كتبها احمد حموري
يخوض محمد الحموري حياة مهنية نشطة في سلك القانون والمحاماة والتحكيم، باندفاع وحيوية الشباب، وبصفاء ذهن المكتهلين بحكم سنه (67عاماً ) وبكفاءة الخبراء. بدأ حياته في مسقط رأسه قرية بيت راس تلميذاً لدى خطيب الجامع،في تعليم شبيه بتعليم الكتاتيب، فلم تكن هنك مدرسة في القرية شمال إربد أواسط الأربعينيات، وإن كانت هناك آثار رومانية وبيوت وديعة تقوم على التلال ومنها بيت العائلة. هناك نمت الملكات الذهنية للفتى في مضافة الجد مع الإصغاء لمباريات الشعر النبطي. اجتهاد الرجل قاده بعدئذ من المضافة والتتلمذ على خطيب الجامع، الى العمل أستاذاً زائراً في كلية الحقوق في جامعة فرجينيا الأميركية.
من يرى الحموري في أروقة المحاكم أو في تجمعات المحامين أو في مكتبه، يخاله أمضى حياته في خيار مهني واحد متسق وهب حياته له وجنى ثمراته لاحقاً، لكنه عاش في واقع الأمر أكثر من حياة. ابتداء من الحياة الحزبية منتسباً لحزب البعث في السابعة عشرة من عمره، حيث أمضى خمس سنوات في الحزب قبل أن يعتنق الناصرية في مصر ومع تشظي الحزب أوائل الستينيات الى أحزاب. والتحق الحموري بالحياة العسكرية بعدما تخرج من الكلية الحربية وأتم قبل ذلك الصف الثالث الاعدادي في إربد، وقد انخرط في السلك العسكري برتبة ملازم ثانٍ (قائد فئة في كتيبة المشاة الثالثة)، وخدم في الضفة الغربية في موقع فراسين بين جنين، ونابلس، ويطل على باقة الشرقية.
لم تمض سنتان حتى كان الرجل قيد الاعتقال مع اثنين آخرين، بتهمة تدبير مؤامرة للمساس بنظام الحكم. وفي أثناء توقيفه وقبل أن يحال الى المحكمة،كان راديو “صوت العرب” في القاهرة قد أذاع خبراً يفيد أن محمد الحموري واثنين من رفاقه “قضيا تحت التعذيب”.وهو ما ألهب مشاعر أهله وأصدقائه الذين التمسوا مقابلة الملك الراحل الحسين، وقد حظوا باستقباله وأبلغهم أن محمد في طريقه الى بيت راس. وبالفعل مضى الى مسقط رأسه غير أن حكماً قد صدر عليه بالإقامة الجبرية لثلاث سنوات في القرية.وقد أمضاها في التحضير لامتحان الثانوية العامة من المنازل، حيث قدم الامتحان عن السنتين الثانويتين الأخيرتين معاً. أما في طفولته، فبعد التتلمذ على خطيب الجامعة وبعدما بات في العاشرة من عمره، فقد أمكنه أن يبتدىء حياته المدرسية في مدرسة إربد الحكومية من الصف الثالث لا الأول الابتدائي، وذلك بعد فحص مستواه.بهذا أمضى الفتى محمد سبع سنين فقط في المدرسة.
قصائد الشعر النبطي والطبيعة الخلابة في القرية، لم تجعل من محمد شاعراً بل حقوقياً!. وسر ذلك أن رغبته في دراسة الحقوق برزت في أثناء اعتقاله في عمان حيث تخيل نفسه محامياً يدافع عن شخصه كمتهم!. وهو ما فعله في دراسته الجامعية في مصر،ثم في دراسته العليا في الولايات المتحدة حيث نال الدكتوراه في القانون من جامعة كمبردج.
في الشطر الثاني من حياته المهنية، عمل أستاذاً في كلية الحقوق ثم عميداً للكلية في الجامعة الأردنية،الى أن تولى حقيبة وزارية في التعديل الوزاري الثالث على حكومة زيد الرفاعي الرابعة مطلع العام 1988 وهي وزارة الثقافة والتراث القومي، وكان أول وزير يتولى هذه الوزارة المستحدثة.” تركزت الأولوية لدي على وضع البنية التحتية القانونية للوزارة الجديدة”
غير أن شهر نيسان/أبريل من العام التالي شهد أحداث معان، فيما كان رئيس الحكومة في الخارج. وقد ظهر في اجتماع الحكومة في غمرة تلك الأحداث التوجه للتعامل بالقوة العسكرية مع ما يجري، وهو ما بادر وزير الثقافة للاعتراض عليه، جاذباً تأييد بقية الوزراء باستثناء وزيرين أو ثلاثة وزراء على ما يقول الحموري عن تلك المناسبة. بقي الحموري في الحكومة الى أن استقالت بعد ذلك بأيام.
مع مرحلة التحول اليمقراطي عاد الحموري للمرة الثانية الى الحكومة في وزارة طاهر المصري حزيران 1991 حيث عين وزيراً للتعليم العالي.لكن الحموري لم يلبث أن استقال بعد أقل من أربعة أشهر، وذلك على خلفية مشاركة الأردن في مؤتمر مدريد. رغم أن المشاركة الأردنية لم تكن أمراً مفاجئاً، فلم يكن هناك ما يشي بأن الأردن يمكن أن يقاطع ذلك المؤتمر الدولي، الذي ما زال يشكل مرجعية أساسية للعملية السلمية. في رأي الحموري أن المفاوضات العربية بجميع مظاهرها وحالاتها منذ العام 1991 هي أشبه بعملية استجداء، وذلك في غياب بدائل أخرى للتفاوض.
أما مرحلة التحول الديمقراطي، فيراها الحموري غير منتجة بل “مجرد ديكور” وليست ديمقراطية نسبية أو مقيدة، أو تعتريها عيوب ونواقص أساسية، رغم التعددية الحزبية والإعلامية والعديد من مظاهر حرية التعبير، التي تسمح، على سبيل المثال، لدراساته النقدية ومقالاته الهامة بالنشر في مؤلفات أو على صفحات الصحف، ومنها مقالات له تدحض منع توجان فيصل من الترشح وإسقاط عضوية نائبين هما: علي أبو السكر، ومحمد ابو فارس إضافة لمقالات ودراسات هامة أخرى. منها دراسة بعنوان : من الحقوق والحريات الدستورية تبدأ الخطوة الأولى في الإصلاح والتطوير“ وفيها يدعو إلى إدخال تعديلات على الدستور بإعادة خمسة نصوص الى ما كانت عليه وحذف نصين أدخلا على الدستور. ودراسة أخرى بعنوان “دور رجال القضاء والقانون في فرض قيمة الحرية في الدول العربية” وهي تتناول الحكم الرشيد وتسفيه الاستبداد والحكم المطلق، غير أنه لم يعرف عن الحموري وهو الخبير القانوني القومي النزعة، وفي حدود القليل مما يعلمه كاتب هذه السطور، أنه قد وضع أنظمة قومية تحت النظر القانوني. وقد كان قميناً به أن يفعل لما يتوافر عليه من ثقافة قانونية غنية وإيمان عميق بالحريات والإصلاح، علاوة على الانتماء القومي المكين الذي يعود الى سنوات اليفاعة. بل إن فشل أنظمة قومية في تحقيق طموحاتها وشعاراتها المعلنة والصراعات بينها أو بين أجنحة منها وتبديدها لـ“الحلم القومي”، قلما يستوقف كثرة من سياسيين، وقانونيين قوميين في كتاباتهم ومساجلاتهم العلنية والمنشورة، ومن بينهم رجل الدولة والقانون محمد الحموري الغزير الإنتاج و..التدخين، الذي لا تخذله أقلام رصاص لا يستخدم سواها في الكتابة ومعها بالطبع ممحاة.
يحسن وفادة ضيوفه بدفئه الشخصي وبشاشته وتخففه من شكليات العلاقات، ويجيد الإصغاء للآخرين، لكن دون أن يبدو مستعداً لأي تعديل طفيف على آرائه ولو من باب المقايضة، بـ“التراجع” في بعض التفاصيل مقابل التمسك بجوهر الموقف