قد يبدو العنوان مثيرا للدهشة عندما يتم الحديث عن تحرش أساتذة الجامعات بطالباتهم في بلد مغرق في المحافظة كالأردن، ولا يتخيل البعض أن الأمر غدا ظاهرة تستحق الدراسة والبحث إلا عندما يعلم أن 57% من الطالبات الجامعيات في الأردن يتعرضن للمضايقات والتحرشات الجنسية المستمرة من قبل أساتذتهن بحسب استطلاع أجرته صحيفة يومية أردنية! خاصة إذا عرفنا أن مفهوم التحرش لا يعني بالضرورة ممارسة فعل مناف للحياء، لكنه بالضرورة يشمل كل قول أو فعل أو إيحاء يحمل مفهوما جنسيا، وقد يختلط على البعض مفهوم التحرش والمضايقات الجنسية بمفهوم المعاكسة في الشارع، لكن الأمرين مختلفان تماما وإن كانا في المحصلة يسببان نفس الأذى للفتيات .
قصص تحرش
تورد إحدى الصحف اليومية الأردنية بعض النماذج لما يدور في أروقة ومكاتب ومرافق الجامعات الأردنية من مضايقات جنسية أو تحرشات بالطالبات.. فتقول إحدى الطالبات وعمرها 22 عاما وفي السنة الأخيرة بكلية الاقتصاد: إنها تعرضت للتحرش الجنسي المباشر وغير المباشر من أحد أساتذتها بالجامعة، وتضيف: "اقتصر الأمر في البداية على إيحاءات عبر الكلام وتلميحات جنسية، وانتقل الأمر بعد ذلك إلى تحرشات مباشرة باللمس، وبمجرد تقدمي بشكوى شفهية ضده إلى رئيس القسم انقلب ضدي، وتعرب هذه الفتاة عن اعتقادها بأن الأمر لا يعود إلى ارتدائها لملابس فاتنة أو مغرية فقط، وأن القضية مجرد مسألة نفسية داخل الشخص نفسه .
أما (ع. ع) الطالبة في كلية الآداب بالسنة الثالثة في إحدى الجامعات الأردنية الخاصة فتتحدث عن قصتها مع مدرس شاب يتقرب إلى جميع الفتيات من طالباته، ويستغل أحيانا حاجتهن إلى النجاح والتفوق، وتضيف: "شاءت الأقدار أن يضبطني هذا الأستاذ وأنا أمارس الغش مع زميلة لي في أحد الاختبارات، ومن يومها أصبح يتحرش بي ويبتزني بالكشف عن عملية الغش".
وتقول: إنه صار يستدعيها إلى مكتبه بشكل يومي بحجة البحث في قضيتها، لكنها تضيف أن تحرشاته كلها كلامية لم تصل إلى حد اللمس، لكن القضية تطورت إلى إزعاجات هاتفية على الموبايل، وفي المنزل "يسمعني فيها أصواتا وألفاظا جنسية".
أما (ن. ز) فتحكي قصتها وتقول: "أدرس إدارة الأعمال، في السنة الأولى من دراستي الجامعية ذهبت إلى مكتب الدكتور (ع. ج) لأن نجاحي كان متوقفا على بضع علامات، فرجوتهُ طويلا إلا أنه لم يقبل، وخرجت من مكتبه باكية وعاودت الاتصال به لاحقا في على الموبايل فأخبرني أن علامتي في هذه المادة وأي مادة أخرى لديه لن تقل عن 90% شريطة أن أخرج معه في رحلة ليوم كامل إلى مكان هادئ"!
التحرش بالأرقام
ويظهر استطلاع أجرته صحيفة الغد الأردنية شمل 100 من الطالبات تم اختيارهن بشكل عشوائي، في ثلاث جامعات خاصة وحكومية أن 57% من الطالبات اللاتي شملهن الاستفتاء تعرضن للمضايقة من قبل أحد أساتذة المواد مرة أو أكثر خلال دراستهن الجامعية، وأن 20% من هذه الحالات كانت مصاحبة للتهديد إما بالرسوب أو بالعلامات المنخفضة.
كذلك أظهر الاستفتاء أن 33% كان تحرشا لفظيا، بينما تعرض 24%من الفتيات لتحرش جسدي و8% لتحرش جسدي مباشر، وقد فكرت 18% من هؤلاء الطالبات برفع شكوى، بينما قامت 2% فقط منهن برفع الشكوى.. ولم يثبت فعل التحرش.
ولا تدرج المؤسسات المعنية بالتحرش الجنسي مثل مؤسسة حماية الأسرة أو الأمن العام أو حتى منظمات الدفاع عن المرأة نسبا أو أرقاما حول ظاهرة تحرش الأساتذة بالطالبات، ويقتصر الأمر على دراسة التحرش الجنسي بالأطفال وفي إطار العائلة والاعتداءات الجنسية والاغتصاب .
ولا توجد قوانين أردنية صريحة تجرم التحرش الجنسي بالنساء، وتحجم العديد من النساء والفتيات في الأردن عن تقديم شكوى في المراكز الأمنية ضد المتحرشين بهن بسبب عقبات اجتماعية وعائلية، ولم تسجل ملفات المحاكم الأردنية العام المنصرم أي قضية تحرش جنسي، بينما سجلت العديد من قضايا هتك العرض أو محاولات الاغتصاب، على الرغم مما تتركه ظاهرة التحرش بالنساء عموما وبالطالبات على وجه التحديد من آثار سلبية على صحتهن النفسية وحياتهن العاطفية والاجتماعية والعائلية والجسمية.
ولا ينطبق الأمر على الفتيات الطالبات بل يمتد ليشمل النساء الموظفات، سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الخاص، حيث أشارت دراسة لوزارة العمل الأردنية أجريت عام 2001 أن العديد من الموظفات النساء يتعرضن لمضايقات وتحرشات جنسية في محيط العمل من قبل زملائهم ومرءوسيهن بسبب الضعف الذي توجد عليه الفتاة أو المرأة العاملة أو الموظفة في علاقتها بالمسئول أو الرئيس، وفي علاقتها بالرجال عامة في الشارع، من أجل ابتزازها جنسيا والاعتداء عليها لفظيا أو جسديا.
وقدرت الدراسة نسبة الموظفات اللاتي يتعرضن للتحرش في محيط العمل بنحو 30%.
آراء في التحرش
تقول الإخصائية الاجتماعية في مكتب عمادة شئون الطلبة في الجامعة الأردنية (خ.ع): إن بعض الدراسات خلصت في بعض نتائجها إلى جعل مدى تجاوب الفتاة أو رفضها للسلوك الصادر عن المتحرش عنصرا محددا في اعتبار ذلك السلوك تحرشا جنسيا.
وتضيف: "استجابة المرأة أو الفتاة إيجابيا ومسايرتها يخرج الفعل عن مفهوم التحرش، كما أن التحرش يرتبط في العادة بسلوك صادر عن شخص يملك سلطة إدارية أو مهنية تجاه شخص آخر يكون في الغالب امرأة".
ويقول (م.ن) الطالب في كلية الشريعة بجامعة اليرموك: "إن الإسلام حرم كل ما له صلة بالزنا، سواء كان ذلك عن رضا أو عن عدم رضا، أو كان صادرا عن شخص مسئول يملك سلطة، أو عن شخص مسئول عنه يملك أو لا يملك أية سلطة. قال عز وجل: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}، والاقتراب يتضمن أيضا مقدمات الزنا كالنظرة والكلمة واللمس... وغيره مما يمكن أن يدخل تحت مسمى التحرش الجنسي، والرجل والمرأة في هذا سيان".
ويطرح (هـ.خ) رأيا مغايرا بالقول: إن مفهوم التحرش الجنسي لا يمارس على المرأة فحسب بل إنه يمارس أيضا على الرجل أيضا، ويعتقد أن الفتيات بسكوتهن وصمتهن يفتحن الطريق أمام تطور التحرش.
ويضيف أن بعض الفتيات يتحرشن جنسيا بالرجال عن طريق التبرج الفاضح وإبراز المفاتن أو التحدث بنعومة و"دلع".
معركة خاسرة قانونيا
ويوضح أحد المحامين أنه رغم وجود قوانين أردنية تعاقب على التحرش الجنسي، فإن المتحرش بهن يصدمن بعقوبات كبيرة، من بينها وسائل الإثبات -مثل الشهود- التي لا يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، لأن التحرش الجنسي غالبا ما يتم في فضاءات مغلقة. ويضيف أن ما يزيد من صعوبة الموضوع كون المقدمين على التحرش الجنسي غالبا ما يعمدون إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة من أجل محو أي آثار للجرم المقبلين على ارتكابه