في يوم بعد المغرب... دخلت إلي البيت.... شيء ما لا يوحي بخير... لا صوت بالبيت سوي أنين لا أدري من أين يأتي دخلت إلي صالة البيت... شيء غريب أمامي.. مجموعة من نساء الحارة ومعهن جدتي وخالاتي جئن لزيارتنا فجأة... الأمر غريب ليس هناك من يتكلم... الكل صامت وبعضهن يئن بصوت لا يكاد يسمع... نظرت إلي أمي فإذا بها تبكي.... اسودت الدنيا في وجهي... وتساءلت: ما الأمر؟؟؟!! رددت السلام- السلام عليكم لا أحد يرد حينها أدركت أن شيئا ما قد حصل... سألت أختي: (ايش في شو القصة) أجابتني... أمي ثم سكتت... سألتها ثانية: (إيش مالها)- ذهبت إلي الطبيب تشكو من ألم في المريء فأخبرها بأنها مصابة بالسرطان.. نزل علي الخبر كالصاعقة- هل أنت متأكدة من الذي تقولينه- هذا ما أخبرها به الطبيب ولعله يكون مخطئاً... نظرت إلي أمي مرة أخري فهزت رأسها تأكيداً لكلام أختي... شعرت أن الدنيا تدور من حولي من شدة وقع الخبر علي.. أصبحت أكلم نفسي (لا لا أكيد الطبيب مخطيء وما عرف يشخص المرض بشكل صحيح).... لم أعرف ماذا أفعل هل أبكي؟؟ هل أصرخ لكني تمالكت نفسي حتي أخرج من أمام أمي ولا أشعرها بحزني... رجعت إلي البيت.. لم أتمالك نفسي حين رأيت عيني أمي قد اغرورقتا من البكاء... بكيت بحرقة لم ولن أبكي مثلها قط!!
كان إيمانها قوياً ولكن وقع الخبر كان شديداً عليها طمأنتني وربتت علي كتفي كي تخفف من حزني عليها ياااااااااه كم تمنيت ألا تنتهي تلك اللحظات وأنا مع أمي... تمالكت نفسي وقبلت يديها ورأسها ونظرت إلي وجهها وإذا قد تغيرت ملامحها من شدة الحزن....
في البداية كانت تأكل اللقمة بصعوبة بالغة ونحن من حولها نأكل بشهية... ثم اشتد بها المرض وقد تمكن منها ولم تستطع تناول أي نوع من الأكل سوي شرب الماء فقط... اشتدت حالتها سوءًا ثُم دخلت المستشفي وقرر لها الطبيب عملية لاستئصال الورم من المريء في ذلك اليوم وقبل إجراء العملية بيوم كان والدي قد أحضر لها قطعتين من الذهب فقالت: (كمان أسبوع إن شاء الله أكون في البيت وألبسه) دخلت في اليوم التالي إلي العملية بعد أن ختمت قراءة القرآن الكريم.. لكنها خرجت منها إلي غرفة العناية الفائقة ولبثت بها اثني عشر يوماً ثم فارقت الحياة إلي جوار ربها جعلها الله وإيانا من أهل الجنة.... وفي تلك الليلة استيقظت الساعة الثالثة فجراً فإذا بأخي يخبرني بذلك الخبر (أمي ماتت)... كم كانت تلك الكلمة ثقيلة علي تمنيت أن يكون آخر خبر أسمعه.. تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني وألا أعيش بعدها لحظة... إنها أمي لقد ماتت وفارقتنا وتركتنا مع الزمن نصول ونجول بلا أم حانية.. بلا أم تتفقدنا كل ليلة.. بلا أم نلجأ إلي حضنها ساعة الفزع.. بلا أم نقبل يدها ونستأنس بها عند وحدتنا... بلا أم.. بلا أم... بلا أم.. تندمت أني لم أبرها كل البر قبل أن تتوفي ولكنه قدر الله ولا أحد غير الله والحمد لله على السراء والضراء... وفي النهاية أنصح كل من عنده أم أن يبرها أشد البر قبل أن يفقدها ويتحسر علي تلك الأيام التي قصر فيها مع أمه.