الليلة أجلس على شاطئ البحر وحيدا إلا من أحزاني وكم أنا بحاجة الى إبتسامتان : واحدة عند الحزن وأخرى عندما يشتد بي الحزن ، فذاكرتي تود الرحيل الى مصاف المسرات ولكن من أين لها أن تسير ؟
وأسأل نفسي وأيامي مشتعلة بالسهر ومتوقدة بالحزن :
هل ينتهي الماضي حقا بكلمة وداع أو جرة قلم أو لحظة تأمل للمستقبل البعيد أم إ نه يتابع حياته داخل رؤوسنا ويبحر في خلجات الذكريات الى جزر القلب ؟
تصافح قدماي ماء الشاطئ وأحاول البحث عن مكان بعيد عن الناس وقصي عن رؤى الخلق لعلي أستطيع أن أخرج قلبي للمرة الأولى لكي أراه بوضوح والمس سر أحزانه وآلامه ، وفي طريقي أمر على طفلتين صغيرتين تلهوان باللعب برمال البحر وبناء قصور من الطين ، ويتناهى الى سمعي صوتهما وهما ينشدان :
ياطيبة .. ياطيبة .. يادوا العيانا
إشتقنالك .. والهوى نادانا .
وأتامل الموقف وأسخر من نفسي ومن حوادث الأيام التي تعيدني قسراً إليكِ حتى في لحظات هروبي منك وإرتحالي عنك ، فأنتِ فعلا .. طيبة .. طيبة ، وانتِ أيضا دواء لكل حزني وجرحي ، والشوق في قلبي لك عظيم وعظيم ، والهوى يناديني إليك ويلوح بقلبي بإتجاه عينيك الجميلتين . وأجدني أبتسم بحزن ، وأدمع بإبتسامة فكل شئ في هذا العالم يشير ببوصلته إليك حتى في لحظات التنائي والفراق .
أقف على الشاطئ وألقى بحجر الى ماءه وكأني القي بحجر من السؤال في عرض هذا البحر :
لماذا لا يكون الحب كما تتدفق الأنهار ؟
كما يصٌعد القمر ؟
كما تنمو الأعشاب البرية ؟
أم أن الحب حالة ضمأ لا تعرف الإرتواء والإكتفاء ؟
لقد سألتها وصوتي ينز بتعب وعتب بنفسجي :
لماذا تودعينني وأنت تعلمين كم أحبك وكم احتاجك ؟
وجلدني سؤالي ولذت بصمتي ، ورأيت وجهها تعبر به غيمة حزن ، فأبعدت عيناها عن إتجاه عيناي وعضت على شفتيها كأنها تستحضر كلاما لايجرح لكنه يشرح كل شئ ، أو كأنها تحاول التفكير بالنيابة عني ، ونظرت إليٌ والدمع يلمع في عينيها ، وأجابت بصوت متهدج :
لأنني أحببتك أكثر ؟
ثم أضافت بصوت كأنه غمامة تمطر حزنا وشجنا :
صدقني ما أجمل ان تودعك الحبيبة لأنها أحبتك أكثر !
فتأملت عينيها وأنا أغلق حزني على نوافذ قلبي ، وقلت لها بمسحة حزن وصوتي يرشح بالخيبة : الحب أكبر مني ومنك ، وإذا كان هذا الحب حقيقيا ستعودين إليٌ رغما عنك وسأعود إليك رغما عني ، لأن الحب الحقيقي هو وحده الذي يجعلنا نتذوق طعم الفرح والسعادة الحقيقية ، التي لا يستطيع أي إنسان ان يتخلى عنها مهما كانت الظروف .
ثم أضفت والإنكسار بادي على ملامحي :
ما أجمل الحب الذي حدث بيننا ..
ما أجمل الحب الذي لم يحدث بيننا بعد ..
ما أجمل الحب الذي لن يحدث بيننا أبدا .
فتأملتني بصمت وهي تحاول أن تبتسم كمن يسرق الإبتسامة من الحزن ، وقالت بصوت مبحوح : وداعاً حبيبي .....
وتركتني لوحدي ومضت وأنا أسأل نفسي حائرا دامعا :
مافائدة الحب الذي يكبر ولا يزيدنا إلا تعاسة وحرمانا وعذابا ؟
ياصديقي البحر .. لقد كنت دوما شاطئ يحتضن موجة حزنها فلماذا لا تأتي وتأتخذ هي بعضا من حزن قلبي لأرتاح ولو قليلا .
ياالله .. ماأصغرني أمام هذا الحب العظيم ، ما أصغر الفرح في قلبي قبل مجيئك ، ما أصغر الفرح في قلبي بعد غيابك ، لقد كتبت " فراقك " مكان " غيابك " ووجدت قلبي يأمرني أن أكتب الغياب بدلا من الفراق لأنه لا يتخيل ان يكون هذا هو الفراق الأبدي الذي لا لقاء بعده ، هل رأيت كم هو قلبي يملي علي وأنا اكتب مايريده هو فقط .
إن حياتي من بعدك شتاء طويل أقضيه لوحدي ، كل يوم تطل عليٌ شمس الحب وتُذكرني بأن غدا أجمل ثم تلملم رداءها وتغيب لتنام في الأفق وتتركني لليل لأهوي في محيط الدمعة .
وأسافر وحيدا إلا من جرحي فأنا بدونك مثل قارة من الملح لا يخرج منها أي غصن اخضر ، أنا بدونك مثل النباتات الشوكية التي لا تورق و لاتزهر .
إنني أجدك عندما أريد أن اعطي معنى لمعنى الحب وأفتقدك عندما أريد ان أخبر من حولي ماذا يعني الحبيب .
لقد علمني حبك أن أخاف من السعادة ، ما أكتشفتها مرة إلا وفقدتها ، لقد تعلمت من الحياة ومن الجروح ومن الأحزان ومن الفقدان أن الفرح يجب أن نسرقه من عين الزمن ومن عين الحب كذلك أيضا . لقد كنت دوما أبحث معك عن فرحة أكثر عذوبة من احلامي ولقد وجدتك أجمل وأعذب وارق من كل أحلامي وتطلعاتي وكنت أبحث دوما معك عن فراق أجمل واعذب من ان يكون وداعا ، لقد كنت أتمنى دوما أن تكون قصة حبي لك هي الخالدة وهي التي تدون في كتب التاريخ وهي التي يتناقلها الناس والعشاق من شدة ما أحببتك و أحببت حبك .
الليلة أبحث عنك بداخلي فأجدك في قلبي فأنا لا أستطيع أن أتذكرك دون أن تحط على جدار ذاكرتي ألف يمامة ، وتطير ألف يمامة . ومنذ أن غبت عن عيني لم تغيبي أبدا عن قلبي ، رغم أن الشمس بعد غيابك لم تعد تضئ على سواحل قلبي ، ولم يتبقى لي سوى طيفك الذي كلما مرني إحتضنته بصدري علني أخمد الجوى والألم ..
فحزني أكبر من أن أتقاسمه مع أحد رغم أنه في مكان ما من اعماقي ، إحساس بالسعادة من أجلك لأنك التي إخترتي الفراق واحببتيه .
الليلة على شاطئ البحر أبحث لهذا الحب عن شاطئ الآمان ، وأقف وحيدا في مهب الجرح ويتراءى لي في آخر الدرب جزيئات السراب اللامعة التي تهرب بعيدا كلما إقتربت منها ، أسير نحوها بخطى مثقلة بالجراح وقد إتضحت على جسدي بقايا جروح الزمن فلا حزن يطويني كحزني على بعدك .