كفى بالموت واعظا
الموت هو الخطب الأفزع و الأمر الأشنع الذي يُلين قسوة القلوب المتحجرة.. فالإنسان يهرول وراء الدنيا... ثم يفيق على جرس الموت ليدخل بعد موته بدقائق إلى عالم الآخرة، فالموت يقرع الأبواب و لا يهاب حجاباً و لا يقبل بديلا ً ولا يأخذ كفيلا ً ولا يرحم صغيراً و لا يوُقِر كبيراً.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: كانت عِبراً كلها .. عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصَبُ، عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بأن الحساب غداً ثم لا يعمل.
تذكر الموت دائما و باستمرار، فتفكر يا مغرور في الموت و سكراته و صعوبة كأسه ومرارته . فهل تفكرت يا أبن أدم في يوم مصرعك و انتقالك من دنياك من سعة إلى ضيق و خانك الصاحب و الرفيق، و هجرك الأخ و الصديق، وأخذت من فراشك و غطائك إلى أن غطوك بلحاف من تراب؟
فيا جامع المال و المجتهد في البنيان ليس لك من المال إلا الأكفان، بل هي و الله للخراب و ذهاب جسمك للتراب. فأين الذي جمعته من مال؟! أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها. فهل راح منها بغير القطن و الكفن؟
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أربعة من الشقاء: جمود العين و قسوة القلب و طول الأمل و الحرص على الدنيا )).
إن المتأمل في أمر الموت و الاستعداد له في كل لحظة سوف تغدو الدنيا أمامه بلا قيمة و يزهد فيها.
وروى عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أكثروا من ذكر الموت فإنه يُمحِص الذنوب و يُزهٌِد في الدنيا )).
قال صلى الله عليه و سلم (( كفى بالموت واعظاً، كفى بالموت مفُرِقٌاً )).
وقيل له: يا رسول الله ، هل يحشر مع الشهداء أحد...؟ قال صلى الله عليه و سلم : (( نعم من يذكر الموت في اليوم و الليلة عشرين مرة )).
أتعظ أخي المسلم قبل فوات الأوان فالموت موقف رهيب يحتاج إلى كثير من التأمل و الاعتبار..أنه إنسان مسجى لا حركة و لا همس ..، ومنذ لحظات كان يدك الأرض دكاً. و يرفع صوته و يسعى في حياته غير خائف لا يعلم أن الموت ينتظره وأن ملك الموت وُكٌل به، وأنه صباحاً في الدنيا – على وجه الأرض – ومساءً في بطن الأرض حيث القبر و ظلمته.
ماذا تعرف عن ملك الموت؟
ملك و كله الله بقبض الأرواح. و يقُال: إنه الوحيد الذي نجح في إحضار قطعة الطين التي خلق الله منها آدم. من أجل ذلك أوكل الله إليه مهمة قبض الأرواح .. فقال: يا رب إن البشر سيكرهونني و يلعنوني .. فقال الله عز و جل : ﴿ وعزتي و جلالي لأجعلن لكل منهم سبباً يموت به ينسيهم ذكر أسمك ﴾ .. وبالفعل فنحن في حياتنا تتعدد الأسباب و الموت واحد.. فنقول: فلان مات بكذا و كذا ( من الأمراض و الحوادث ).
ماذا تعرف عن صورة ملك الموت و كيف يأتي الإنسان؟
روى عن عكرمة أنه قال: رأيت من صحف شيث أن آدم عليه السلام قال: يا رب أرني ملك الموت حتى أنظر إليه، فأوحى الله تعالى : إن له صفات لا تقدر على النظر إليها و سأنزله عليك في الصورة التي يأتي فيها الأنبياء و المصطفين؛ فأنزل الله عليه جبريل وميكائيل، وأتاه ملك الموت في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة ألاف جناح، منها جناح جاوز السماوات و الأرض، وجناح جاوز الأرضين ، و جناح جاوز أقصى المشرق، وجناح جاوز أقصى المغرب. وإذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال و السهول و الفياض و الجن و الإنس و الدواب، و ما أحاط بها من البحار، و ما علاها من الأجواء في ثغرة نحره كالخردلة في فلاة الأرض، و إذا له عيون لا يفتحها إلا في مواضع فتحها، و أجنحة لا ينشرها إلا في مواضع نشرها، وأجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين، و أجنحة للكفار فيها سفافيد و كلاليب و مقاريض .. فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من اليوم السابع ثم أفاق.
وروى عن أبن عباس – رضي الله عنه – أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ملك الموت أن يريه كيف يقبض روح المؤمن فقال له: اصرف وجهك عني فصرف، ثم نظر فرآه في صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيب الرائحة حسن البشر فقال له: والله لو لم يلق المؤمن من السرور من شيئاً سوى وجهك كفاه ثم قال له: أصرف وجهك عني فصرف وجهه عنه، ثم نظر إليه فإذا صورة إنسان أسود رجلاه في الأرض و رأسه في السماء كأقبح ما أنت راءِ من الصور تحت كل شعرة من جسده لهيب نار فقال له: والله لو لم يلق الكافر سوى نظرة إلى شخصك لكفاه!
حضور الشيطان عند الاحتضار
تعرض على ابن آدم عند استقرار النفس في التراقى فتن كبيرة لا ينجى منها إلا المؤمن الحق ؛ ذلك أن إبليس يبعث أعوانه إلى هذا الإنسان المحتضر ، فيأتونه وهو على هذا الحال ، فيتمثلون له في صورة من سلف من الأحباب الذين ماتوا قبله ، فيقولون له : أنت تموت يافلان ونحن قد سبقناك في هذا الشأن ، فمت يهوديا فهو الدين المقبول عند الله . فإن انصرف عنه ورفض _ جاءه آخرون وقالوا له : مت نصرانيا فإنه دين المسيح ، وقد نسخ الله به دين موسى ، ويذكرون له عقائد كل ملة ، فعند ذلك يزيغ الله من يريد زيغه وهو معنى قوله جل ثناؤه : ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ﴾
فإذا أراد الله بعبده الهداية ثبته على دين الهدى.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان : الواحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ؛ فالذي عن يمينه أبيه ، يقول له : يا بني إني كنت عليك شفيقا محبا ، ولكن مت على دين النصرانية فهو خير الأديان ، والذي على شماله على صفة أمه تقول له : يا بني إنه كان بطني لك وعاء ، وثدي لك سقاء ، وفخذي لك وطاء ، ولكن مت على دين اليهودية وهو خير الأديان ))
يؤيد هذا أيضا ما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شأن من شأنه ، حتى يحضره عند طعامه ، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة ، فليمط ما كان بها من أذى ، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان ، فإذا فرغ فليلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة ))
فالشيطان إذن _ كما يتبين من تلك الأحاديث _ يحضر الإنسان عند الاحتضار لكي يفتنه عن الحق . ولكن الله يثبت من يشاء عن الحق ، ويضل الظالمين.
ما يُفعل بعد الموت
وبعد أن يُتأكد من الوفاة الحقيقية _ هناك بعض الأمور التي يسن فعلها ومنها :
1) تسجية الميت :
ونعني بذلك تغطيته وستره عن أعين الناس _ حيث يتغير شكله فلا يستحب النظر إليه .. عن عائشة _ رضي الله عنها _ أن النبي ÷ حين توفي سجي ببردة حبرة
2) جواز التقبيل :
يجوز لأهل الميت وأحبائه تقبيله ، فقد قبل رسول الله ÷ عثمان بن مظعون وهو ميت . وروي أن أبا بكر أكب على رسول الله ÷ وقبله بعد موته .. والقبلة تكون بين العينين .
3) الإسراع في تجهيز الميت والدعاء له :
و السنة أن الميت بعد أن تحقق موته ؛ تجب المبادرة في تجهيزه بالغسل . ثم التكفين ثم الدفن ، وذلك إكراما له وخوفا عليه من التغير ، وليس معنى ذلك أن العبد بمجرد أن ترى فيه علامات الموت تسرع فتغسله لتدفنه.لا بل يجب التأكد التام من الموت فإن لم تستطيع أحضرنا الطبيب ليعلن وفاته بعد الفترة الكافية للتأكد من ذلك .. فقد حدث أن أناسا أسرع أهلهم في تغسيلهم بمجرد أن رأوا عليهم دلالات الموت ؛ وفجأة تحرك الجسد وعاشوا بعد ذلك أياما بل سنين . فالأمانة تقتضي التأكد .
عن أم سلمة _ رضي الله عنها _ قالت : قال رسول الله ÷ ( إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ) قالت : فلما مات أبو سلمه أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله : إن أبا سلمه قد مات فقال ( قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنه ) . فقالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير منه : رسول الله ويجوز تأخيره بعض الوقت _ أي الميت _ لحضور وليه ، فإن تأخر الولي وخشي التغير دفن الميت بحضور جمع المسلمين .
4) قضاء الدين :
وروح المؤمن موقوفة أو مرهونة بدينها مدام صاحبها مات وهو قادر على قضاء الدين .. وذلك لما رواه أبو هريرة _رضي الله عنه _ أن النبي ÷ قال : (( نفس المؤمن معلقه بدينه حتى يقضى عنه )) أما من مات ولا مال له ، ولكنه مات عازما على قضاء الدين فقد ثبت أن الله عز وجل يقضي عنه ، وكذلك من مات وله ما ل وكان محبا للقضاء ولم يقض من ماله ورثته .. فعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ÷ قال ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )) وجاء أن النبي ÷ كان يمتنع من الصلاة على من عليه دين حتى يقضى عنه ، فلما فتح الله البلاد على المسلمين قضى عمن مات مدينا دينه .
5) الاسترجاع :
لاشك أن الموت مصيبة لأهله وابتلاء من الله عز وجل .. والصبر يكون عند الصدمة الأولى ، وقد أمرنا الله ورسوله أن نسترجع بالدعاء عند الميت .. يقول الله تعالى﴿ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ ويقول الرسول ÷(( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته ،وأخلف له خيرا منها )).
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه _ أن رسول الله ÷ قال : يقول الله تعالى : (( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ))
كما أنه من المستحب أن يعلم جميع أهل الميت بموته وعليهم الالتزام بالوقار والسكينة ..والاسترجاع وكثرة الاستغفار ..والاتعاظ بالموت ، فهو أبلغ الواعظين ،وأعظمهم أثرا .
محظورات
يحدث الكثير من البدع والتهاويل حول الميت .. مع أن الموقف يجب أن يكون به العبرة والاتعاظ وليس معنى ذلك أن أهل الميت لا يبكونه.. فهناك فرق بين بكاء الرحمة ، وشفقة الفراق .. وبين فعل الجاهلية من شق للجيوب ، ولطم للخدود .
1) البكاء:
أجمع العلماء على أنه يجوز البكاء على الميت إذا خلا من الصراخ والنوح ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب .. ولكن يعذب بهذا أو يرحم )) وأشار إلى لسانه .. وبكى لموت ابنه إبراهيم وقال : (( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .. وبكى لموت أميمه بنت ابنته زينب ، فقال له سعد بن عبادة : يا رسول الله أتبكي ؟ أولم تنه زينب ؟ فقال : (( إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده .. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )) أما البكاء بصوت وحشرجة (أي النوح )) فهذا هو المنهي عنه لقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم: (( من نيح عليه فغنه يعذب بما نيح عليه ))
2) النياحة :
وهي _ كما ذكرنا _ البكاء بصوت . ويحدث كثيرا وخاصة في القرى والأحياء الشعبية أن تأتي امرأة مهمتها ( النوح ) وتسمى ( الندابة ) وكل هذه أشياء من أفعال الجاهلية .. فعن أبي موسى الأشعري _ رضي الله تعالى عنه _ : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب . والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة )) ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ))
وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه قال : (( أنا بريء ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بريء من الصالقة ، والحالقة و الشاقة ))
3) مظاهر الحداد :
ونرى بعض الجهالة ؛ بل مما يؤسف أن يقع بعض المتعلمين في ذلك ، وهو : ترك النظافة وترك تقليم الأظافر وعدم تغير الثياب لفترات طويلة بحجة الحزن على الميت الحبيب ، وهذه أفعال يمقتها الإسلام ويذري بأهلها ، والحداد على الميت له حدود ومعالم : منها : أنه يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها ؛ ويحرم عليها أن تحد فوق ذلك إلا إذا كان الميت زوجها فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة ، وهي : أربعة أشهر وعشر لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوب مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا ، ولا تختضب ، ولا تمشط إلا إذا طهرت تمس نبذة من قسط أو أظهار ))
غسل الميت
مما أنعم الله به على عباده أن أكرمهم بالطهارة قبل الإقبال .. وغسل الميت أمر يقوم به من هم على دراية بذلك
.. ومن شروطه :
(1) أن يعم البدن بالماء الطهور مرة واحدة أو ثلاث مرات .
(2) تجريد الميت من ثيابه
(3) وضعه في مكان مرتفع
(4) وضع ساتر لعورته
(5) أن يكون المغسل ثقة أمينا صالحا
(6) النية عليه واجبة
كيفية الغسل
يبدأ المغسل بعصر بطن الميت عصرا رفيقا _ لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي _ لإخراج ما يكون في البطن.. ويزيل ما على الجسد من اتساخ أو نجاسة ويلف المغسل على يديه قطعة حتى لا يلمس العورة ..ثم يوضأ الميت وضوء الصلاة .. يقول النبي صلى الله عليه و سلم :
(( ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها ))
ويفضل أن يغسل ثلاثا بالماء والصابون أو الماء القراح .. مبتدئا باليمين .. فإن رأى المغسل الزيادة على الثلاث لمظنته عدم النقاء : غسله خمسا أو سبعا .. فقد جاء في الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن )) فإن كان الميت امرأة ندب نفض شعرها وغسله وأعيد تضفيره ويرسل خلفها .. ففي حديث أم عطية : أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة قرون . قلت : نقضنه وجعلنه ثلاثة
قرون ؟ قالت : نعم .. فإذا فرغ المغسل من غسل جسد الميت جفف بدنه بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ويفضل وضع الطيب عليه .
وجمهور العلماء على كراهية تقليم أظافر الميت وأخذ شيء من شعر شاربه أو إبطه أو عانته ، وجوز ذلك ابن حزم .
واتفقوا فيما إذا خرج من بطنه حدث بعد الغسل وقبل التكفين على أنه يجب غسل ما أصابه من نجاسة ، واختلفوا في إعادة طهارته فقيل : لا يجب وقيل : يجب الوضوء . وقيل يجب إعادة الغسل
الشهيد لا يغسل :
والشهيد الذي قتل في ميدان الجهاد بيد العدو لا يغسل ولو كان جنبا .. ويكفن في ثيابه ويدفن بدمائه .. روى أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( لا تغسلوهم فإن كل جرح ، أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة )) وأمر صلى الله عليه و سلم بدفن شهداء أحد في دمائهم ، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم ،
أما الشهداء الذين قتلوا في غير المعارك كمن وقع عليه حائط والمطعون فهؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم .. وقد تم تغسيل عمر وعثمان وعلي _ رضي الله عنهم _ وهم شهداء
وعن جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( الشهداء سبع سوى القتلى في سبيل الله : المطعون ( من مات بمرض الطاعون ) شهيد والغريق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، وصاحب الحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع ( أي تموت عند الولادة ) شهيدة ))
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( ما تعدون الشهيد فيكم )) ؟ قالوا : يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، قال : (( إن شهداء أمتي إذا لقليل )) قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : (( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، والغريق شهيد ))
واعلم أخي المسلم أن الكافر لا يغسل ، وليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه . إلا أن يخاف عليه من الضياع ؛ فيجب عليه أن يواريه التراب .
الكفن
اعلم أن تكفين الميت بما يستره ولو كان ثوبا واحدا فرض كفاية .. وذلك لما رواه البخاري عن خباب _ رضي الله عنه _ قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر (حشيش طيب الرائحة)
ما يستحب في الكفن
يستحب في الكفن مايأتي :
1) أن يكون حسنا ، نظيفا ، ساترا للبدن . . فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا ولي أحدكم أخاه
فليحسن كفنه.
2) أن يكون أبيض .. فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( البسوا من ثيابكم البيض فإنها من
خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم ))
3) أن يجمر ، ويبخر ، ويطيب .. فعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا ))
4) أن يكون ثلاث لفائف للرجل ، وخمس لفائف للمرأة : فعن عائشة رضي الله عنها _ قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة
أثواب بيض سحولية جدد ليس فيها قميص ولا عمامة
ويجزيء ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين . والثوبان يجزيان . والثلاثة لمن وجد أحب إليهم .
ويفضل عدم المغالاة في الأكفان .. إتباعا للسنة وما كان عليه الصحابة والسلف _ رضوان الله عليهم – وقال أبو بكر : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهم .. قالت عائشة : إن هذا خلق ( غير جديد ) .. قال : إن الحي أولى بالجديد من الميت إنما هو للمهلة ( القيح السائل من الميت )
حقا إنها حياة فانية ، والموت فيها عبرة وموعظة ، ومما نأسف له أن نرى هذه الأيام الكثير من البدع في هذا المجال والإسراف والبذخ في الكفن ، وإرهاق أهل الميت بإسفافات لا صلة لها بالدين ، بل هي من وحي الشيطان.
الصلاة على الميت
إن الصلاة على الميت فرض كفاية ؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بها .. ولمحافظة المسلمين عليها . وللصلاة على الميت عظيم الأجر والثواب . وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أصغرهما مثل أحد ))
شروط صلاة الجنازة :
شروطها كشروط باقي الصلوات المفروضة من طهارة حقيقية ومن الحدث الأكبر والأصغر واستقبال القبلة وستر العورة .. وتختلف عن الصلوات المفروضة في أنها لا يشترط لها الوقت .
أركانها :
1) النية .. وهي لابد منها لقوله تعالى :
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )
وقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم
(( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) والنية محلها القلب ، والتلفظ بها بدعة .
2) القيام للقادر عليه..لأنها صلاة تؤدى بالقيام ولا ركوع فيها ولا سجود .. ويعذر من القيام أصحاب الحرج.
3) التكبيرات الأربع :
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم علي النجاشي فكبر أربعا ، وهو قول الأئمة وعليه إجماع الأمة ، واعلم أن رفع اليدين عند التكبيرة الأولى فقط ولم يرد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رفع يديه في باقي التكبيرات الثلاث .
4) قراءة الفاتحة : والمقصود هنا قراءتها سرا بعد التكبيرة الأولى .
5) الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وهي بصيغة التشهد الأخير في الصلاة .
آداب في دفن الميت
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ببعض الآداب في دفن الميت :
1-يستحب تعميق القبر
2-أن يوسع من جهة رأس الميت ومن ناحية رجليه
3-الأفضل للميت اللحد إذا كانت الأرض صلبة فإن كانت رخوة كان دفنه في الشق أولى
4-أن يكون القبر بعيدا عن المساكن
5-أن يتولى الدفن أناس أمناء أتقياء
6-أن يستر الميت حتى إدخاله القبر
7-يسن إدخا ل الميت القبر من جهة رجليه إن أمكن بلا مشقة فإن لم يتمكن أدخل من جهة رأسه ولا بأس
8-أن يوجه الميت للقبلة في قبره بإراحته على جنبه الأيمن متجها للقبلة
9-يقول واضعه : ( بسم الله وعلى ملة رسول الله )
10-يستحب وضع شيء خلفه من لبن أو غيره تمنعه من الوقوع على قفاه وليظل متوجها إلى القبلة
11-أن يغلق القبر محكما بالطوب اللبن أو غيره
لطيفة وفائدة :
نرى كثير من الناس يجلسون على المقابر وهذا خطأ كبير يجب تفاديه ، لأن للميت حرمة كحرمة الحي . والجلوس على المقابر يعتبر نوعا من الاستخفاف وعدم التقدير.
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله ÷ : (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ))
وإياك أخي المسلم _ أن تسب أو تشتم ميتا لأن له حرمته _ فعن عائشة _ رضي الله عنها _ قا لت : قال رسول الله ÷ (( لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ماقدموا ))
ونحذرك _ أيضا _ من كسر عظام الميت لأي سبب فإن له حرمته ، فعن عائشة رضي الله عنها _ قالت : قال رسول الله ÷ :
(( كسر عظم الميت ككسره حيا ))
فاعلم ذلك أخي المسلم وعلمه لأهلك وللمسلمين .
داخل القبر
الملكان ¬_السؤال
للقبر ضمة (ضغطة ) على جسد الإنسان لا يحس بألمها إلا من كابدها ، وهذه الضغطة يذوقها كل عبد مات ولا نجاة منها
عن ابن عباس _رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ ، ولقد ضم ضمة ،ثم رخي عنه ))
ولعل إنسانا يتساءل كيف نحيا في القبور ؟
أنكون على هيئة حياتنا كما نحن في الدنيا فترد علينا عقولنا ؟ .. وللإجابة علي ذلك نورد : عن عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما _أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر فتان القبر ، فقال عمر أترد علينا عقولنا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( نعم كهيئتك اليوم )) . فقال عمر : بفيه الحجر
ويبدأ سؤال الميت بعد الفراغ من دفنه فإن مكث الميت في منزله يوما أو ساعات فاعلم أن السؤال يتم والحساب كذلك دون أن يدري من حوله _وسبق شرحنا لذلك .
وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال :
((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ))
ويدخل علي الميت في قبره ملكان للسؤال يرسلهما الرحمن سبحانه .. وتلك مهمتهما مع العباد .. وتكون الأسئلة عن أسس الإيمان وبعض أمور الدين
عن أبي هريرة رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( إذا قبر الميت أتاه ملكان يقال لأحدهم : المنكر والآخر النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله .أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ))
وفي رواية أخرى : (( ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له :من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله و آمنت وصدقت ))
ولعل سائلا يقول : إن الموقف صعب ولم يجربه الإنسان من قبل ، وقد يتلعثم الإنسان أو يسيطر عليه الروع..؟ .. نقول .. لقد طمأننا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله :
(( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله تعالى ﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ﴾
المؤمن يكون قلبه مطمئنا ، أما الكافر فيكون ولها مرتبكا لمعرفته بسوء عاقبته
فعن عائشة ، رضي الله عنها _ قالت :
جاءت يهودية استطعمت علي بابي فقالت : أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر ، قالت : فلم أزل أحبسها حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول هذه اليهودية ؟ قال : (( وما تقول ؟ ))
قلت : تقول : أعاذكم الله من فتنة الدجال ، ومن فتنة عذاب القبر . قالت عائشة : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ورفع يديه مدا مستعيذا بالله من فتنة عذاب القبر .
ثم قال : (( أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا حذر منه ، وسأحدثكم بحديث لم يحدثه نبي أمته ، إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، فأما فتنة القبر فبي يفتنون وعني يسألون))
وانشا الله يعجبكم الموضوع
الموت هو الخطب الأفزع و الأمر الأشنع الذي يُلين قسوة القلوب المتحجرة.. فالإنسان يهرول وراء الدنيا... ثم يفيق على جرس الموت ليدخل بعد موته بدقائق إلى عالم الآخرة، فالموت يقرع الأبواب و لا يهاب حجاباً و لا يقبل بديلا ً ولا يأخذ كفيلا ً ولا يرحم صغيراً و لا يوُقِر كبيراً.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: كانت عِبراً كلها .. عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصَبُ، عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، وعجبت لمن أيقن بأن الحساب غداً ثم لا يعمل.
تذكر الموت دائما و باستمرار، فتفكر يا مغرور في الموت و سكراته و صعوبة كأسه ومرارته . فهل تفكرت يا أبن أدم في يوم مصرعك و انتقالك من دنياك من سعة إلى ضيق و خانك الصاحب و الرفيق، و هجرك الأخ و الصديق، وأخذت من فراشك و غطائك إلى أن غطوك بلحاف من تراب؟
فيا جامع المال و المجتهد في البنيان ليس لك من المال إلا الأكفان، بل هي و الله للخراب و ذهاب جسمك للتراب. فأين الذي جمعته من مال؟! أنظر لمن ملك الدنيا بأجمعها. فهل راح منها بغير القطن و الكفن؟
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أربعة من الشقاء: جمود العين و قسوة القلب و طول الأمل و الحرص على الدنيا )).
إن المتأمل في أمر الموت و الاستعداد له في كل لحظة سوف تغدو الدنيا أمامه بلا قيمة و يزهد فيها.
وروى عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أكثروا من ذكر الموت فإنه يُمحِص الذنوب و يُزهٌِد في الدنيا )).
قال صلى الله عليه و سلم (( كفى بالموت واعظاً، كفى بالموت مفُرِقٌاً )).
وقيل له: يا رسول الله ، هل يحشر مع الشهداء أحد...؟ قال صلى الله عليه و سلم : (( نعم من يذكر الموت في اليوم و الليلة عشرين مرة )).
أتعظ أخي المسلم قبل فوات الأوان فالموت موقف رهيب يحتاج إلى كثير من التأمل و الاعتبار..أنه إنسان مسجى لا حركة و لا همس ..، ومنذ لحظات كان يدك الأرض دكاً. و يرفع صوته و يسعى في حياته غير خائف لا يعلم أن الموت ينتظره وأن ملك الموت وُكٌل به، وأنه صباحاً في الدنيا – على وجه الأرض – ومساءً في بطن الأرض حيث القبر و ظلمته.
ماذا تعرف عن ملك الموت؟
ملك و كله الله بقبض الأرواح. و يقُال: إنه الوحيد الذي نجح في إحضار قطعة الطين التي خلق الله منها آدم. من أجل ذلك أوكل الله إليه مهمة قبض الأرواح .. فقال: يا رب إن البشر سيكرهونني و يلعنوني .. فقال الله عز و جل : ﴿ وعزتي و جلالي لأجعلن لكل منهم سبباً يموت به ينسيهم ذكر أسمك ﴾ .. وبالفعل فنحن في حياتنا تتعدد الأسباب و الموت واحد.. فنقول: فلان مات بكذا و كذا ( من الأمراض و الحوادث ).
ماذا تعرف عن صورة ملك الموت و كيف يأتي الإنسان؟
روى عن عكرمة أنه قال: رأيت من صحف شيث أن آدم عليه السلام قال: يا رب أرني ملك الموت حتى أنظر إليه، فأوحى الله تعالى : إن له صفات لا تقدر على النظر إليها و سأنزله عليك في الصورة التي يأتي فيها الأنبياء و المصطفين؛ فأنزل الله عليه جبريل وميكائيل، وأتاه ملك الموت في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة ألاف جناح، منها جناح جاوز السماوات و الأرض، وجناح جاوز الأرضين ، و جناح جاوز أقصى المشرق، وجناح جاوز أقصى المغرب. وإذا بين يديه الأرض بما اشتملت عليه من الجبال و السهول و الفياض و الجن و الإنس و الدواب، و ما أحاط بها من البحار، و ما علاها من الأجواء في ثغرة نحره كالخردلة في فلاة الأرض، و إذا له عيون لا يفتحها إلا في مواضع فتحها، و أجنحة لا ينشرها إلا في مواضع نشرها، وأجنحة للبشرى ينشرها للمصطفين، و أجنحة للكفار فيها سفافيد و كلاليب و مقاريض .. فصعق آدم صعقة لبث فيها إلى مثل تلك الساعة من اليوم السابع ثم أفاق.
وروى عن أبن عباس – رضي الله عنه – أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ملك الموت أن يريه كيف يقبض روح المؤمن فقال له: اصرف وجهك عني فصرف، ثم نظر فرآه في صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيب الرائحة حسن البشر فقال له: والله لو لم يلق المؤمن من السرور من شيئاً سوى وجهك كفاه ثم قال له: أصرف وجهك عني فصرف وجهه عنه، ثم نظر إليه فإذا صورة إنسان أسود رجلاه في الأرض و رأسه في السماء كأقبح ما أنت راءِ من الصور تحت كل شعرة من جسده لهيب نار فقال له: والله لو لم يلق الكافر سوى نظرة إلى شخصك لكفاه!
حضور الشيطان عند الاحتضار
تعرض على ابن آدم عند استقرار النفس في التراقى فتن كبيرة لا ينجى منها إلا المؤمن الحق ؛ ذلك أن إبليس يبعث أعوانه إلى هذا الإنسان المحتضر ، فيأتونه وهو على هذا الحال ، فيتمثلون له في صورة من سلف من الأحباب الذين ماتوا قبله ، فيقولون له : أنت تموت يافلان ونحن قد سبقناك في هذا الشأن ، فمت يهوديا فهو الدين المقبول عند الله . فإن انصرف عنه ورفض _ جاءه آخرون وقالوا له : مت نصرانيا فإنه دين المسيح ، وقد نسخ الله به دين موسى ، ويذكرون له عقائد كل ملة ، فعند ذلك يزيغ الله من يريد زيغه وهو معنى قوله جل ثناؤه : ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ﴾
فإذا أراد الله بعبده الهداية ثبته على دين الهدى.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان : الواحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ؛ فالذي عن يمينه أبيه ، يقول له : يا بني إني كنت عليك شفيقا محبا ، ولكن مت على دين النصرانية فهو خير الأديان ، والذي على شماله على صفة أمه تقول له : يا بني إنه كان بطني لك وعاء ، وثدي لك سقاء ، وفخذي لك وطاء ، ولكن مت على دين اليهودية وهو خير الأديان ))
يؤيد هذا أيضا ما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شأن من شأنه ، حتى يحضره عند طعامه ، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة ، فليمط ما كان بها من أذى ، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان ، فإذا فرغ فليلعق أصابعه ، فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة ))
فالشيطان إذن _ كما يتبين من تلك الأحاديث _ يحضر الإنسان عند الاحتضار لكي يفتنه عن الحق . ولكن الله يثبت من يشاء عن الحق ، ويضل الظالمين.
ما يُفعل بعد الموت
وبعد أن يُتأكد من الوفاة الحقيقية _ هناك بعض الأمور التي يسن فعلها ومنها :
1) تسجية الميت :
ونعني بذلك تغطيته وستره عن أعين الناس _ حيث يتغير شكله فلا يستحب النظر إليه .. عن عائشة _ رضي الله عنها _ أن النبي ÷ حين توفي سجي ببردة حبرة
2) جواز التقبيل :
يجوز لأهل الميت وأحبائه تقبيله ، فقد قبل رسول الله ÷ عثمان بن مظعون وهو ميت . وروي أن أبا بكر أكب على رسول الله ÷ وقبله بعد موته .. والقبلة تكون بين العينين .
3) الإسراع في تجهيز الميت والدعاء له :
و السنة أن الميت بعد أن تحقق موته ؛ تجب المبادرة في تجهيزه بالغسل . ثم التكفين ثم الدفن ، وذلك إكراما له وخوفا عليه من التغير ، وليس معنى ذلك أن العبد بمجرد أن ترى فيه علامات الموت تسرع فتغسله لتدفنه.لا بل يجب التأكد التام من الموت فإن لم تستطيع أحضرنا الطبيب ليعلن وفاته بعد الفترة الكافية للتأكد من ذلك .. فقد حدث أن أناسا أسرع أهلهم في تغسيلهم بمجرد أن رأوا عليهم دلالات الموت ؛ وفجأة تحرك الجسد وعاشوا بعد ذلك أياما بل سنين . فالأمانة تقتضي التأكد .
عن أم سلمة _ رضي الله عنها _ قالت : قال رسول الله ÷ ( إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ) قالت : فلما مات أبو سلمه أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله : إن أبا سلمه قد مات فقال ( قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنه ) . فقالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير منه : رسول الله ويجوز تأخيره بعض الوقت _ أي الميت _ لحضور وليه ، فإن تأخر الولي وخشي التغير دفن الميت بحضور جمع المسلمين .
4) قضاء الدين :
وروح المؤمن موقوفة أو مرهونة بدينها مدام صاحبها مات وهو قادر على قضاء الدين .. وذلك لما رواه أبو هريرة _رضي الله عنه _ أن النبي ÷ قال : (( نفس المؤمن معلقه بدينه حتى يقضى عنه )) أما من مات ولا مال له ، ولكنه مات عازما على قضاء الدين فقد ثبت أن الله عز وجل يقضي عنه ، وكذلك من مات وله ما ل وكان محبا للقضاء ولم يقض من ماله ورثته .. فعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ÷ قال ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )) وجاء أن النبي ÷ كان يمتنع من الصلاة على من عليه دين حتى يقضى عنه ، فلما فتح الله البلاد على المسلمين قضى عمن مات مدينا دينه .
5) الاسترجاع :
لاشك أن الموت مصيبة لأهله وابتلاء من الله عز وجل .. والصبر يكون عند الصدمة الأولى ، وقد أمرنا الله ورسوله أن نسترجع بالدعاء عند الميت .. يقول الله تعالى﴿ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ ويقول الرسول ÷(( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته ،وأخلف له خيرا منها )).
وعن أبي هريرة _رضي الله عنه _ أن رسول الله ÷ قال : يقول الله تعالى : (( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ))
كما أنه من المستحب أن يعلم جميع أهل الميت بموته وعليهم الالتزام بالوقار والسكينة ..والاسترجاع وكثرة الاستغفار ..والاتعاظ بالموت ، فهو أبلغ الواعظين ،وأعظمهم أثرا .
محظورات
يحدث الكثير من البدع والتهاويل حول الميت .. مع أن الموقف يجب أن يكون به العبرة والاتعاظ وليس معنى ذلك أن أهل الميت لا يبكونه.. فهناك فرق بين بكاء الرحمة ، وشفقة الفراق .. وبين فعل الجاهلية من شق للجيوب ، ولطم للخدود .
1) البكاء:
أجمع العلماء على أنه يجوز البكاء على الميت إذا خلا من الصراخ والنوح ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب .. ولكن يعذب بهذا أو يرحم )) وأشار إلى لسانه .. وبكى لموت ابنه إبراهيم وقال : (( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) .. وبكى لموت أميمه بنت ابنته زينب ، فقال له سعد بن عبادة : يا رسول الله أتبكي ؟ أولم تنه زينب ؟ فقال : (( إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده .. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )) أما البكاء بصوت وحشرجة (أي النوح )) فهذا هو المنهي عنه لقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم: (( من نيح عليه فغنه يعذب بما نيح عليه ))
2) النياحة :
وهي _ كما ذكرنا _ البكاء بصوت . ويحدث كثيرا وخاصة في القرى والأحياء الشعبية أن تأتي امرأة مهمتها ( النوح ) وتسمى ( الندابة ) وكل هذه أشياء من أفعال الجاهلية .. فعن أبي موسى الأشعري _ رضي الله تعالى عنه _ : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب . والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة )) ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ))
وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه قال : (( أنا بريء ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بريء من الصالقة ، والحالقة و الشاقة ))
3) مظاهر الحداد :
ونرى بعض الجهالة ؛ بل مما يؤسف أن يقع بعض المتعلمين في ذلك ، وهو : ترك النظافة وترك تقليم الأظافر وعدم تغير الثياب لفترات طويلة بحجة الحزن على الميت الحبيب ، وهذه أفعال يمقتها الإسلام ويذري بأهلها ، والحداد على الميت له حدود ومعالم : منها : أنه يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها ؛ ويحرم عليها أن تحد فوق ذلك إلا إذا كان الميت زوجها فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة ، وهي : أربعة أشهر وعشر لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوب مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا ، ولا تختضب ، ولا تمشط إلا إذا طهرت تمس نبذة من قسط أو أظهار ))
غسل الميت
مما أنعم الله به على عباده أن أكرمهم بالطهارة قبل الإقبال .. وغسل الميت أمر يقوم به من هم على دراية بذلك
.. ومن شروطه :
(1) أن يعم البدن بالماء الطهور مرة واحدة أو ثلاث مرات .
(2) تجريد الميت من ثيابه
(3) وضعه في مكان مرتفع
(4) وضع ساتر لعورته
(5) أن يكون المغسل ثقة أمينا صالحا
(6) النية عليه واجبة
كيفية الغسل
يبدأ المغسل بعصر بطن الميت عصرا رفيقا _ لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي _ لإخراج ما يكون في البطن.. ويزيل ما على الجسد من اتساخ أو نجاسة ويلف المغسل على يديه قطعة حتى لا يلمس العورة ..ثم يوضأ الميت وضوء الصلاة .. يقول النبي صلى الله عليه و سلم :
(( ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها ))
ويفضل أن يغسل ثلاثا بالماء والصابون أو الماء القراح .. مبتدئا باليمين .. فإن رأى المغسل الزيادة على الثلاث لمظنته عدم النقاء : غسله خمسا أو سبعا .. فقد جاء في الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
(( اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن )) فإن كان الميت امرأة ندب نفض شعرها وغسله وأعيد تضفيره ويرسل خلفها .. ففي حديث أم عطية : أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة قرون . قلت : نقضنه وجعلنه ثلاثة
قرون ؟ قالت : نعم .. فإذا فرغ المغسل من غسل جسد الميت جفف بدنه بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ويفضل وضع الطيب عليه .
وجمهور العلماء على كراهية تقليم أظافر الميت وأخذ شيء من شعر شاربه أو إبطه أو عانته ، وجوز ذلك ابن حزم .
واتفقوا فيما إذا خرج من بطنه حدث بعد الغسل وقبل التكفين على أنه يجب غسل ما أصابه من نجاسة ، واختلفوا في إعادة طهارته فقيل : لا يجب وقيل : يجب الوضوء . وقيل يجب إعادة الغسل
الشهيد لا يغسل :
والشهيد الذي قتل في ميدان الجهاد بيد العدو لا يغسل ولو كان جنبا .. ويكفن في ثيابه ويدفن بدمائه .. روى أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( لا تغسلوهم فإن كل جرح ، أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة )) وأمر صلى الله عليه و سلم بدفن شهداء أحد في دمائهم ، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم ،
أما الشهداء الذين قتلوا في غير المعارك كمن وقع عليه حائط والمطعون فهؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم .. وقد تم تغسيل عمر وعثمان وعلي _ رضي الله عنهم _ وهم شهداء
وعن جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( الشهداء سبع سوى القتلى في سبيل الله : المطعون ( من مات بمرض الطاعون ) شهيد والغريق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، وصاحب الحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع ( أي تموت عند الولادة ) شهيدة ))
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( ما تعدون الشهيد فيكم )) ؟ قالوا : يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، قال : (( إن شهداء أمتي إذا لقليل )) قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : (( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، والغريق شهيد ))
واعلم أخي المسلم أن الكافر لا يغسل ، وليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه . إلا أن يخاف عليه من الضياع ؛ فيجب عليه أن يواريه التراب .
الكفن
اعلم أن تكفين الميت بما يستره ولو كان ثوبا واحدا فرض كفاية .. وذلك لما رواه البخاري عن خباب _ رضي الله عنه _ قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر (حشيش طيب الرائحة)
ما يستحب في الكفن
يستحب في الكفن مايأتي :
1) أن يكون حسنا ، نظيفا ، ساترا للبدن . . فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا ولي أحدكم أخاه
فليحسن كفنه.
2) أن يكون أبيض .. فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( البسوا من ثيابكم البيض فإنها من
خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم ))
3) أن يجمر ، ويبخر ، ويطيب .. فعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا ))
4) أن يكون ثلاث لفائف للرجل ، وخمس لفائف للمرأة : فعن عائشة رضي الله عنها _ قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة
أثواب بيض سحولية جدد ليس فيها قميص ولا عمامة
ويجزيء ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين . والثوبان يجزيان . والثلاثة لمن وجد أحب إليهم .
ويفضل عدم المغالاة في الأكفان .. إتباعا للسنة وما كان عليه الصحابة والسلف _ رضوان الله عليهم – وقال أبو بكر : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهم .. قالت عائشة : إن هذا خلق ( غير جديد ) .. قال : إن الحي أولى بالجديد من الميت إنما هو للمهلة ( القيح السائل من الميت )
حقا إنها حياة فانية ، والموت فيها عبرة وموعظة ، ومما نأسف له أن نرى هذه الأيام الكثير من البدع في هذا المجال والإسراف والبذخ في الكفن ، وإرهاق أهل الميت بإسفافات لا صلة لها بالدين ، بل هي من وحي الشيطان.
الصلاة على الميت
إن الصلاة على الميت فرض كفاية ؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بها .. ولمحافظة المسلمين عليها . وللصلاة على الميت عظيم الأجر والثواب . وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أصغرهما مثل أحد ))
شروط صلاة الجنازة :
شروطها كشروط باقي الصلوات المفروضة من طهارة حقيقية ومن الحدث الأكبر والأصغر واستقبال القبلة وستر العورة .. وتختلف عن الصلوات المفروضة في أنها لا يشترط لها الوقت .
أركانها :
1) النية .. وهي لابد منها لقوله تعالى :
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )
وقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم
(( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) والنية محلها القلب ، والتلفظ بها بدعة .
2) القيام للقادر عليه..لأنها صلاة تؤدى بالقيام ولا ركوع فيها ولا سجود .. ويعذر من القيام أصحاب الحرج.
3) التكبيرات الأربع :
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم علي النجاشي فكبر أربعا ، وهو قول الأئمة وعليه إجماع الأمة ، واعلم أن رفع اليدين عند التكبيرة الأولى فقط ولم يرد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رفع يديه في باقي التكبيرات الثلاث .
4) قراءة الفاتحة : والمقصود هنا قراءتها سرا بعد التكبيرة الأولى .
5) الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وهي بصيغة التشهد الأخير في الصلاة .
آداب في دفن الميت
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ببعض الآداب في دفن الميت :
1-يستحب تعميق القبر
2-أن يوسع من جهة رأس الميت ومن ناحية رجليه
3-الأفضل للميت اللحد إذا كانت الأرض صلبة فإن كانت رخوة كان دفنه في الشق أولى
4-أن يكون القبر بعيدا عن المساكن
5-أن يتولى الدفن أناس أمناء أتقياء
6-أن يستر الميت حتى إدخاله القبر
7-يسن إدخا ل الميت القبر من جهة رجليه إن أمكن بلا مشقة فإن لم يتمكن أدخل من جهة رأسه ولا بأس
8-أن يوجه الميت للقبلة في قبره بإراحته على جنبه الأيمن متجها للقبلة
9-يقول واضعه : ( بسم الله وعلى ملة رسول الله )
10-يستحب وضع شيء خلفه من لبن أو غيره تمنعه من الوقوع على قفاه وليظل متوجها إلى القبلة
11-أن يغلق القبر محكما بالطوب اللبن أو غيره
لطيفة وفائدة :
نرى كثير من الناس يجلسون على المقابر وهذا خطأ كبير يجب تفاديه ، لأن للميت حرمة كحرمة الحي . والجلوس على المقابر يعتبر نوعا من الاستخفاف وعدم التقدير.
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله ÷ : (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ))
وإياك أخي المسلم _ أن تسب أو تشتم ميتا لأن له حرمته _ فعن عائشة _ رضي الله عنها _ قا لت : قال رسول الله ÷ (( لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ماقدموا ))
ونحذرك _ أيضا _ من كسر عظام الميت لأي سبب فإن له حرمته ، فعن عائشة رضي الله عنها _ قالت : قال رسول الله ÷ :
(( كسر عظم الميت ككسره حيا ))
فاعلم ذلك أخي المسلم وعلمه لأهلك وللمسلمين .
داخل القبر
الملكان ¬_السؤال
للقبر ضمة (ضغطة ) على جسد الإنسان لا يحس بألمها إلا من كابدها ، وهذه الضغطة يذوقها كل عبد مات ولا نجاة منها
عن ابن عباس _رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ ، ولقد ضم ضمة ،ثم رخي عنه ))
ولعل إنسانا يتساءل كيف نحيا في القبور ؟
أنكون على هيئة حياتنا كما نحن في الدنيا فترد علينا عقولنا ؟ .. وللإجابة علي ذلك نورد : عن عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما _أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر فتان القبر ، فقال عمر أترد علينا عقولنا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( نعم كهيئتك اليوم )) . فقال عمر : بفيه الحجر
ويبدأ سؤال الميت بعد الفراغ من دفنه فإن مكث الميت في منزله يوما أو ساعات فاعلم أن السؤال يتم والحساب كذلك دون أن يدري من حوله _وسبق شرحنا لذلك .
وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال :
((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ))
ويدخل علي الميت في قبره ملكان للسؤال يرسلهما الرحمن سبحانه .. وتلك مهمتهما مع العباد .. وتكون الأسئلة عن أسس الإيمان وبعض أمور الدين
عن أبي هريرة رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( إذا قبر الميت أتاه ملكان يقال لأحدهم : المنكر والآخر النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله .أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ))
وفي رواية أخرى : (( ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له :من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله و آمنت وصدقت ))
ولعل سائلا يقول : إن الموقف صعب ولم يجربه الإنسان من قبل ، وقد يتلعثم الإنسان أو يسيطر عليه الروع..؟ .. نقول .. لقد طمأننا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله :
(( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله تعالى ﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ﴾
المؤمن يكون قلبه مطمئنا ، أما الكافر فيكون ولها مرتبكا لمعرفته بسوء عاقبته
فعن عائشة ، رضي الله عنها _ قالت :
جاءت يهودية استطعمت علي بابي فقالت : أطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر ، قالت : فلم أزل أحبسها حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول هذه اليهودية ؟ قال : (( وما تقول ؟ ))
قلت : تقول : أعاذكم الله من فتنة الدجال ، ومن فتنة عذاب القبر . قالت عائشة : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ورفع يديه مدا مستعيذا بالله من فتنة عذاب القبر .
ثم قال : (( أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا حذر منه ، وسأحدثكم بحديث لم يحدثه نبي أمته ، إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، فأما فتنة القبر فبي يفتنون وعني يسألون))
وانشا الله يعجبكم الموضوع