الزمن الساعة الرابعة صباحاً، الحدث بدأ بشعور الزوج بآلام صدرية اقضَّت مضجعه لتستيقظ الزوجة عن أنينه الذي تحوّل الى استغاثة وطلب للنجدة لتسرع الزوجة الى الهاتف الا ان بُعد السكن عن موقع الخدمات الاسعافية جعلها تدرك ان الحالة لا يمكن معها الانتظار خاصة وأنها تشك بأن اعراض الالم توحي ببوادر نوبة قلبية او ما يعرف في المصطلح الطبي بالذبحة الصدرية ادركت ذلك من خلال ثقافتها الصحية البسيطة مما جعلها تحاول كسب الوقت فهو عامل مهم في مثل هذه الحالة لانقاذ حياة المريض بإذن الله تعالى.
واتخذت قرارها الشجاع والصعب وما يميّز القرارات الشجاعة أنها تؤخذ في الوقت المناسب دون تردد.
وضعت الزوج في المقعد الخلفي للسيارة وجلست هي خلف المقود بعد أن أحاطت طرحتها السوداء بشماغ الزوج فهي رغم صعوبة الموقف لم تنس ان المقود يريد زيّاً رجاليّاً بصرف النظر عن حقيقة من يرتديه.
أما القيادة فلم تشكّل لها صعوبة لأنها أخذت تدريباً كافياً على يد الزوج أيام الاجازات والرحلات.
انطلقت محاوِلة كسب الزمن وساعدها كثيراً قلة الحركة في الشوارع التي مرت بها لأنها في ساعة متأخرة من الليل لتصل بسلام الى المستشفى وتوقف سيارتها امام قسم الطوارئ ويأتي طاقم التمريض لحمل الزوج الى داخل المستشفى وتحرك هي السيارة الى المواقف المجاورة قاذفة الشماغ الى داخل السيارة بعد انتهاء مهمته.
عادت لتجد الزوج تُجرى له الفحوصات الطبية وبعد طول انتظار طمأنها الطبيب بأن حالة الزوج مستقرة فقد كان يعاني من نوبة قلبية ولكن إرادة الله تعالى ثم حضوره في الوقت المناسب ساعد كثيراً على تلافي المضاعفات التي تحدث غالباً نتيجة تأخر وصول المريض.
وتنفّست الزوجة الصعداء وبعد أن خفّت آلام الزوج اقتربت منه ليشدّ على يدها وتنفرج شفتاه عن ابتسامة تحمل الكثير من المعاني.
وأخذت الزوجة تحمد الله تعالى على سلامة زوجها وعلى أن ألهمها اتخاذ القرار المناسب رغم صعوبته مسترجعة الكثير من الحالات الحرجة التي حدثت ووقفت فيها المرأة حائرة بل عاجزة عن المساعدة لمن حولها لأنها لا تستطيع قيادة السيارة.
وقصة كهذه وغيرها من قصص تعرّض المرأة للكثير من المضايقات والمشكلات التي وصلت الى حد الخطف والقتل من قبل السائقين تجعلنا لا أقول نطالب بقيادة المرأة للسيارة في هذا الوقت بالذات لأنني ادرك كما يدرك غيري من الممانعين لقيادة المرأة ان مجتمعنا غير مهيأ حالياً من الناحية النفسية والسلوكية بأن يرى المرأة خلف مقود السيارة.
ولا شك أن المعارضين لقيادة المرأة للسيارة يستندون على قاعدة شرعية يرونها دافعاً لرفضهم وهي أن درء المفاسد مقدّم على جلب المنافع.
لكن ذلك لا يمنع من جعل الملف مفتوحاً لدراسة اجتماعية يتم من خلالها الوصول الى معايير وضوابط تسمح للمرأة بالقيادة في نطاق محدود وضيق جداً تحكمه الضرورة القصوى والحاجة الملحة لا سيما وان المجتمع تقبّل ذلك في القرى من باب الضرورات تبيح المحظورات.
فالمرأة في كثير من قرى المملكة تقود السيارة دون معارضة او انتقاد اجتماعي على الاقل وهو ما يطالب به لتكون مرحلة تدفع بالمجتمع السعودي الى قبولها حين تكون تحت وطأة الحاجة وليست على وجه العموم او الاطلاق.
وبذلك يذوب الرفض وتقدم المصلحة وتدرأ المفسدة وترتقي النظرة للمرأة بصفتها شقيقة الرجل ومساندة له في مسيرة الحياة ومن حقها أن تمارس حياتها الطبيعية في ضوء الشريعة السمحة دون قيود تحدّ من تلك الحقوق التي كثيراً ما يقف خلف حجبها إرث اجتماعي لا نص شرعي.
ولنا في بدايات تعليم الفتاة في بلادنا خير مثال حيث واجه تشدداً اجزم أنه أقوى من التشدد اليوم في قيادة المرأة للسيارة لأن الوعي غير الوعي والزمن غير الزمن مما يجعل القبول بالفكرة ممكناً والرفض أقل تشدداً وإن كان الكثيرون يرون أن الزمن كفيل بالوصول بأصحابه إلى الاقتناع ، أي أن الموضوع لا يعدو عن كونه عامل وقت لا أكثر.