اكتشفت منذ زمن مدى حقيقة وصدق وواقعية تعبير “الشويتين بتوعه”، كناية عن مجموعة الأشياء والأفكار والأحلام والتصرفات - والألفاظ حتى – التي يتدثر بها كلٌ منـّا من برد الحياة، أمام نفسه وأمام الآخرين. الشويات التي تصبره على كل المشاريع والأفكار المؤجلة، والتي يقول بها للجميع: “أنا فلان، أنا هنا”.
عرفت أن لكل منا حقاً “شويتين بتوعه”، لا يعبرون بالضرورة أو بالكامل عن باقي (الشـُويّات) بداخله.
عرفت وعاشرت الكثيرين، كباراً وصغاراً، مبدعين وبسطاء وطيبين وأشرار ومدّعين لكل شيء، وعلى كل لون عرفت. لم أر استثناءاً، لم أر أحدهم قادر على العيش خارج (شويتينه) إلا في اللحظات الأصدق، اللحظات النادرة جداً، حتى مع نفسه قد لا يعيش تلك اللحظات إلا في الأوقات الأندر حيث التجليات. لم أر حتى من يجتهد في فعل هذا إلا نادراً، وهؤلاء الذين يفعلون هم الأكثر احتراما واتساقاً في نظري. ولقد كان ممتعاً أن أرى نفسي والآخرين حيث نتفنن في إقحام الشويتين بتوعنا في كل الأحاديث والمواقف والمشاريع والعلاقات، حيث توزيع الأدوار وترتيب المصالح.
ورأيتنا أيضاً في لحظات الضيق بـ (شُوياتنا) و(شُويات) الآخرين، وفي لحظات الثورة على كل تلك الشويات، ولكن سرعان ما نعود. أدركت مدى صعوبة تطوير (الشويتين بتوعنا) وتعميقها وإكسابها حياة، في ظل حياة كالتي نعيشها في المدينة. حيث نبدل الأقنعة على وجوهنا وعلى مدار اليوم بمنتهى الميكانيكية والرضا وربما الحب؛ حب الأقنعة.
المؤسف أن بعض تلك (الشُويات)، تولد حقيقية وبريئة ومخلصة، ومع الوقت نُحوّلها نحن من بريئة مبتدءة، إلى محترفة متلونة لا نعنيها بالضرورة. ويكون الأمر في أسوأ حالاته عندما يتعلق بالإبداع أو بالحب، ففي التجارة مثلاً لا أجد فيه غضاضة وربما كذلك الأمر في أماكن عملنا؛ حيث لا يسعك أن تكون نفسك فعلاً طول الوقت، ولا حتى لبعضه، وإلا فلتتحمل يا رفيق.
والأكيد أنه يستحيل علينا العيش دون تلك (الشُويات)، بل إنني لا أتصور بعض الناس بدون شوياتهم بكل ما فيها، حيث عرفتهم وأحببتهم بشوياتهم وتصالحت معها مثلما تصالحوا هم مع شوياتي. لكن المشكلة الحقيقية أن قدرتنا على تعميق شوياتنا وتحريرها وإكسابها حياة، تقل مع الوقت وتطور العمر وزيادة المسئوليات والتراكمات النفسية، مع الاحتفاظ في نفس الوقت بأداء حياتي مستقر وثابت ومسالم. وهي الحقيقة الإنسانية المفجعة بكل أسف.
فليمنحنا الله صفاءً وصدقاً، ويقوينا على نفوسنا، وليمنح شُويـّاتنا تجدداً وحياة.