........أين الصديق؟
تساؤل لم يخطر علي بالي من قبل؟ يمكن لاني كنت أجده أمامي كلما دعت الحاجة إليه.أيام الدراسة كنت بارعا في تكوين الصداقات مع ابناء جيلي نظرا للتقارب في العمر والفكر ولأننا من نفس الطبقة الاجتماعية لذا كنت عضوا متميزا في "الشلة".
اما الان وبعد ان تخرجت من الجامعة ودخلت حياة جديدة هي حياة العمل اصبح الفرد فيها مجرد رقم او خانة ضمن سلسلة كشوفات العمل، والروح التي تنبض في هذه الأرقام هي روح العمل.ولم تكن أبدا قائمة علي المعايير ذاتها الموجودة في علاقاتي مع أصدقائي.
فجأة رحل الجميع وسافروا الي الوطن وتركوني وحيدا في أتون حرب الاغتراب وروتين العمل القاسي وقالوا لي :"الي هنا انتهي دورنا عليك ان تكمل الطريق بمفردك".
قديما قيل الصديق وقت الضيق , ولم لم يكن كذلك لما بقيت تردد الي يومنا هذا .
شعور الحاجة الي صديق كان الهم الذي يؤرقني ,الصديق في الغربة هو العائلة هو الام الرؤوم والأب الحاني والاخوة والأخوات بل هو كل شيء.
كثيرا ما كانت تواجهني المشاكل وكان صديقي يعرف مابي قبل ان أقول من عيني يعرف ما يؤرقني ولم يبخل علي يوما بنصيحة او شيء من هذا القبيل.
والان وبعد ان ذهب ماذا افعل؟ بعض المحبين قالوا لا تأسر نفسك بقيد صداقة فلان تمرد علي هذا القيد . ولكن هل من السهل ان تجد بديلا لمن توحدت معه وكنت أنت هو وهو أنت؟ لا اعتقد بل اجزم انه من الصعب ان يجد الانسان صديقا صدوقا ,حتي اصبح الحصول علي لبن العصفور ايسر من الصديق الوفي.
الانسان لا يعرف الصديق الا عندما يفتقده ,فحينما تباغتك المشاكل وتقتحم حياتك الهموم وتبلغ القلوب الحناجر . ولا تجد منجي ولا ملجأ الا ذاك السراب الذي يتمايل وسط الرمال ولكن هيهات ان تبلغ تلك الصداقة.حينها تعرف كم كان فراق الصديق مؤثرا فلو كان عندك لما تورعت ان تبيح العبرات الحري أمامه. حتي الهاتف او البريد الإلكتروني لا يجدي نفعا.
نحن في الغربة نجلس الساعات الطوال نحسب كم من الأيام باق للإجازة السنوية. لتسافر الي الأهل وتلتقي الأصدقاء بعد طول غياب , ولكن هل الإجازة تكفي لتعويضك عن ما مضي من الوقت وأنت بعيد عنهم , ولنفترق من جديد وتسير عجلة البعد مسرعة وتزداد نار الوجد والاشتياق اتقادا وكأنك أخذت الإجازة من اجل ان تذكي تلك النار.
في غربتي ذبلت جميع ورود البساتين وبعثرت أوراقها رياح الشوق واحالتها الي ارض بور بلقع, فالصديق هو ذاك الفلاح الذي يشق الفؤاد بمحراثه وتنمو بساتين القلوب وترقص أغصانها عصافير الأمل.
ولكن ما أتمناه ان أصحو من النوم يوما واجد أصدقائي من حولي، لأودع الوحدة الي الأبد.
فأين أنت عني يا صديقي؟