ما يزال الشارع العربي يتحدث بإعجاب واكبار عن موقف رئيس وزراء تركيا السيد طيب رجب أردوغان في دافوس، على الرغم من مرور عدة اسابيع على ذلك الموقف المشرف الذي دفع الكثير من المراقبين وحتى الأشخاص العاديين الى الاشادة به، واستذكار بعض المواقف العثمانية المشرفة، وخاصة موقف السلطان العثماني عبد الحميد رحمه الله، من العرض السخي الذي تقدم به هرتزل اليهودي وأحد كبار المؤسسين للحركة الصهيونية، وهو مبلغ ماية وخمسين مليون ليرة ذهب انكليزية، مقابل موافقة السلطان على اقامة كيان لليهود في فلسطين، حينها انتفض السلطان واقفا من الغضب وطرده خارج مجلسه السلطاني، وقال كلمته المشهورة ان ارض الأوطان لا تباع بكل ذهب الدنيا.
ذكرت في وقت سابق، تحليلا لشخصية تركية تهتم بالدراسات الاستراتيجية، تحذر أردوغان من مصيبة قد يقدم عليها عملاء الموساد او الشاباك، وذلك بالقيام بتفجيرات في احد الكنس او المؤسسات اليهودية على الأرض التركية، لاثارة نقمة عالمية ضد أردوغان بتهمة أن حديثه في دافوس هو الذي يدفع متطرفين أتراك أو مسلمين للقيام بأعمال معادية للسامية ( أي ضد اليهود ) وكأن السامية حكر لهم، وما دام الشيء بالشيء يذكر فان بعض كبار ضباط الجيش العثماني من يهود الدونما الذين تسللوا الى جمعية الاتحاد والترقي، هم الذين قاموا بانقلاب على السلطان عبد الحميد فخلعوه وأودعوه السجن ثم رموه في مياه الدردنيل وأنهوا الخلافة الاسلامية. من الحكمة بمكان والحالة هذه ان تتطور العلاقة التركية والعربية الى الأفضل وفي كل المجالات، فثمة مصالح مشتركة وتاريخ وجغرافيا الجوار بالإضافة الى الرابط الديني الذي يجمع غالبية الشعب التركي بالشعوب العربية، بغض النظر عن علمانية النظام، وبهذا يمكن ضرب المصالح الاسرائيلية وقطع الطريق عليها من اجراء أية تحالفات استراتيجية مع تركيا، نكاية بالدول العربية والاسلامية التي ترفض الاعتراف بها، قبل انسحاب قواتها من الاراضي العربية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، واعادة الحقوق الشرعية الى الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة.
الانظمة العربية الرسمية يفترض ان تكون منسجمة ومتناغمة مع مشاعر شعوبها، الى القدر الذي لا يتعارض مع المصالح العليا، وعليه فانه من المتوقع أن تثار بعض المتاعب للسيد أردوغان على ضوء موقفه من أحداث غزة التي هزت ضميره وضمير كل انسان حر على وجه البسيطة، وهنا يأتي الدور العربي الرسمي والشعبي بضرورة رد الجميل والوقوف الى جانب هذا الرجل وحكومته، بما هو مناسب وبما يتفق مع القوانين والاعراف الدولية، ايذانا بأن العربي اينما كان موقعه فشيمته الوفاء، ولا يتنكر الى فعل الجميل، وما جزاء الاحسان الا الاحسان.