[B]
كتب المحرر السياسي - لم يكن الأردن يوما من الأيام بعيدا عن قضايا أمته العربية وهمومها وتطلعاتها ، وهو اليوم بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الأقرب صلة ووصلا وظهيرا داعما للشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وتوجهاته ، مبتعدا عن الإعلانات والتصريحات المبهرجة وتسجيل المواقف على حساب الشعب المسلوب في أرض فلسطين وقطاع غزة الذي يكتوي بصليل النار التي اختارتها إسرائيل منهجا للعلاقة مع الشعب الصنديد الذي يأبى الخضوع والخنوع لفضاء يتساقط قذائف مدمرة وأرضا تلتهب حرائق تنفثها الآلة العسكرية الإسرائيلية المتوحشة .
واليوم وبعد المعارك الضارية التي استبسل فيها الأبطال على جبهات القتال في غزة ، وتناثرت دماء الشهداء كواكبا تضيء في سماء الدنيا ، يستمر الأردن قيادة وحكومة وشعبا في مد شرايينهم نحو الأهل في غزة ، ليصلوا الدم بالدم ، والنصرة للعزة والكرامة والبطولة هناك ، ويعلن الأردن على رؤوس الأشهاد إنه نصير هذا الشعب بكل ما أوتي هذا البلد رغم شح إمكانياته وتفرق الإجماع العربي سياسيا واقتصاديا وعسكريا ونكوص العديد من الجهات التي طالما أشبعتنا كلاما وخطبا وتهديدات عبر آلاف الأميال ، وعبر البحار والجبال ، دون ان تمد يدها بكسرة خبز ، أو قطرة دم ، أو مبادرة سياسية تخفف عن الشعب الصابر معاناته .
وقبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ السبت الماضي ، كان جلالة الملك سباقا في الدعوة الى رأب الصدع الفلسطيني الداخلي ، وتكاتف الجهود بين الأشقاء لتفادي المصير الدموي الذي حصل نتيجة عدم تحكيم المصلحة الوطنية العامة .. ومنذ انطلاقة أول طائرة لتقصف في سماء غزة أعلن جلالته تنديده واستنكاره للهجمة البربرية على غزة .
وأمس أعلنها جلالته بملء الفم لمبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير بقوله إن الأمور في غزة تدهورت الى حد لا يقبل السكوت عنهجراء العدوان الإسرائيلي على القطاع ما يستوجب موقفا دوليا فوريا يلزم إسرائيل وقف العدوان وفتح المعابر للسماح بوصول المساعدات الطبية والإنسانية وإخلاء الجرحى.
و منذ اليوم الأول للعدوان دعا جلالته المجتمع الدولي الى إلزام إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية التي لن تجلب لها لا الأمن ولا الاستقرار.
"في المقابل كانت جلالة الملكة في قلب الحدث حاضرة بكل جهودها أعلنت مؤسسة نهر الأردن نافذة مفتوحة لتقديم العون والدعم والدم للأشقاء في غزة .
وفي تصريحها لقناة الجزيرة ، قالت جلالتها بكل وضوح .. " الصورة الآن في غزة تصبح أبشع فأبشع مع مرور كل يوم، والصمت كفر، لأن ما يحدث اليوم ليس فقط خرقا للقوانين الدولية ، ولكنه ايضا تجاهل سافر لحقوق الإنسان.
وأضافت جلالتها "مأساة غزة لا يكفيها التعاطف والتنديد، غزة تحتاج الى تحرك، يجب علينا ان نحشد كل طاقاتنا لان أهلنا في غزة بحاجة الى المعونة، والدواء، والمأوى من الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي
وعزز جلالته التأكيد على وقوف الأردن بكل إمكانياته الى جانب الشعب الفلسطيني وتوفير جميع أشكال الدعم الإنساني والطبي للأشقاء في قطاع غزة.
معلنا ان المملكة تضع جميع إمكانياتها الطبية والعلاجية تحت تصرف الأشقاء الفلسطينيين لمعالجة الجرحى وتقديم العون الطبي اللازم لهم .
وكان الأردن قد أعلن عن استقبال كافة جرحى غزة في المستشفيات الأردنية ووصلها ثمانية جرحى لا يزالون يتلقون العلاج في مستشفى الملكة علياء .
ورفع جلالة الملك الصوت بمطالبة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق عبر الضغط على إسرائيل لوقف العدوان الذي بدأته على قطاع غزة بشكل فوري.
ولأن الحل يبدأ عربيا فقد دعا الأردن مباشرة الى عقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب للوصول الى صيغة حل ينهي معاناة الشعب الصامد ، حيث التئم بالفعل اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ، رغم الخلافات التي تقاطعت مع التوجه العام لعقد قمة عربية طارئة أكد عليها الأردن ايضا ، ولكنه لم يجد ذات النفس في الوصول الى تجمع قيادي عربي للخروج بنتائج فعلية على أرض الواقع ، ما ألزم الأردن للبقاء في خندق التوحد الشعبي والرسمي لمساندة الشعب الذي يعاني من القتل والتدمير .
وانطلاقا من الشعور بالمسؤولية الكبرى ، وتوافقا مع المشاعر الشعبية فقد فتح الأردن الباب لجميع فئات الشعب الأردن ومنظمات المجتمع المدني للتعبير عن رفضها واحتجاجها للعدوان الغاشم من خلال المظاهرات والمسيرات والاعتصامات المفتوحة التي جابت شوارع العاصمة عمان وكافة المدن الأردنية عبر من خلالها الشعب الاردني الواحد عن نصرتهم معنويا لأشقاءهم في غزة ، تزامنا مع الدعم المادي والعيني الذي تتالى من خلال نوافذ استقبال التبرعات والدم التي قادها الملك .
ووصلت المسيرات الغاضبة الى مبنى رئاسة الوزراء التي استقبلت وفدا يمثل المتظاهرين وتسلم عريضة بمطالبهم ، وأعلن مكتب رئيس الوزراء عن تفهمه للشعور الشعبي الذي يعبر عن ضمير هذا الشعب الذي طالما كان وقيادته مع أمته .
وكان مهرجان " لبيك ياغزة " الذي عقد عصر الجمعة في الاستاد الرئيس لمدينة الحسين للشباب هو الأكبر تجمعا وتنظيما ، وساهمت قوات الأمن بتنظيم الدخول والخروج وتسيير حركة المركبات في الشوارع التي غصت بالجماهير ، وعبرت كافة شرائح المجتمع الاردني ومنظمات المجتمع واحزابه عن تكاتفهم مع الأهل في غزة ، والتفافهم حول القيادة الهاشمية في التصدي للعدوان ومساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق الاستقرار والأمن والحياة الكريمة على أرض دولته المستقلة .
وهذا الموقف المبكر والاستباقي لجلالة الملك لم يتوقف عند الناحية السياسية فقط بل قاد جلالته تحركا شعبيا وطنيا لضرب الأمثلة في التضحية حيث فتح باب التبرع بالدم للأشقاء في غزة من خلال تبرعه الشخصي للدم حيث تتالت وحدات الدم التي تبرع فيها جميع قطاعات وشرائح المجتمع الاردني لتقديمها عبر القوافل التي تتابعت الى غزة المكلومة منذ اليوم الثالث للعدوان .
كما أعلن جلالته عن تجهيز مستشفى عسكري مكون من طاقم طبي متخصص يتضمن كوادر طبية تبلغ 40 طبيبا وممرضا وهو جاهز للتحرك الى أي نقطة قرب قطاع غزة لاسعاف ومداواة الجرحى هناك.
وانطلاقا من ثوابت الاردن في وقوفها مع الشعب الفلسطيني لتمكينه من الصمود على تراب وطنه فقد أوعز جلالة الملك بتسيير قوافل المساعدات الانسانية الى الأهل في غزة هاشم استمرارا للقوافل التي سارت خلال الأشهر والسنوات الماضية الى هناك
.. ومن لحظتها أعلنت الهيئة الخيرية الهاشمية عن كامل جاهزيتها لتوجيه قوافل المساعدات المساندة للأهل في غزة ، وكانت أول قافلة أردنية تألفت من ثلاثة عشر شاحنة وصلت الى غزة في اليوم الثالث للعدوان ، محملة بمئة وخمسين طنا من الأغذية واللوازم الطبية وجميع المستلزمات التي يحتاجها المواطنين الفلسطينيين هناك .
وتبعتها قافلة أخرى وصلت يوم الاربعاء الماضي وتكونت من عشر شاحنات تحمل مئة وخمس وثلاثين طنا من الاغذية والمستلزمات الطبية وألف وحدة دم ووحدات بلازما من مختلف الزمر .
ويوم أمس السبت توجهت أيضا عشر شاحنات تحمل نفس الكميات والمواد لإيصالها للقطاع في الوقت الذي ننتظر ان يتحرك نفس العدد يوم غد الاحد تنقل المساعدات العاجلة والدم الذي لا يزال الاردنيون يتبرعون به دعما .
واليوم عبرت جسر الملك حسين قافلة أخرى تحمل 135 طنا من المعونات الطبية والغذائية وما يحتاجه سكان القطاع من مستلزمات تم تجهيزها من قبل الهيئة الخيرية الهاشمية .. وهذا تأكيدا على نصرة الأهل ، وترجمة فعلية على قول الرسول الكريم عليه السلام { من جهز غازيا فقد غزا } ، وليس الأمر بالمعنى العسكري الذي يفهمه البعض بل هو نصرة ودعم صمود للعائلات التي تقدم أبناءها شهداء دفاعا عن صمودهم وكرامة عيشهم .
وحينما يقود الملك هذه الهبة الشعبية والنصرة الأردنية للشعب الفلسطيني في غزة يظهر مدى التلاحم الشعبي مع قيادته التي نذرت نفسها لرعاية الشعب الأردني والقضية الفلسطينية وأهلها ، إذ بلغت التبرعات النقدية التي حصدها " التيلثون" الرسمي حوالي خمسة ملايين دينار في يوم واحد ، فضلا عن 850 الف دينار حصيلة التبرعات التي أعلنها مجمع النقابات المهنية في حملة المليون ، فضلا عن التبرع بثلاث سيارات إسعاف إضافة الى ما قدمته المستشفيات الخاصة من دعم أهلنا في القطاع الجريح .
ولأن الحسابات السياسية لا تضطر الى محاكاة الحسابات الشعبية والتنظيرية ، فإن الأردن استغل العلاقات الديبلوماسية المتوترة مع إسرائيل لإيصال المساعدات لقطاع غزة ، وفتح جسر مباشر لنقل الدم والمعونات الطبية والغذائية ، في ظل محاصرة القطاع من كافة الجهات ، وتحكم المعابر بمن ينقل وما يـُنقل .
ولولا الاستمرار في ضبط النفس ، والتحرك الذي قاده جلالته على الصعيد السياسي ، واتصالاته مع قادة الدول الغربية التي ترتبط مع تل أبيب بعلاقات متينة ، ما كان كل ذلك الدعم يصل الى أهلنا في غزة ليدعم صمودهم ، وها هي الطائرات التي تنقل المساعدات من شتى الدول ، بدأت تحط في المطارات الأردنية بعد أسبوع من بدء الجسر الأردني بين عمان وغزة الذي حمل كل ما يحتاجه القطاع وأهله ، وتلك الطائرات ما كانت لتصل الى الأردن لولا الانضباطية التي آلت الحكومة الأردنية الركون أليها رغم المظاهرات المطالبة بقطع العلاقات الديبلوماسية مع تل أبيب والتي لو فعلتها لساء الوضع في غزة أكثر على المستوى الإنساني ، ولكنها حكمة السياسة ، وعلاج الموقف ، فالخيار المرّ لا بد منه في ظل الحاجة الماسة إليه .
إن جلالة الملك وهو يعلمنا دروسا في التضحية والإيثار ، ويتجاوز عقم التصريحات والحروب الإعلامية السياسية ، ويفتح الأبواب على مصاريعها لهذا الشعب الواحد لأن يعبروا عن رفضهم وإدانتهم لذلك العدوان الغاشم الذي خرق كل المواثيق ، وأثبت تراجع الخيار الإسرائيلي عن مرحلة السلام الى مرحلة الحرب ضد السلام ، ليدفعنا إلى الافتخار بهذا الوطن ومنجزاته ، ومواقفه الوطنية و العربية والقومية التي استمدت مبادئها من ركائز الثورة العربية الكبرى التي رفضت الوصاية على الشعوب العربية من أي محتل أو معتل أو عدو طامع .
وما وقوف المؤسسة الحكومية مع الخيار الشعبي تماشيا مع توجيهات جلالة الملك ، وانسياب طوفان المتظاهرين والمنددين بالعدوان ، والمناصرين للشعب الصامد على أرضه إلا دافع لنا جميعا أن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا في التصدي لأي مؤثرات خارجية ، أو أصوات ناشزة ، أو غايات حاقدة لا تهدف سوى الى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة ومن ضمنها هذا البلد الآمن المستقر .
ولنقف صفا واحدا ضد الأخطار المحدقة بنا ، ولنحافظ على منجزاتنا ، وممتلكاتنا العامة ، وحقوق الآخرين المادية والمعنوية ، ولنتذكر إن قواتنا الأمنية ما كانت إلا لتحمي الوطن والمواطن ، والمعاهدات التي أبرمتها المملكة مع غيرها من الدول تقع عليها مسؤولية الوفاء بالعهود ، كيف لا وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } ـ الإسراء ـ
وليس عاقل ولا عادل من ينكر الموقف الأردني الذي قادة جلالة الملك ، في زمن لم يعد أحد أن يحارب فيه ، ومن يسقط في أتون النار لا أحد يلتفت له ، ولا يناصره ، والتاريخ المعاصر يشهد ، لذا لنعود إلى الدعوة للجميع بأن نستغل هذا المناخ الديمقراطي وهذه الفترة التي استطعنا ان نلفت أنظار العالم بأجمعه إلى ما يجري في غزة ، وأن يكون استغلالنا هادفا وعقلانيا ، وان لا ننقل دعوات الأعداء إلى ظهرانينا ، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى وحدة الصف ، وتكاتف الجهود ، والتركيز على هدف واحد هو نصرة أهلنا في غزة ، وفلسطين ، والتصدي للعدوان الغاشم من خلال دعم الأهل بما يحتاجونه ، وعدم تمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها في تقطيع أوصال الداخل الفلسطيني من خلال تقاتل وتنابز الأشقاء ، وان لا ننسى الدعاء لأهلنا بالتثبيت ، ولوطننا الأردني الأبي ولقائده بالخير والتأييد من الله .
.gif)
.gif)