إلهٌ في عكاظ ْ
مدخل :
عندما أخذتني أمي للطبيبِ
لينزع الغرلة قالَ :
سآخذ شبراً لكي لا يكون أبا الكونِ
هذا الرّضيع .
أنا آخرُ الشعراءِ بسوقِ عكاظٍ
وأوّل من أنشدَ الشعرَ فيهِ
أنا بيتُ شعرٍ يدندنهُ العابرونَ
إلى اللهِ دونَ اكتراثٍ ،
أنا حجرٌ في الفراغِ يسامرُ نفسه
أنا الحاءُ والباءُ والماءُ
في كفِّ جاريةٍ تغسِلُ النهدَ عندَ الصباحِ
لكي يستعدَّ لمليونِ ثغرٍ لدى شهريار
أنا دمعة فوقَ خدِّ المساءِ
وطعنة رمح ،
سباقٌ لدى سلحفاةٍ مع الريح
مأساة طيرٍ جريح
وناي يبوح بما يعتريهِ
هروب العصافير عند المغيبِ
إله بلا عرشْ
قتيلٌ بلا نعشْ
أفولُ النجوم بليلٍ يضجّ
بمليونِ عاشقْ
نبيذ يعتـّقُ جوفَ الجرارِ التي
تنطرُ السامرينَ وتنتظرُ النادمينَ
بصمتٍ عميقْ ،
شعورُ الطريدِ المسافرِ مشياً
إلى اللايريدْ
شحوب على وجهِ أمّي
سقامٌ يهدُّ أبي كلّ يومٍ
وما أنشدَ الناسُ من أغنيات
إلهٌ يكرِّرُ نفسهْ
أنا حجرٌ في الفراغِ
أنا هبلُ
(2)
تلاقيتُ مع روحِيَ الشارِدة
وكنتُ أسير على صوتِ نايٍ
يقودُ خطايَ اتجاهَ القبورِ التي كنتُ فيها
ومنها خرجتُ أرممُ نفسي لأكمِلَ دربي
اتجاهَ السماء.
لماذا يعودُ بيَ النايُ نحو البدايةِ ؟
قالت ليَ الروحُ حين جذبت بها
نحو صدري ،
ستبقى جماداً كما كنتَ دوماً
سآتيكَ يوماً بفأسِ أبي الأنبياءِ
وأكسر فيكَ الألوهة كي تستريحَ
وكي أستريحْ ،
فلستَ سوى حجر في الفراغِ
رماهُ المسافر حينَ استراحَ
من الرحلة السادِسة ْ،
سأكسرُ فيكَ انكسارك
لستَ سوى بهرجٍ من حطامٍ
ولستَ سوى شمعةٍ مطفأة،
وغابت ْ مخلفة أربعينَ خريفاً
وناياً وموتاً بدربي الذي إن أراني
انتهيتُ أراهُ إبتدا وكما
أوصلت سُـبُـلٌ
باعدت سُـبُـلُ
(3)
أنا من أنا
والثواني اللواتي تناسلنَ
حتى غدونَ سنينَ طِوالا
وحتى غدونَ سنينَ ثقالا
ترى هل من العمرِ تحسبُ
أم أنها طفرة زائِدة ؟
وجاراتنا هل صدقنَ إذا قلنَ أنّي
أمرّ كنـوّارِ هذا الصباح ؟
وأنـّي كيوسف إن قد مررتُ
يقطـّعنَ أجسادهنَّ
ويصقِلنَ أغمادهنّ احتفاء بسيفي !
ترى هل أصدّقُ حينَ أقول
بأنّ قميصِيَ من كلِّ صوبٍ تمزّقْ
وهل سأصدّقُ حينَ أقول بأنـّي امـَّحيتُ
ولم يُرَ لي دبـُرٌ
كي يُرى قبـُلُ
(4)
سأكملُ هذا الطريق الطويل
سأكمل وحدي الطريق الطويل
معي ما تبقى من الحزنِ والليلِ
والشّعرِ والذكرياتْ ،
معي ما بقي من جرارِ النبيذِ
الذي أحتسيهِ على شرفةٍ
من غمامٍ أشيـّدها فوقَ قوسِ قزحْ
حيثُ كانَ الصباحُ نديماً يغنـّي :
هنا الخمرُ يكفيكَ ما دمتَ حيـّاً
هنا يا صديقِيَ ماءٌ وفيّ
إذا قيلَ أنّ المدامة إثمٌ
فسجل ذنوبَ السكارى عليّ
أردّ :
( سأحملُ روحي على ...
لن أقول !
وأرمي بها بينَ وكرٍ وحانِ
فإما أعيشُ بحانةِ خمرٍ
وإمـّا أعيشُ أنا والغواني )
وأمضي سريعاً
وقلبي يزقزِقُ مثلَ العصافير
حينَ تلبي نداءَ الطبيعة
حيثُ تغنّي نشيدَ الولاءِ لشمسِ الصباحْ
وأمضي سريعاً
وإن أطبقَ الليل ينسدلُ اليأس
خلفَ شبابيكِ روحي ،
فينتفضُ الجرح من نومِهِ كالفراشـَةِ
في حقلِ قلبي َ مستبشِراً بالألوهةِ ،
عشرينَ عاماً وما ظلّ يكفي
لأزرعَ قلبي ودربي بمليونِ نرجسةٍ
أو يزيدْ ،
وما ظلّ يكفي لكي أكملَ الرحلة القادِمة .
فيا يأسُ لا تقترب من خطايَ
أم أنـّكَ في طرقات السُّرى أملُ ؟
(5)
لقافيتي
يسجدُ الكون في كلِّ يومٍ ثلاثينَ يومْ
لقافيتي
يشعلُ النجم مليون نجمٍ بمليونِ نجمْ
لقافيتي
تتفتـّقُ معجزة ُ النـّهدِ عن ألفِ نهدٍ ونهدِ
لقافيتي
تستحمّ الصبايا بماءٍ ووردِ
ويصبغنَ لونِيَ باللازوردِ
لقافيتي
يشعِلُ العاشقونَ قناديلَ زيتِ
ليَ البرُّ والبحرُ والمدّ والجزرُ
والليلُ والفجرُ والأفق بيتي .
أنا من أنا ؟
ابنُ مريم يبحثُ عن والدٍ
جوفَ جيبي !
أنا من أنا ؟
رسلٌ تشحذ المعجزات
على بابِ بيتي !
أنا من أنا ؟
ألفُ اسمٍ أنادى بهِ غيرَ اسمي !
أنا من أنا ؟
رسلي هائمونَ بكلِّ العواصِمِ
يحكونَ عنـّي ،
فلا النفعُ إن صدِّقت رسلٌ
ولا الضرُّ إن كذبت رُسـُلُ
أنا هبلٌ
أنا هبلٌ
أنا هبـَلُ .
:3leahm: انا شاءالله اول مشاركة الي تعجبكم:3leahm: