طَوِيلًا جَلَسْتُ أَتَوَحَّمُكَ
أُنَقِّبُ عَنْ فُتَاتِ لَحْظَةٍ لَكَ
أَقْتَفِي أَثَرَ مَلَامِحٍ عَبَرَتْ مِنْ هُنَاكَ
لَا زَالَتِ الطَّرِيقُ تَرْسُمُ لَنَا
مَعَابِرَ صَغِيرَةً.. صَغِيرَةً
وَلَا زَالَ الْهَوَاءُ بَارِدًا
يَتَنَاسَخُ لِلْمَوَاعِيدِ المَنْسِيَّةِ.
*
غُمُوضٌ اجْتاحَ نَفْسِيَ
لِأَدْخُلَ لُعْبَةَ الاخْتِفَاءِ وَحَدِي،
وَأَصْعَدَ أَدْرَاجَ الصَّفْصَافِ
لِأَكْتُبَ عَنَاوِينِي عَلَى قَرْصِ الشَّمْسِ،
وَأَهْمِسَ عَلَى شُرُفَاتِ الْقَلبِ:
هَلْ تَسَاقَطَ الزَّمَنُ السَّاكِنُ دَاخِلَ ثِيَابِي،
وَدَخَلَ مَوْجَ الرِّيحِ؟
هَلْ لَبِسْتُ قَمِيصَ المَاءِ فَوْقَ رِدَاءِ المَنْفَى،
أَمْ دَخَلْتُ فِي قَفَصِ القَوَارِضِ
فَمِتُّ فِي المَكَانِ مَرَّتَيْنِ؟
هَلْ دَخَلْتُ مُدَنَ الْغَيْمِ وَمَمَرَّاتِ الْحَرَائِقِ
فِي أَسْفَلِ الْقِيَامَةِ؟
إِذًا..
لِتَرْتَجِفْ شَهَوَاتُ الْجَسَدِ الْهَرِمِ
تَحْتَ اَلْجِلْدِ المُتَعَرِّقِ شَوْقًا.
*
مَرَاكِبُ النَّفْسِ تَتَنَهَّدُ/تَدْخُلُ مَدَارَ الْعُمْقِ
أَسْتَرِدُّ الْبُعْدَ.. أَسْتَرِدُّهُ،
وَأَكْتَشِفُ رُوحِيَ الْفِيكَ وَأُعَانِقُ صَدْرِيَ بِكَ..
مَا زِلْتُ أَحْمِلُكَ فِي دَاخِلِي
مَا زِلْتُ أَبْحَثُ عَنْ مَلَامِحِكَ فِي سَاعَةِ نَوْمِي
لِي مَعَكَ صَرْخَةٌ عَلِقَتْ بِمَدْخَلِ الزُّقَاقِ
لِي مَعَكَ صَبْوَةُ عِشْقٍ تُدَغْدِغُ بَصَرَ عَيْنَيَّ
كَيْفَ لَا يَلْهَثُ قَلْبِي وَأَنْتَ
أَشْجَارُ المَرَحِ لِأَعْشَاشِ الْحَمَامِ؟!
*
الْأَيَّامُ نَثَرَتْنَا فِي حُقُولِ الْغِيَابِ
لَـمْلَمْنَا خَفَقَاتٍ كُنَّا تَرَكْنَاهَا وَأَدْمَنَّا الْفِرَاقَ
فَوْقَ المَمَرَّاتِ تَرَكْنَا خُطَاهَا تَمْشِي،
وَمَلَأْنَا الْجُيُوبَ دَوِيًّا يُؤْلِـمُنَا
وَحِيْدَانِ.. لَا نَسْكُنُ إِلَّا الظِّلَالَ
لِتَتَعَطَّرَ الذَّاكِرَةُ وَتَلْبِسَ جَفْنًا غَفَا بِعَيْنِ التَّأَمُّلِ
فَقَلِيلًا مَا تَنَامُ الْأَحْلَامُ فِي الْغَبَشِ،
وَكَثِيرًا مَا تَفِيضُ النَّزَوَاتُ بِالْوَجَعِ،
وَتَهْرَعُ الْأَصَابِعُ لِالْتِقَاطِ الصُّوَرِ.
*
ثَمَّةَ رُوحٌ تَسْكُنُ شَاطِئًا لِلْحَنِينِ
ثَمَّةَ جَسَدٌ يَنْصَهِرُ فِي الْآهِ
يَعُضُّكَ الْجُوعُ فِي اللَّيْلِ لِتُغَادِرَ مَنَصَّةَ النَّوْمِ،
وَتَمْضِيَ بِغِطَاءِ رَأْسِكَ لِتَعْزِفَ عَلَى نُوْتَةِ الْعَقلِ
تَرَاتِيلَ النَّحِيبِ.
*
أَسْلَاكُ الشَّوْقِ تَغْرَقُ فِي السَّاعَةِ،
وَالصُّمْتُ يَحْرُثُ أَصَابِعَ النَّدَمِ..
صُوَرُنَا سَتَتَكَلَّمُ؛
سَتَزْرَعُ فِي المَكَانِ إِكْلِيلَ التَّمَنِّي
لِتَأْخُذَ الذَّاكِرَةُ مَقْعَدًا تَحْتَ رُخَامِ المَدَافِئِ،
وَلِتُهْدِيَنَا المَصَابِيحُ بَرِيقَ الْأَمْسِ
لِيَتَلَبَّدَ الْأمَلُ فِي الصُّوَرِ المُتَوَرِّمَةِ.
*
لَا شَيْءَ مِنْ عَيْنَيَّ يَفِيضُ غَيْرُ مَمَرَّاتٍ مَرْمِيَّةٍ
تَعْصِفُ بِهَا الرِّيحُ،
وَأَوْرَاقٌ يَتَنَاسَلُ فَوْقَهَا الْغُبَارُ فِي الزَّمَنِ الْكَسِيحِ
مَحْمُولًا عَلَى عَرَبَةِ الْفَقْدِ وَالتِّيهِ..
ثَمَّةَ قِطَارٌ يَمُرُّ بَيْنَنَا وَيَنْفُثُ دُخَانَ العَدِمِ
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ عَيْنَيْنِ تَشِيخَانِ فِي غَازِ العُزْلَةِ،
فَتَعَالَ مِنْ جَدِيدٍ
نجْمَعُ أَصْدَافَ الْحُبِّ كَأَوَّلِ صُدْفَةٍ.