نفذت الحكومة الموريتانية قرارها الذي اتخذته اثناء قمة الدوحة العربية الطارئة بتجميد العلاقات مع اسرائيل، عندما أمرت السفير الاسرائيلي وجميع اعضاء سفارته في نواكشوط بمغادرة البلاد فورا واغلاق السفارة.
القرار الموريتاني هذا جاء احتجاجا على المجازر التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية اثناء عدوانها على قطاع غزة، وتجسيدا لمشاعر الشعب الموريتاني المفعمة بالغضب تجاهها. وهي المشاعر التي عبر عنها من خلال مظاهرات حاشدة، شارك فيها مئات الآلاف من الموريتانيين.
الحكومات الموريتانية السابقة ترددت كثيرا في الاقدام على خطوة قطع العلاقات او تجميدها مع الدولة العبرية، وقاومت ضغوطا شعبية كبيرة تطالبها بذلك، ولا نبالغ اذا قلنا ان الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع خسر حكمه في انقلاب عسكري بسبب تقاربه مع اسرائيل، الى جانب اسباب عديدة اخرى، تبدو في نظر الكثيرين أقل أهمية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان طرد الدبلوماسيين الاسرائيليين واغلاق سفارتهم في نواكشوط قرارا مؤقتا ام انه يحمل صفة الديمومة، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار ان قرار قمة الدوحة التي شارك فيها الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز نص على تجميد العلاقات لا قطعها.
المرجح ان النظام الموريتاني قرر قطع العلاقات بصورة نهائية، لكي يطوي هذه الصفحة المظلمة التي ألحقت الضرر الكبير ببلاده وصورتها الناصعة كدولة وقفت بقوة الى جانب القضايا العربية العادلة، بل تطرفت في هذه المواقف، مما يؤكد اصالة شعبها وانتماءاته العروبية الراسخة.
المجلس العسكري الحاكم سيكتسب شعبية كبيرة في اوساط الشعب الموريتاني، ولا يستطيع اكثر خصومه شراسة انكار شجاعته والتزاماته الوطنية بقضايا امته، وربما تنعكس هذه الشعبية في صناديق الاقتراع في حال مضى رئيس المجلس في خططه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
القرار الموريتاني هذا سيشكل احراجا كبيرا للعديد من الدول العربية التي ما زالت تقيم علاقات، وتحتفظ بسفارات اسرائيلية في عواصمها، وترفض الانحياز لمشاعر شعبها بقطع هذه العلاقات احتجاجا على جرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها اسرائيل ضد ابناء الشعبين الفلسطيني واللبناني.
لا شك ان هذه الخطوة الموريتانية ستغضب الدولة العبرية، واللوبيات اليهودية الداعمة لعدوانها، وهي لوبيات صاحبة نفوذ كبير في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية، وربما تلحق بعض الضرر بموريتانيا ومصالحها الاقتصادية من جرائها، ولكن اقامة علاقات مع دولة مارقة معتدية كان خطأ جسيما في الاساس ما كان له ان يحدث، ولهذا فإن قطعها جاء تصحيحا لهذا الخطأ، وفي الوقت المناسب، لانه ازاح عبئا ثقيلا عن كاهل الشعب الموريتاني استمر لسنوات طويلة.