وهي مصداقية يمكن ان تهتز في حالة واحدة فقط تتمثل في ان يقتصر التدخل على ملف الاسلاميين فقط باعتباره عابرا للحكومات ومصنفا كملف امني وليس سياسيا، على حد تعبير المستشار السياسي لرئيس الوزرا ء سميح المعايطة، بمعنى انه ملف يخص الدولة قبل الحكومة على رأي الدكتور بسام العموش.
اذا حصل ذلك بمعنى اقتصار التدخل على ملف مقاطعة الانتخابات والتنظيم الاخواني فقط فسيدلل على ان رئيس الوزراء سمير الرفاعي الذي يغيظ الكثيرين ويتجاهل الاكثر ويمضي كالقطار متجاهلا الاعتراضات والاحتجاجات يتحرك ضمن خطة مرسومة وسكة محددة قوامها استعادة الولاية العامة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
لكن ذلك لا يعني الا التركيز على ان الارتباك لا يزال سيد الموقف في المشهد السياسي الداخلي، فالجهات التي تآمرت في الماضي القريب على برامج "حكومات الظل الموازية" التي شكلت دوما رأيا مرادفا متاحا في الساحة بدعوة الولاية العامة للحكومة فقط هي نفسها الجهات التي تسوق الآن لمقترحات اشراك ثقل الظل في القرار وتنتقد استفراد الرئيس الرفاعي بالحكم والسلطة.
بوضوح شديد لا يمكن نكرانه عندما عزز القصر الملكي نظام استشارات داعما للحكومات التنفيذية اعلنت معارك تحت عنوان التدخل غير الدستوري في عمل الرؤساء والحكومات من قبل شخصيات متنفذة، قبل ان تعلن معارك ضد ما يسميه البعض تعسف الرفاعي في استخدام حقوقه الدستورية في الولاية العامة.
وعندما جاءت مؤسسة القصر برئيس وزراء قوي وصلب وبدأ الرجل يتصرف منفردا في القرارات والتوجيهات حتى يمكن محاسبته لاحقا ثارت الدنيا وتحرك نفس الذين اعترضوا في الماضي بدعوى الدفاع عن استعادة الولاية العامة باتجاه الدعوى لتدخل بقية الجهات في عملية صنع القرار.
مثل هذه المراوحة تعكس اجواء عدم الاستقرار في نخب السياسة والاعلام برأي سياسي كبير من طراز ممدوح العبادي ما زال يؤمن بان السياسة يصنعها السياسيون والديمقراطية يحميها الديمقراطيون والاصلاح يبثه في المجتمع الاصلاحيون الحقيقيون وليس المزيفون.
كما تعكس المراوحة نفسها سؤالين لا يستطيع المجتمع السياسي الاردني حاليا الاجابة عليهما بشفافية، فهل يريد هذا المجتمع رئيسا للوزراء بولاية كاملة؟ ام الافضل لمصلحة البلاد والعباد رئيس للوزراء مع حلقات ومطابخ استشارية متعددة تستثمر التنوع وتشكل مسارات حركة وحراك موازية ومنتجة في المجتمع.
المفارقة ان من يغضب من الحكومة يسارع للقول بانها لا تمثل الدولة.. مقابل ذلك من تغضب منه الحكومة لسبب او لاخر تستهدفه باسم الدولة، وتجربة الاسابيع الماضية تثبت بأن عملية التطور السياسي والاعلامي الطبيعية نتج عنها "شركاء اجباريون" لاصحاب ومؤسسات القرار في تجارب الحياة السياسية.
هؤلاء الشركاء لا يمكن لاي رئيس وزراء تجاهلهم ولا لاي حكومة تطهير التجربة منهم .. بعضهم بطبيعة الحال يستحق الشراكة عن جدارة ووطنية وبعضهم خطف الشراكة او خلق امرا واقعا.. وبكل الاحوال الحكومات في الاردن لم تعد حرة كما كانت في الماضي والرؤساء ليسوا هؤلاء الاشخاص الذين سيطروا على صولجان السلطة ومارسوها دون حسيب او رقيب مع كل الهيبة الممكنة.
الدليل ان قرار اداريا واحدا اتخذته حكومة الرفاعي انتهى باعلان رئيس الوزراء عدوا للحريات ومقاطعته مع نشر صوره على هذا الاساس والتلويح بنشرها من كثيرين.
والدليل ان "سفرة خاصة" مقررة قبل ثلاثة اشهر للرفاعي لم تشفع له في تجنب موجة حادة من الانتقاد، فالجدل في البلاد محتمل على كل المحاور، والسفير الامريكي في عمان كان يستقبل في افطاره الموسمي نخبة كبيرة من المشاغبين اعلاميا على الحكومة او مقاطعيها ومنتقدي رئيسها.
وفي لحظة ما همس السفير في اذن احد الاعلاميين قائلا: الحوار والجدال في المجتمع الاردني صحي وجيد لكل الاطراف. واضاف: جيد ان تستمع الحكومة احيانا.
هذه العبارة واضحة المعنى والاهداف لان المناسبة التي قبلت فيها كذلك، فحتى السفارة الامريكية تدعم في النتيجة محاولات الشغب على الحكومات واصبحت طرفا في معادلات النقاش الداخلية ليس فقط لانها تمكنت من حشد عشرات الاعلاميين والكتاب ممن ينتقدونها ليلا نهرا ويخطبون ضدها في حفل افطار موسمي، ولكن ايضا لان نخبة من رموز الشغب على حكومة الرفاعي كانت هناك.. نقصد في حفل الافطار الامريكي.
طبعا لا يعني ذلك ان الرفاعي ـ لا سمح الله - خصم للسياسات الامريكية في المنطقة، فالرجل كان دوما قريبا من واشنطن لكن ما يعاني منه اليوم فيما يبدو هو محصلة طبيعية لتطور الحالة السياسية الداخلية في بلد كالاردن حيث تحرض السفارات الغربية قوى الشغب والمعارضة على توسيع مساحتها في الشارع وتنتقل لتحرض الحكومات في الغرف المغلقة على من يتجاوزون الحدود.
هذه اللعبة واضحة وسبق ان علق فيها عدة رؤساء حكومات اكتشفوا في لحظات تساؤل حرجة ان رموزا داعمة بقوة للصهيونية خصوصا في الاعلام الامريكي وصحفا مثل "واشنطن بوست" يشكلون في لحظة انتهازية نقطة تلاق مع معارضين ومناكفين داخليين يهاجمون الحكومة ورئيسها تحت العنوان الوطني.[FONT=Tahoma][/FONT]
