الجاهة وجاهة : «اشربوا قهوتكو وابشروا باللّي جيتوا فيه»
المكان صالة واسعة او "صيوان" نصب خصيصا لهذه المناسبة يجلس خمسون رجلاً أو أكثر يرتدي البعض الزي العربي التقليدي والبعض الاخر البدلات الرسمية ،
ولكن لا تقبل المناسبة اقل من هذا الزي.ويضج المكان بحديث هؤلاء واولئك ولا تستطيع لحديثهم تأويلاً.
في المقدمة يجلس الرجال ذوي الشأن ، أولئك الذين لوجودهم معنى أكبر من وجود كل الرجال الآخرين وحضورهم يعطي الثقل للمناسبة. هم الممثلون الرئيسون في هذه الحلقة الاجتماعية.
الجاهة هي هذه الحلقة وفي التعبير الشعبي تستعمل للدلالة على جماعة من الوجهاء يسعون بالخير ، ويُطلبون في مناسبات اجتماعية خاصة كالخطبة أو الزواج أو في الإصلاح بين الناس.
ويتمتع أبطال هذه المناسبات من الوجهاء والناطقين باسم الجاهات العشائرية بكثير من المزايا الخاصة التي ربما يفتقدها كثير من المفكرين والأدباء والمبدعين والمثقفين والسياسيين.
وللجاهة طقوس وتقاليد يعرفها أهل هذا العرف لا تتوقف عند فنجان القهوة بل تتعاداه الى علم والمام على قمتها وخبرة اجتماعية عريقة ، ورسوخ قدم في معرفة القوانين العشائرية وفقه مصطلحاتها وتحليل رموزها ، إضافة إلى كثير من المؤهلات الوجاهية الشكلية التي لا يحفل بها أكثر الكلاسيكيين والحداثيين من أرباب الأدب ورواد الثقافة.
"يكد" اهل العريس او صاحب الطلب جاهته الى مضارب اهل العروس او اهل الطلب وبعد اكتمال النصاب وجلوس الجميع تحين اللحظة يطبق صمت تام على الحضور ، يتململون في جلساتهم ، يتوقفون عن الكلام و ينظرون بترقب إلى جهة الرجال المهمين ، يتوقعون أن تصدر عنهم إشارة ما لبدء الفعاليات.
تتركز الانظار باتجاه من يأتي بدلة او "بكرج" القهوة العربية التي حضرت بعناية تسكب في فنجان صغير وتقدم لأحد الرجال الطاعنين في السن والذي يجلس مع المهمين في الحلقة.
يمسك صاحب الجاه "الفنجان" ويضعه على الطاولة الصغيرة أمامه.الحضور وكلهم أذان صاغية ينتظرون تلك الكلمات وتتعلق أعينهم بالرجل تكاد لا تسمع نفساً في الصالة المكتظة ، ويتكلم الرجل مخاطبا الحضور ناظراً بإتجاه أقرباء العروس يبدأ بالصلاة والسلام على رسول الله وال بيته الكرام ويبدأ بكيل المديح لهذه المضارب وأصحابها ويسرد تاريخا مشتركا بين الطالب والمطلوب ، ثم يختم بأنه ورجاله لن يشربوا قهوتهم حتى يتحقق له ولرجاله مطلبهم.
في الجانب الاخر يقف رجل كبير السن ويرد بعد كلمات التشريف "اشربوا قهوتكو ، و اللي جيتو مشانو ابشروا فيه". وتعود الحماسة من جديد الى الحلقة .
يقف احد الرجال و يعطي تعليماته للشباب الصغار الذين يقومون بواجب إكرام الضيوف ، تارة يأمرهم بإحضار الماء لهذا و تارة بتشغيل المراوح الموزعة في زوايا الصالة ثم توزع الحلوى.
يبدأ الشباب حركتهم التي توقفت خلال حديث الكبار ويعود الحضور للحديث بحماس غير مسبوق بذلك يتحقق الهدف من وراء هذه الحلقة الاجتماعية.
غالبا ما تغيب النساء عن جلسات الجاهة الا انك لا تدري من اين تخرج الزغاريد فجأة يرافقها توزيع الحلويات.وتشعر العروس برضا كبير كيف لا وهي موضع الحديث حديث كل الرجال المهمين في الجلسة.
مختار قرية ايدون في اربد الحاج فوزات محمد الخصاونة قال "البعض يزهو بحجم الجاهات والبعض يزهو بنوعية الجاهات ورغم التغيرات التي طالت العديد من طقوس وحلقات افراحنا الا ان الجاهة هي الحلقة الوحيدة التي بقيت محافظة على هيبتها وحضورها في كل المناسبات فالجاهة هي بالأساس تكبير لمقام الشخص الذي تتم زيارته سواء والد العروس أو أي شخص عنده طلب ولا تزال هذه العادة الاجتماعية موجودة في مختلف المناطق والبيئات مهما اختلفت عاداتها وطباع أهلها فهي تبقى من الموروثات الإيجابية التي تكون ذات مدلول اجتماعي كبير تزيد من محبة وتوافق الناس.
ويضيف السيد الخصاونة ان المضافة كانت في السابق هي المكان المخصص لاستقبال الجاهات وحالياً لم ينته دورها بل تستقطب الأقرباء والأصدقاء من القرية والقرى المجاورة وحتى ضيوف القرية من خارج المحافظة تكون المضافة مفتوحة لاستقبالهم ، حيث نجتمع في كل يوم لتبادل الأحاديث التي تهمنا عن الزراعة وواقع القرية وهمومنا ومشاكلنا ونعمل جميعاً لحل المشاكل والخلافات التي تحصل بين أبناء القرية وغالبا ما يكون حديث السمار هو نقاش لجاهة فلان او علان ومن حضرها.
ويضيف ابو بسام ان الجاهة تخلد كما ذكرى يوم الزفاف وتبقى الناس تتناقل احاديثها فكثيرا ما تسمع ذكريات واحاديث الجاهات في كل الجلسات.
وعن ما يميز الجاهات يضيف الخصاونة "غياب النساء وسعي صاحب الضيافة أن يلبي طلب الناس ليكون كبيراً بأعين زواره" ومن الضيافات المشهورة التي تقدم لاعضاء الجاهة القهوة المرة والكنافة".
:greet015::greet015::greet015: