في البدأ
إلى أصحاب العواطف الخبيثة و القلوب الهزيلة وتجار مفردات الحب الخادعة إلى لصوص الأعراض .
إلى الذين تعروا من دثار العفاف و خلت وجوههم من مكياج الحياء .
إلى الذين صيروا الحب بابا من أبواب المكروالخداع.
لن تجدوا في هذا الموضوع ضالتكم و لا رواء غليل أهوائكم ، فإما البدار إلى تصحيح المسار أو هنا توقفوا و إرحلوا.
قسمت الموضوع على المحاور التالية :
- لماذ الحديث في هذا الموضوع ؟
- الحب حلال أم حرام ؟
- ثم ماذ بعد ؟
- شروط الحب
- إلى هؤلاء أهدي هذا الموضوع
لماذ الحديث في هذا الموضوع ؟
الحديث عن الحب صار لزاما لأن التساهل فيه و التمادي في ركوب أمواجه
هو الطريق السريع إلى الفواحش والآثام والوقوع في الحرام.
و جرعة الحب الزائدة عن الطبيعة تشغل صاحبها عن عظائم الأمور بسفاسفها و تصرف القلوب عن علام الغيوب .
فلو سألت النعمَ ما الذي أزالك ؟ والهمومَ والأحزان.. ما الذي جلبك ؟
والعافيةَ.. ما الذي أبعدك ؟ والسترَ.. ما الذي كشفك ؟ والوجهَ.. ما الذي أذهب نورك وكسفك ؟
لأجابتك بلسان الحال :
هذا بجناية الحب المذموم على أصحابه.. لو كانوا يعقلون..
نعم.. الحديث هنا عن الحب.
لأن انتشار العلاقات المحرمة.. لا يضر الفاعلين فقط.. فقد جرت سنة الله أنه عند ظهور الزنا يشتد غضب الجبار..
ففي الحديث الحسن الذي عند ابن ماجة وغيره ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط ، حتى يعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون ، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا )..
وكم من فتاة ضيعت شبابها.. وفضحت أهلها.. أو قتلت نفسها بسبب ما تسميه الحب وكم من فتى أشغل أيامه وساعاته.. وأضاع أنفاس حياته.. فيما يسميه الحب
وما كيس في الناس يحمد رأيه * فيوجد إلا وهو في الحب أحمق
وما أحد ما ذاق بؤس عشية * فيعشق إلا ذاقها حين يعشق
ونحن في زمن كثرت فيه المغريات وتنوعت الشهوات وترك المفسدون في قنواتهم ومجلاتهم مخاطبةَ العقول والأفهام و لجئوا إلى مخاطبة الغرائز وإثارة الحرام فأصبح الشباب والفتيات حيارى بين مجلات تغري وشهوات تسري وقنوات تُعرّي وأفلام تزين وتجرّي.
فاشتغل الشباب والفتيات بعضُهم ببعض واغتروا بالصحة والفراغ (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى)
وإلا فلو كان أحدهم فقيراً معدماً لا يجد قوت يومه أو ما يسد به رمق أهله
أو مريضاً مقعداً تتناهشه الآلام و الأوجاع
لما وجد في عقله مكاناً لفلان أو فلانة.
الحب حلال أم حرام ؟
هل مشاعر الحبّ بين الجنسين غير المتزوجين جائزة في الإسلام أم أنّها تندرج ضمن نطاق المحرّم الذي يجب على المسلم تجنّبه؟ وإذا جازت هذه المشاعر فما هي حدودها وضوابطها وما هو مصيرها؟
على المسلم أن يضع في اعتباره
بداية قول الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) "الأرواح
جنود مجنّدة، ما تعارَف منها ائتَلفَ وما تناكر منها اختلف".
إذاً فمشاعر الارتياح والميل نحو شخص ما أو حتى النفور منه هي مشاعر تلقائية لا تعرف عند نشوئها التخطيط المسبق إلاّ أنّها لابدّ وأن تسير ضمن نسق
وإطار محدّد رسمته الشريعة كي لا تكون مشاعر الحب للآخرين معول هدم وتدمير لحياة الفرد.
النوع الاول:-الحب قد يُولَد سريعا من نظرة عابرة، بل قد يولد بسماع الأذن دون مشاهدة، وهنا قد يزول وقد يبقَى ويشتد إن تَكرَّر أو طال السبب المولِّد له من رؤية للشخص المحبوب أو الحديث معه أو تذكّره والتفكير فيه، فبمعرفة السبب الموّلد له نكون قد وضعنا أيدينا على حكم الحبّ،
فإذا كان من ذلك الذي قد يصيب الإنسان من النظرة الأولى وبالمصادفة فيكون ضمن الحبّ الاضطراري والذي لم تتدخّل النيّة البشرية في حدوثه أو تغذيته وهذا بفتاوى العديد من الأئمّة يدخل ضمن المصادفة ولا يحكم عليه بحلّ ولا حرمة.
أمّا النوع الثاني
وهو ذلك الذي يغذّيه مسبّبّه من رؤية وحديث مع المحبوب على هيئة لقاءات ونزهات وأحاديث هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات فذلك من
النوع المحرّم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية إذا لم يتراجع ويحكّم شرع الله في كبح جماح عاطفته. فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي
لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت المحرّمات تتولّد بسببه فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو "الحرمة".
ثم ماذ بعد ؟
فالإسلام لم يطارد المحبّين ولم يطارد بواعث العشق والهوى في النفوس ولم يجنح لتجفيف منابع العاطفة، بل على العكس قال الرسول صلى الله عليه وسلّم مخالفاً في ذلك الكثير من الأعراف الإجتماعية القديمة في عدم تزويج المحبّين
خوفاً على سمعة الفتاة: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح" فجعل النهاية المأمولة لكلا الطرفين بالزواج الذي حضّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّبعاً في حديثه هذا طريقة غير مباشرة في التوصية على عدم الوقوف في وجه المتحابّين
وعرقلة اجتماعهما على الخير.
بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم سعى يشفع بين المتحابين و لو كان الحب من طرف واحد و إقرأ إن شئت ما قاله ابن القيم الجوزية ( قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} وكل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع يشفع صاحب الحاجة فيصير له شفعا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها فدخل في حكم هذه الآية كل متعاونين على خير أو شر بقول أو عمل ونظيرها قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وفي الصحيح عنه أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما أحب" وفي صحيح البخاري أن بريرة لما عتقت اختارت نفسها فكان زوجها يمشي خلفها ودموعه تسيل على لحيته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لوراجعتيه فإنه أبو ولدك" فقالت أتأمرني قال: "لا إنما أنا شافع" قالت فلا حاجة لي فيه فهذه شفاعة من سيد الشفعاء لمحب إلى محبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عند الله فإنها تتضمن اجتماع محبوبين على ما يحبه الله ورسوله ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين )
كما أنّ الحب في الإسلام حبّا راقيا
لا يضع معايير الشكل الخارجي في الحسبان فقط. فكان حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صفات الفتاة التي يعدّ الزواج والقرب منها ظفراً
للمسلم فقال"تنكح المرأة لأربع، لحسبها ولجمالها ولمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".. وبذات الوقت الذي تفهّم فيه الإسلام نفسيّة الإنسان
وأقر له باحتمالية وجود ونشوء مشاعر الحبّ نحو الآخر إلاّ أنّه قد وضع لها من الضوابط ما يهذّبها ويسير بها نحو طريق الأمان فكان الزواج هو واحة
المتحابّين الوحيدة في التشريع الإسلامي.
شروط الحب
فقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم( لم يُر للمتحابين مثل النكاح)
أخرجه ابن ماجه والحاكم و البيهقي و سنده حسن.
فدلَّ ذلك على جواز الحب ولا تقل لا أريد إلا فلانة.. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أعجبت أحدكم امرأة فليأت أهله.. فإن معها مثل الذي معها )
و من الشروط اللازم توافرها منها :
1ـ أن يكون خالياً من المخالفات الشرعية، في كل صورها لأنها في هذه الحالة (قبل الزواج) ما زالت لا تحلّ له.
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له أن يمسّ امرأة لا تحلّ له )- الحديث صحيح أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي وغيرهما.
وفي صحيح البخاري حديث عائشة رضي الله عنها( و الله ما مسَّت يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ( - الحديث البخاري8/504 ومسلم 3/1489.
2 - ألا يُلهي هذا الحب عن ذكر الله وعن الحب الأكبر لله تعالى ولرسوله.
3 - أن يكون المحب ممن يستطيع كبح جوارحه ونفسه عن الوقوع فيما لا يحل، يقول ابن القيم ( إنما الكلام في العشق العفيف، من الرجل الظريف الذي يأبى له دينه وعفته ومروءته أن يفسد ما بينه وبين الله تعالى )
4 ـ ألا يتعرض لمن يحب بالذكر بأن يذكر اسمها أو تذكر إسمه في جماعة من الناس، يقول ابن القيم ( والعاشق له ثلاث مقامات مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء فأما مقام ابتدائه فالواجب عليه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول الى معشوقه متعذرا قدرا وشرعا فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلا السفر الى محبوبه وهذا مقام التوسط والإنتهاء فعليه كتمانه ذلك وأن لا يفشيه الى الخلق ولا يشمت بمحبوبه ولا يهتكه بين الناس فيجمع بين الظلم والشرك فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم وربما كان أعظم ضررا على المعشوق وأهله من ظلمه فإنه يعرض المعشوق بهتكه في عشقه الى وقوع الناس فيه وانقسامهم الى مصدق ومكذب وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة وإذا قيل فلان فعل بفلان أو بفلانه كذبه واحد وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعين )
5 - عدم استخدام طرق شركية أو محرَّمة للوصول إلى المحبوبة أو المحبوب .
6 – لكي يظل هذا الحب عفيفاً لا يحاول أحدهما أن يبادل الآخر مشاعره تحت أي ظرف و تجنب طريق ذالك من الخلوة لقوله صلى الله عليه وسلم ( ولا يخلون رجل بامرأة فإنَّ ثالثهما الشيطان ) الحديث صحيح أخرجه الترمذي في سننه 6/384.
وعن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ( إياك أن تخلو بامرأة غير ذات محرم وإن حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن ) انظر سيرة عمر بن عبدالعزيز ص230 لابن الجوزي.
أما عن الحب الذي لا ينتهي بالزواج، فهو و الله ليس حباً، بل رغبة جنسية ـ كما أنَّ الحب الحقيقي هو ما يثبت أو يتوكد بعد الزواج عن طريق المودة والمعروف والرحمة التي يقذفها الله تعالى في قلب الزوجين.
إلى هؤلاء أهدي هذا الموضوع
إلى المشتاقين ..المعظمين للدين .
إلى المشتاقين دخول الجنات .. ورؤية رب الأرض والسماوات .
إلى الذين تعرض لهم الشهوات..وتحيط بهم الملذات..فلا يلتفتون إليها..
هم جبال راسيات .. وعزائم ماضيات .. عاهدوا ربهم على الثبات ..
قالوا ربنا الله ثم استقاموا ..
يرون الناس عن طريق الاستقامة يتراجعون .. وهم على طاعاتهم ثابتون ..
أعظم ما قربهم إلى ربهم .. ثباتهم على دينهم .. وسرعة توبتهم بعد ذنبهم ..
إنهم قوم .. إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكروا ذكروا .. وإذا خوِفوا من عذاب الله انزجروا .. يتركون لذة الملك والسلطان .. والمنعة والمكان ..في سبيل النجاة من النيران .. والفوز برضا الرحمن ..
{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون * أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون } ..
هم بشر من البشر .. ما تركوا اللذائذ عجزاً عنها .. ولا مللاً منها ..
بل لهم غرائز وشهوات .. ورغبة في الملذات .. لكنهم قيدوها بقيد القوي الكريم..يخافون من ربهم عذاب يوم عظيم.. عاهدوا ربهم على الطاعة لما قال لهم : { اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } .. فثبتوا على دينهم .. حتى ماتوا مسلمين .. لم يفلح الشيطان في جرهم إلى خمر خمار .. ولا مخالطة فجار .. الناس يتساقطون في الحرام .. وهم ثابتون على الإسلام ..
فعجباً لهم ما أشجعهم .. وأقوى عزائمهم وأثبتهم ..الكل يتمنى أن يعيش عيشهم .. إن لم يتمنى ذلك في الدنيا .. تمناه في الأخرى ..