هل أنت بريء ؟
كم منا من يخطىء على غيره بسببٍ وبغيره !!! والعجيب أنه مع كثرة
الأخطاء والخطايا ، وكثرة المجروحين والمتألمين ، وكثرة الآلام والحسرات
في قلوبنا من بعضنا إلا أنك تعاني من قلة المعتذرين لبعضهم
وندرة الراجعين عن أخطائهم !
فلماذا يسهل إغماد السيوف في الخواصر ، ويصعب نزعها ؟!
لماذا يهون علينا أن نجرح غيرنا ، ويصعب علينا أن نداوي تلك الجراح ؟!
لماذا لا نحتمل من غيرنا أن يخطىء علينا ، ونمارس نحن ما نكرهه
مع غيرنا ؟!
لماذا نستعظم ما يأتي إلينا ، ونحتقر ما يصدر عنا ؟!
هل هو الكبر والتعالي ؟ أم اللامبالاة بمشاعر الناس ؟
أم سوء التربية ؟ أم هي القسوة التي ذهبت بتلك المشاعر والعواطف ؟
أم هو الجهل بدين الله الذي صان الكرامات ، وحفظ الحقوق ، ورعى الأحاسيس ؟
أم هذه الأسباب جميعاً ؟ أم أن هناك غيرها ....
الحقيقة أننا قد نقصّر كثيراً في تربية أنفسنا مما يدعونا لمثل تلك الزلات
مع الناس ، ولو تأملنا ماذا فعل سيد الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الخلق
لوجدنا مكمن الخلل وموطن الزلل في نفوسنا التي أبت علينا الرجوع إلى الحق
والانقياد له والدوران معه حيث دار ، وتأمل ، تعجب !
فعن حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه : أن رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدحٌ
يعدل به القوم ، فمر بسواد بن غزية وهو خارج عن الصف ، فطعنه في
بطنه بالقدح ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم : " استَوِ يا سواد " فقال :
يا رسول الله ! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل ، فأقدني ! قال :
فكشف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بطنه ، وقال
ـ صلى الله عليه وسلم : "استَقِد " ! قال : فاعتنقه فقبَّل بطنه !!
فقال ـ صلى الله عليه وسلم : " ماحملك على هذا ياسواد ؟ " قال :
يا رسول الله ! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك
أن يمسَّ جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخير ..
انظر: السلسلة الصحيحة (6ـ 2/808) (2835)
هل تكفيك هذه ؟! فخذ هذه أيضاً !!
فعن أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ قال : بينما هو يحدث القوم
ويضحكهم ، وكان فيه مزاح .. فطعنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني ـ يعني : مكني من أن آخذ لنفسي
وأستوفي حقي بالقصاص منك ، وذلك بأن أطعنك في خاصرتك كما طعنتني
فقال :" اصطبر " ، قال : إن عليك قميصا ، وليس عليَّ قميص ،
فرفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قميصه ، فاحتضنه ، وجعل
يقبل كشحه !! قال : إنما أردت هذا يا رسول الله ..
صحيح سنن أبي داود (3/981) (4352)
فهل ـ بعد هذا ـ سترفع عن قلبك رداء الكبر والتعالي ، لتمكن من أخطأت
عليهم من نفسك ، ليقتصوا منها ، فتسلم من شرِّها ، وتنجو من القصاص
في يوم القيامة ، عندما تقتص الشاة الجلحاء من القرناء ، أم سيتمادى بك
الحال فيما يسؤوك أن تراه في عاقبة المآل ؟!
أم أن الناس كلهم مجرمون مخطئون ، وأنت البريء الوحيد !؟