السلام عليكمورحمة الله وبركاته
كيف تعامل الرسول مع الشباب؟
كيف تعامل الرسول مع الشباب؟
رَبى النبي (صلى الله عليه وسلم ) جيلاً مؤمناً و ملتزماًبمفاهيم وقيم الإسلام، وكان الغالب في هذا الجيل شريحةِ الشباب. فعادة ما يتفاعلالشباب مع كل جديد، وهم أكثر الناس تأثراً، وأسرعهم استجابة، وأشدهم تفاعلاً ؛بخلاف جيل الشيوخ الذين ـ في الغالب ـ ما يقفون حجر عثرة أمام أي تغيير أو إصلاح،وأشد الناس تمسكاً بالقديم، ورفضاً للحديث والجديد.
وكان للشباب دور رئيس فيالالتفاف حول الرسول محمد(صلى الله عليه وسلم )، ودعم ما جاء به النبي (صلى اللهعليه وسلم )،، والدعوة إليه، والدفاع عنه. كما كان للنبي (صلى الله عليه وسلم )،اهتمام خاص برعاية الشباب وتربيتهم وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة.
ومانريد التركيز عليه هو: كيف تعامل النبي (صلى الله عليه وسلم )، مع الشباب؟ وما هيالقواعد التي ربى عليها النبي (صلى الله عليه وسلم )، شباب الجيل الأول؟
يمكننا أن نلخص الإجابة على هذه التساؤلات ضمن النقاط التالية:
1ـالتربية المتوازنة:
إن النبي (صلى الله عليه وسلم )، رَبىَّ الشباب علىالتربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين العاطفة والعقل، الروح والجسد، العلموالعمل. وهذا التوازن الدقيق هو المنهج السليم في التربية، بَيْدَ أن طغيان جانبعلى حساب الجانب الآخر، سيؤدي إلى خللٍ في بناء الذات، وانحراف عن منهجالإسلام.
وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم )، يقف ضد كل توجه غير صحيح، أوتفكير خاطئ، أو ممارسة سلبية ؛ من ذلك ما روي أن النبي (صلى الله عليه وسلم )، جلسللناس ووصف يوم القيامة، ولم يزدهم على التخويف، فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة منالصحابة في بيت عثمان بن مظعون، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل، ولايقربوا النساء ولا الطيب، ويلبسوا المسوح (1)، و يرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض،ويترهبوا ويخصوا المذاكير، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم )،، فأتى منزل عثمانفلم يجده، فقال لامرأته: " أ حق ما بلغني؟ " فكرهت أن يكذب رسول الله (صلى اللهعليه وسلم )،، وأن تبتدئ على زوجها فقالت: يا رسول الله، إن كان أخبرك عثمان فقدصدقك، فانصرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم )،، وأتى عثمان منزله فأخبرته زوجتهبذلك، فأتى هو و أصحابه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم )،، فقال: " ألم أنبأ أنكماتفقتم؟ " فقالوا: ما أ ردنا إلا الخير. فقال (صلى الله عليه وسلم )،: " إني لمأؤمر بذلك، ثم قال: إن لانفسكم عليكم حقا، فصوموا وافطروا، وقوموا وناموا، فإنيأصوم وأفطر، و أقوم وأنام، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليسمني " ثم جمع الناس وخطبهم، وقال: " ما بال قوم حرموا النساء والطيب والنوم وشهواتالدنيا ! وأما أنا فلست آمركم أن تكونوا قسسة ورهبانا، إنه ليس في ديني ترك النساءواللحم، واتخاذ الصوامع، إن سياحة أمتي في الصوم، ورهبانيتها الجهاد، واعبدوا اللهولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهررمضان، واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من قبلكم بالتشديد، شددوا على أ نفسهم فشددالله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات(2) والصوامع" (3)
من خلال هذهالرواية نستنتج أن النبي (صلى الله عليه وسلم )،، قد رفض بقوة التوجه الخاطئ نحوالرهبانية، وترك الطيبات، وأوضح بكل جلاء أنه ليس في الإسلام رهبانية، بمعنىالانعزال عن الدنيا، وترك الزواج، وعدم استخدام الطيب..... إلخ. وإنما الإسلام يدعوإلى التوازن بين متطلبات الجسم ولوازم الروح، والإنسان كما يحتاج لإشباع غرائزهوشهواته المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومنكح، يحتاج كذلك لإشباع ميوله ورغباتهالمعنوية ؛ وأي طغيان لجانب على حساب الآخر سيؤدي إلى خلل في الشخصية، وانحراف عنمنهج الإسلام.
وهكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلم )، أصحابه على التوازنبين متطلبات الجسم، ومستلزمات الروح.
وفي هذا العصر حيث طغت المادية فيه علىكل شئ، وأصبح شعار الفلسفة المادية الحديثة هو التركيز على كل ما هو مادي، وتجاهلكل ما هو معنوي وروحي.... يحتاج كل شاب أن ينتبه إلى ذاته وأن يسعى لتحصيل الكمالاتالروحية، وهذا يتطلب مجاهدة النفس، والتدرب على ممارسة الرياضة الروحية، وترويضالذات على سلوك طريق الحق والخير والصلاح.
وليكن شعارنا قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيالْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(4).
2ـ الرفقبالشباب:
تعامل الرسول (صلى الله عليه وسلم )، برفق مع الشباب، وهذا مما زادفي إعجاب الشباب بالنبي (صلى الله عليه وسلم )،، والتفافهم حوله، وقد مدح القرآنالكريم تعامل النبي (صلى الله عليه وسلم )، مع الناس باللين والرفق، يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَالْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْوَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّاللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(5)
وقدكان النبي (صلى الله عليه وسلم )،يحث على الرفق، فقد روي عنه (صلى الله عليه وسلم )، قوله: " إن الرفق لم يوضع علىشيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه "(6) وعنه (صلى الله عليه وسلم )، أيضاً: " إياكم والتعمق في الدين، فإن الله قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن اللهيحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيراً "(7).
والمطلع على سيرة النبي (صلىالله عليه وسلم )، يجد الكثير من الأمثلة التي تدل على رفقه(صلى الله عليه وسلم )،بالشباب، نذكر من ذلك مايلي:
1-عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليهوآله وسلم) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإنكان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده(8).
2 - عن ابن عباس قال: كان رسولالله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهمويفهم عنه (9)
3 ـ روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه (صلى اللهعليه وآله وسلم) إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنياأخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا اُحدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(10).
4- عن أبي الحميساء قال: تابعت النبي (صلىالله عليه وآله وسلم) قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليومالثالث، فقال
(عليه السلام): يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثةأيام(11).
5- عن جرير بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلبعض بيوته فامتلأ البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي
(صلى اللهعليه وآله وسلم) فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: اجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعهعلى وجهه وقبله(12).
6- عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى اللهعليه وآله وسلم) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخلعلى أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له(13).
من هذهالنماذج من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم )، يتضح لنا رفق رسول الله (
صلىالله عليه وسلم )، بالشباب، وتعامله معهم بكل لطف وليونة، وهذا من أسباب نجاحالدعوة، واستقطاب الشباب لرسالة الإسلام. وهذا مايجب أن يتصف به الدعاة والقادةوالعلماء إذا ما أرادوا استقطاب الشباب، والتأثير فيهم، وكسبهم نحو التدين، ومنهجالإسلام.
3ـ الثناء على الشباب:
للثناء تأثير كبير على النفوس،وبالخصوص نفوس الشباب، ولذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم )، كثيراً ما يثني علىالشباب المؤمن ؛ فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وسلم )، قوله: " ما من شاب يدع للهالدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً "(14) وعنه(صلى الله عليه وسلم )، أيضاً أنه قال: " إن أحب الخلائق إلى الله عز وجلشاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي بهالرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً "(15) وقال (صلى الله عليه وسلم )، أيضاً: " فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبرت سنه كفضلالمرسلين على سائر الناس "(16)
وقد كان لثناء الرسول (صلى الله عليه وسلم )، على الشباب دور مهم ومؤثر في كسب المزيد منهم، والتفافهم حول قيادة النبي (صلىالله عليه وسلم )،، وهذا ما جعل للشباب دور فاعل في تقدم الدعوة، ونشر رسالةالإسلام إلى مختلف المناطق. فالشباب هم عماد أي تقدم، وسر نهضة الأمم، وقوة أيمجتمع ؛ لأنهم في مرحلة القوة، والقدرة على العطاء والإنتاج، والاستعداد للتضحيةوالفداء، وحب المغامرة، وتوكيد الشخصية.
وهذا ما يجب أن يقوم به أي قائد أومصلح أو زعيم يسعى نحو التغيير والإصلاح، إذ يجب كسب الشباب، والعمل على إقناعهملخدمة الإسلام، والمساهمة في تقدم المجتمع والأمة.
4ـ خلق الثقة في نفوسالشباب:
إن من أهم القواعد في بناء الشخصية وصنع النجاح هو الثقة بالنفس،والقارئ لسيرة النبي (صلى الله عليه وسلم )، يلاحظ أنه (صلى الله عليه وسلم )، قدعمل على صنع ثقة الشباب بأنفسهم، فقد قام (صلى الله عليه وسلم )، بإعطاء الشبابالكثير من المسؤوليات الكبيرة والمهمة، مما أدى لزيادة الثقة بأنفسهم، وتنميةإرادتهم.
والأمثلة على تولية الرسول (صلى الله عليه وسلم )، للشبابمسؤوليات كبيرة ومهمة،، عديدة....نذكر منها:
1ـ إن أول مبلغ بعثه النبي (صلىالله عليه وسلم )، لنشر الإسلام في المدينة المنورة كان مصعب بن عمير، وكان عندئذٍفي ريعان شبابه. وقد استطاع مصعب بالرغم من حداثة سنه أن يقنع الكثير من الناس فيالمدينة المنورة ـ وكانت المدينة يومها من أهم مدن الجزيرة العربية ـ بالإسلام. وقدعمل مصعب بكل جد وإخلاص من أجل التأثير في الناس، وإقناعهم برسالة الإسلام السمحة.
2ـ بعد فتح مكة بفترة زمنية قليلة، اضطر الرسول (صلى الله عليه وسلم )، للخروج منها بجيشه، والتوجه نحو جبهة القتال، وكان لابد من تعيين قائد لمكةلإدارة شؤونها، وقد اختار النبي (صلى الله عليه وسلم )، من بين جميع المسلمين شاباًلم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً، وهو (عتاب بن أسيد) كقائد لمكة المكرمة في ظلغياب النبي (صلى الله عليه وسلم )،
وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم )، (عتاببن أسيد) أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة.
3ـ فيأواخر حياة النبي (صلى الله عليه وسلم )، عبأ (صلى الله عليه وسلم )، المسلمينلقتال الروم، وضم جيشه كبار الضباط وأمراء الجيش ورجال المهاجرين و الأنصار وشيوخالعرب والشخصيات البارزة آنذاك.
لاشك في أن قائد هذا الجيش العظيم لابد وأنيكون ذا شأن ومنزلة يختاره الرسول (صلى الله عليه وسلم )، لهذا الأمر الخطير من بيننخبة العسكر، فمن يا ترى حمل هذا اللواء؟
لقد استدعى الرسول (صلى الله عليهوسلم )، أسامة بن زيد، وعقد له لواء القيادة وخوّله إمارة الجيش. واستعمله النبي (صلى الله عليه وسلم )، وهو ابن ثماني عشر سنة.
وبات على الجميع أن يمد يدالطاعة والولاء لهذا القائد الشاب الذي عينه الرسول (صلى الله عليه وسلم )، بالرغممن وجود كبار القوم في هذا الجيش المتجه لقتال الإمبراطورية الرومية.
ولايخفى أن الشرط الأساس لاختيار الشباب هو كفاءتهم وصلاحيتهم، ويتضح هذا الشرط جلياًفي خطبه (صلى الله عليه وسلم )، وأحاديثه. فالشباب الذين كان يقع عليهم اختيارالنبي (صلى الله عليه وسلم )، لتقليدهم المناصب الحساسة في الدولة كانوا يتمتعونبالكفاءة واللياقة المطلوبة من حيث العقل والفكر والذكاء والإيمان والعلم والأخلاقوالتدبير وبقية الجوانب (17)
ومن هذه النماذج التاريخية يتبين لنا كيف أنالنبي (صلى الله عليه وسلم )، قد أجاد توظيف طاقات الشباب الخلاقة، واستطاع أن يزرعفي نفوسهم الثقة بالنفس، والإرادة القوية، والعزيمة الفولاذية.. مما جعلهم يقومونبأدوار كبيرة، ويتحملون مسؤوليات خطيرة ؛ كان لها الفضل الأكبر في نشر راية الإسلام خفاقة في بقاع الدنيا