الترويحة
حتى سياراتنا صارت تشبهنا، قبل غروب شمس الجمعة، أراقب السيارات العائدة من رحلات عائلية- دون ان أنتبه الى ركّابها أو أقرأ ملامحهم - أشعر ان السيارة مبوّزة ومكشّرة وزهقانة الطلعة (بقشرة بصلة)..
مشهد يتكرّر دائماً، الزوجة تنظر الى اليمين باكتئاب، الزوج ينظر الى اليسار بعصبية، الأولاد مكدّسين في الكرسي الخلفي أو في صندوق البكم، ضجيج الطناجر يتعالى بالطبون مع كل منعطف أو عند كل قفزة عن مطب..جو من الصمت والملل يخيم على الترويحة وكأنهم للتو قد عادوا من واجب عزاء..شتائم متفرّقة كلما لزّ عليه احد السائقين، أو ضحك أحد الأولاد بصوت مرتفع، وكلمات نابية تهدى من قلب خالص الى البلدية والأشغال والشوارع والرحلات واللي بطلعوا رحلات كلّما وطأ العجل الأمامي حفرة عميقة أو فاجأه مطبّ جائر..
بصراحة، ليس لدينا ثقافة المتعة، لأننا لم نتعلّم فنالانبساط منذ ولدنا..نتعامل مع كل الأشياء التي نعيشها بأنها واجب وهَمّ يجب الخلاص منه بأقصر وقت وبالتي هي أزفت..حتى الرحلات التي نمارسها من اجل تغيير الجو، نفشل ونستغلّها في تعكير الجو..
مثلاً اذا قالت ام يحيى بأن تلك الشجرة وارفة الظلال وتصلح للجلوس تحتها..يرفض أبو يحيى- لمجرّد الرفض- متحججاً بالذبّان والزعران وكثرة البواهش..وإذا أشارت إلى مصفّ جيّد يستطيع ان يركن به بكمه ..هزّ رأسه ونفخ نيعه متّهماً إياها في سرّه بقلّة الفهم..يبحث عن أتفه الأسباب ليشعل نار غضبه المشبّع بزيت المزاج السيء..جبتوا غطا الدلو الأزرق مشان اهفّ ع الفحم؟!..فترد الزوجة بانكسار واعتذار : لا والله نسينا!!..فيتمتم قائلاً: هيك هيك للّي بنتكل عليكو!!..مع انه يستطيع أن يتدبّر أمره في أي كرتونة أو قطعة بلاستيك ملقاة على الأرض او تحت الشجر..يسأل ثانية بعد ثوانٍ: وين قطرميز الشطّة المفتوح؟!!..فتقول له: جبنا القطرميزالمسكّر!!..فيعود ثانية ويفتعل مشكلة ليبيّن نقاصتها وسوء إدارتها: عقلي بقلّي أرجعكوا مطرح ما جبتكوا .انتو مش شغل شم هوا..انتو شغل اكل هوا!!..ثم يتمدّد مزاجه الرديء ليطال الأولاد الهاربين من قمع الشقق وخصوصية الجيران: (اللي بيبعد، بمصع رقبته)..(وأنتِ إلبسي ع راسك)..(ورحمة ابوي ان صرت واصلك يا شلاش ..لأحتّ أسنانك حتّ)..اي متعة واي رحلة التي قد يفسدها: غطا دلو أوقطرميز شطة، وأية شمّة هوا التي يكون نتيجتها: مصع الرقاب وحتّ الأسنان؟!!..
قلت حتى سيارتنا تشبهنا، هذا ما لمسته يوم الجمعة الماضي، العمّة تجلس في الكرسي الأمامي وبين قدميها ترمس مي وتسأل عن موعد آذان المغرب، الكنّة في الكرسي الخلفي ترضع طفلها بصمت وتعب، الراديو مطفأ،أحد الأضوية الأمامية ملذوع، كاسات بلاستيك مستعملة في حقيبة الأم اليدوية لإعادة استغلالهن تطقطق كلما حركت كوعها..وأطفال نيام تفوح منهم رائحة البصل المشوي والعشب البري والحندقوق..والأب ينفخ من غير سبب، ومع كل غيار للجير لا يتوانى عن ترديد عبارة : حسبي الله ونعم الوكيل.
[email]ahmedalzoubi@hotmail.com[/URL]
احمد حسن الزعبي-الرأي