قامت مجلة روز اليوسف المصرية بإجراء تحقيق طريف ومهم جدا نشرته في عددها الأخير حيث سألت مجموعة من علماء الاجتماع وبعض الباحثين السياسيين والمثقفين في مصر عن أخطر عشرة عيوب في منظومة القيم لدى المجتمع المصري حاليا. وقد جاء هذا التحقيق في إطار حملة تريد المجلة إطلاقها من أجل تحقيق "الإصلاح الاجتماعي" أو الإصلاح الثقافي لإصلاح الفرد أولا ضمن نظرية أن هذا النوع من إصلاح المجتمع يجب أن يكون متوازيا مع الإصلاح السياسي.
بالرغم من الجدال حول مدى صحة هذه النظرية فإن التحقيق كان مثيرا للاهتمام لأن المجتمع المصري هو أكبر مجتمع عربي وهو مختبر حقيقي للتغيير الاجتماعي والاقتصادي في العالم العربي. والمجتمع المصري يتقارب مع كل المجتمعات العربية باستثناء المجتمعات الخليجية ومن الممكن بسهولة رصد حالات التشابه مع المجتمعات الأخرى. وفي حقيقة الأمر فإن إطلاعي على اللائحة النهائية للعيوب التي خلص إليها التحقيق تؤكد بأن هناك تشابها كبيرا مع العيوب التي تنتشر في المجتمع الأردني.
وربما تكون فكرة روز اليوسف قابلة للتطبيق في الأردن أيضا حيث يمكن إجراء تحقيق صحافي حول أهم الاختلالات في منظومة القيم الاجتماعية الأردنية في السنوات الماضية وخاصة تلك التي حدثت بفعل الانفتاح الاقتصادي والذي أثر على الكثير من السلوكيات الاستهلاكية والإدخارية للمواطنين وبالتالي حدث انعكاس كبير على القيم الأردنية التقليدية.
وعلى سبيل التوثيق فإن أهم عشرة عيوب اجتماعية في المجتمع المصري حسب تقرير روز اليوسف كانت كالتالي. العيب الأول حسب المجلة هو التدين الظاهري السطحي الذي يعني أن الناس يتظاهرون بتقوى الله في المظاهر الدينية ولكنهم يبتعدون عن جوهر الإسلام الأخلاقي في التعامل واحترام العمل وإتقانه والابتعاد عن الغش واستغلال الآخرين وعدم التطبيق الحقيقي للمبدأ الأخلاقي الإنساني الرئيسي في الإسلام وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". العيب الثاني هو السلبية وعدم الرغبة في المشاركة العامة واللامبالاة تجاه ما يتعلق بالمجتمع فالتركيز يبقى فقط على القضايا الخاصة بكل فرد. العيب الثالث هو الفهلوة أي محاولة تحقيق إنجاز أو الحصول على غنيمة بدون بذل اي جهد والتي قال التقرير بأنها كانت سابقا صفة فكاهية لدى بعض أفراد الشعب ولكنها تحولت إلى نمط حياة لدى معظمهم. العيب الرابع هو الخوف من السلطة وكل مكوناتها مما يعني الميل إلى مداهنة كل أنواع السلطة مثل سلطة الحكومة أو رب العمل أو القائد الاجتماعي.
العيب الخامس هو عدم احترام العمل ومحاولة تحقيق الأهداف والطموحات بدون بذل جهد عملي ولا مراعاة الدقة والإتقان نتيجة القناعة بأن الطريق إلى تحقيق الأحلام والمال ليس العمل بل الفهلوة والكسب السريع حتى لو كان بغير الوسائل المنتجة. العيب السادس هو إهدار قيمة الوقت وعدم احترام المواعيد والتركيز على الكلام والتحدث أكثر من العمل. العيب السابع هو الرشوة والاستعداد التلقائي للفساد واستغلال النفوذ والسلطة أما العيب الثامن فهو التعصب بكل اشكاله سواء التعصب الديني أو العائلي أو حتى في التشجيع الرياضي وهي مناقضة تماما لصفة التسامح وتقبل الآخر. العيب التاسع هو عدم حب الحياة ووجود ثقافة تبجل الموت والحزن والكآبة وتعتقد المجلة أن سبب ذلك هو الفقر والبطالة وانتشار التطرف الديني أما العيب العاشر فهو الميل إلى المظاهر والحكم على الأشياء والأفراد لا بالقيم العقلية والمنطقية والأخلاقية بل بالشكليات والمظاهر.
مجموعة السلبيات هذه وبغض النظر عن ترتيبها تبدو قريبة جدا من المجتمع الأردني ويمكن أن نضيف إليها عيبان في المجتمع الأردني هما العصبية والغضب السريع وكذلك غلبة الانتماءات العشائرية والعائلية والعرقية على الانتماء الوطني ولكن من الواضح أن دراسة أكثر علمية ومنهجية قد تكون مطلوبة للبدء بتحديد مشاكلنا الاجتماعية والتي تنعكس بطريقة مباشرة على كل حياتنا اليومية وحتى النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي.
منقققققققققققققققققققققول