاغة وأن تعقيب المعاني به لاسيما قسم التمثيل منه
يضاعف قواها في تحريك النفوس إلى المقصود بها مدحاً
كانت أوذماً أو افتخاراً أو غير ذلك
وإذا أردت تحقيق هذا فانظر إلى قول البحتري :
دانٍ على أيدي العفاةِ وشاسع ٍ .. عن كل ندٍّ في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضؤوه في العصبة السارين جد قريب
هذا الممدوح قريب بعيد ؛ فهو قريب للذين يطلبون عطاءه ,
وبعيد عن كل شبيه يماثله في الكرم .. فهو يدلك على أن الجمع
بين الوصفين ممكن .
التشبيه هنا أحدث أثراً في النفوس .. فكأنه يقول " إن ماتتصورونه
غير ممكن فهو ممكن .. فهو قريب في حال
وبعيد في حال .. فكذلك البدر بعيد في علوه ,وقريب في نوره .
// التشبيه الضمني :
وهو الذي لايكون فيه نص على صورة التشبيه , وإنما تشبيه يوضع
فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة , وإنما
يعرف عن طريق التركيب , وهو يفيد أن
الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن .
وإذا أراد الله نشر فضيلة .. طويت أتاح لها لســــان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت.. ماكان يعرف طيب عرفِ العود
الحسود عادة لايحب انتشار الفضائل فهو سينشرها دون إرادة
منه .. فهو نفع من حيث أراد الضرر .
الفكرة غريبة .. ولكن ذلك صحيح وممكن انظروا إلى شيء
محسوس أمامكم ( رائحة العود لاتخرج إلا بالإحراق ).
فهو ضمني لم ينص على أن هذا يشبه هذا ولكنه ألمح إلى هذا
إلماحاً من خلال تجاور الصفتين .
وجه الشبه ( ترتب النفع على محاولة الضرر )فالإحراق ضرر
والإساءة إلى صاحب الفضيلة ضرر , ولكنه ترتب نفع من الإحراق بظهور رائحة البخور , وترتب على إرادة الإساءة عن طريق الحسود نشر الفضيلة .
قول أبي الطيب :
من يهن يسهل الهوان عليه .. مالجرحٍ بميتٍ إيلامُ
يريد أبو الطيب أن يقول " إن من عاش بالهوان واعتاده سهل
عليه تقبل هوان جديد وذل آخر , ولكي يبرهن على صحة مقولته
ضرب مثلاً بالميت فلو جئت بسكين ورحت تقطع أجزاء من جسده أو تنشر لحمه بالمناشير ماتألم ولاصرخ ولاشكى ولابكى ؛لأنه فقد أحاسيسه ألست ترى من خلال المقدمة والبرهان عليه
تشبيهاً ضمنياً ؟؟.
قول أبي الطيب :
ومن الخير بطء سيدك عني .. أسرع السُحْبِ في المسيرِ الجهامُ
الجهامُ : السحب الخالية من الماء .
يقول : إن تأخر العطاء من الخليفة لهو من الخير , وهذا ممكن
لأن السحب في السماء الذي يسرع في المسير إنما هو السحاب
الخالي من الماء , فقد غطى الشاعر المعنى بغلالة رقيقة تشي
عن المعنى وإن لم تفضحه , فهو أورد هاتين الصورتين
المتشابهتين بالإلماح وفي هذا إثارة للمخاطب وتشويق له لأجمل
التأمل حتى لايصل إلى المراد إلا بعد رحلة مشوقة .
يقول ابن الرومي :
وإذا امرؤ مدح امرءاً لنواله .. وأطال فيه فقد أراد هجاءه
لولم يقدر فيه بعد المستقى .. عند الورود لما أطال رشاءه
يقول : إن الشاعر إذا أراد أن يمدح شخصاً آخر فهو بين
حالين إما أن يطيل في المدح أو يقصر فيه , ويحكم على أن
الذي يمدح ويطيل في المدح بأنه أراد الهجاء , وكأن هذه القضية تحتاج إلى دليل عليها فيقول : انظر إلى البئر مالمحمود من أحوال هذا البئر هل هو البئر الذي يحتاج إلى حبل طويل
للوصول إلى الماء , أم البئر الذي يوصل إلى الماء فيه بحبل
قصير فهو جعل صورتين متشابهتين يريد أن يلمح التشبيه منهما
فمكمن الجمال في هذا الأسلوب هو الإثارة وإحاطة التشبيه بغلالة
رقيقة تشي عما تحتها وتغري برفع الحجاب لأجل الوصول إلى المراد .
// قيمة التشبيه الضمني :
يضاعف قوى النفس في تحريكها نحو المراد , فهو يثير
القارئ ويوقظ ذوقه ليستشعر قوة الإمتاع .
// التشبيه التمثيلي :
ماكان وجه الشبه هيئة منتزعة من شيئين
أو عدة أشياء سواء كانت هذه الهيئة حسية أوعقلية .
قول الشاعر :
اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ماتاكلـــه
تشبيه ضمني تمثيلي .. أحاط المعنى بغلالة لتشي بما وراءها
دون أن تفضح المعنى المكنون .
يقول : إذا وجه إليك أحد حسداً فلا تعبأ به .. فإن هذا العمل
منك سيجعله يتقطع غيظاً ويقتل نفسه .. فكأنك قلت : كيف
أتحمل المشقة والألم التي تصيبني من الحسود وهل ستقتله
حسرته ؟!!
قال : نعم , والدليل ( النار ) فإنك إن لم تمدها بالحطب الذي
يديم بقاءها فإنها ستأكل بعضها وتنتهي .
المشبه : حالة الإنسان الذي لايعبأ بحسد الحسود ومايتسببه
فيه تجاهله من إحراق نفس الحاسد وموته .
المشبه به : حالة النار التي لاتمد بالحطب فيتسبب ذلك
في زوالها .
وجه الشبه : إسراع الفناء لانقطاع مافيه مدد البقاء .
قول النبي -صلى الله عليه وسلم - " مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
جعل - عليه السلام- الإيمان قوة واحدة تنتظم قلوب المؤمنين ,
وصوره كالدم المتدفق في الجسم به حياته وتماسكه.. كما
يكون الدم سبباً لحياة الأعضاء وترابطها ومعه وجود الروح وفعلها ..
وأظهر المظاهر المرشدة إلى الإيمان بذل المؤمن وده ورحمته
وعطفه للمؤمنين تألماً لما يؤلمهم وتداعياً لما يصيبهم فالمؤمنون
مهما كثروا كالجسد الواحد إذا تألم عضو تألمت سائر الأعضاء
وهذا مقياس دقيق يقيس به النبي -صلى الله عليه وسلم - حال المؤمنين إذا تم إيمانهم ليحملهم على تزكية الأنفس وإرهاف
الحس ويقظة الروح لكل من يجمع الإيمان بينهم وبينه ليرشدهم
إلى أن مجتمعهم بخير وأمتهم بانتصار ماكانوا كذلك لايتصورون أنفسهم أفراداً في انفصال شأن واستقلال حياة , وإنما يرونها أعضاء جسم يصح بصحةالجميع ويقوى بقوته ويمرض بمرض الواحد ويضعف بضعفه ..أليس تأخر المسلمين وانحدار نجمهم آية صدق هذا الحديث ؟..أليس علاج قلوبهم وأداةانتصارهم وسبب عزتهم أن يعودوا في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم جسداًواحداً ؟ بلى إنه لكذلك , ويمكن أن نجعل وجه الشبه المنتزع من الطرفين التكاتف والتراحم واستشعار الجزء بآلام الأجزاء الأخرى .
صورة المشبه :مايجب أن يسود بين المؤمنين من استشعار ألم بعضهم ببعض .
والمشبه به : الجسد الواحد واستشعار ألم العضو الذي يألم بآلام الأعضاء الأخرى .
قوله -صلى الله عليه وسلم - " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم
يغتسل فيه كل يوم خمس مرات .. ماتقولون .. أيبقى من درنه
شئ ؟؟ .. قالوا .. لايبقى من درنه شئ .
قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا ".
صورة الممثل به سابقة متقدمة لتثير انتباه السامعين وتحرك شوقهم
لاسيما وقد اقترنت بذلك الاستفهام , والذي يطلب
صلى الله عليه وسلم - من الصحابة - رضوان الله عليهم -
الإجابة عليه ليطيل التشوق ويزيد الانتباه مع أن صورة الممثل
بها فرضية محبوبة يتشهاها كل فرد ويشعر معها بالحياة ويحس بالجمال ..
نهر يغتسل فيه المرء كل يوم خمس مرات فقد شبه -صلى الله عليه وسلم-
الصلوات الخمس في تنقيتها للمسلم من الذنوب والخطايا بالنهر
العظيم العذب الصافي ونرى سر اختياره -صلى الله عليه وسلم-
لكلمة( نهر ) فلم يقل ( بحر ) لأن البحرفيه صفات وخصائص
لاتنسجم مع روح الترغيب والتحبيب ففيه الملوحة والصخب بتلاطم الأمواج العاتية بخلاف النهر ففيه السكون والعذوبة والصفاء , فهو
-صلىالله عليه وسلم- يريد أن يرسم الصورة الجميلة للصلوات
الخمس وتأثيرها في حياة المسلم وهدوئه وراحة باله وسكون
نفسه كما تطمئن أمام النهر الجاري .
قوله تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب
بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتىإذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله
عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "
المشبه : هيئة أعمال الكفار التي تظهر في أعينهم جميلة , ولكنها
في الحقيقة لاخير ولاثواب فيها .
المشبه به : هيئة السراب بصحراء واسعة يظنه الظمآن ماءاً فيجهد نفسه
في الذهاب إليه فلايجد هناك شيئاً .
وجه الشبه : الهيئة الحاصلة من الأمل المطمع والنهاية المؤيسة