بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ...
اختلف أهل العلم في وجود رسل من الجن أم لا ؟ على قولين أو أكثر كما تراه مفصلاً في كتب التفاسير ، والذي أراه أقرب للصواب وجود ذلك ، والبرهان على هذا من عدة أمور :
أولها : أن الله سبحانه وتعالى قال : ( يامعشر الجن والإنس ألم يأتِكُم رُسَلٌ منكم يقصونَ عليكم ءايتي ) [الأنعام :130]، فهذه الآية يقتضي ظاهرها أن منهم رسل ، بدلالة قوله تعالى : (منكم) وإلى هذا ذهب ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ومقاتل والضحاك بن مزاحم ، ولا يجوز صرف الآية عن ظاهرها إلا ببرهان .
وهذا لا يَمنعُ كونهم تبعاً لرسلٍ من بني آدم في أكثر الأحيان ؛ لما ثبت من كونهم من امة محمد صلى الله عليه وسلم (1) ، ولِما قصه الله علينا من القول الجن : ( ياقومنآ إنا سَمِعنا كِتَاباً انزل من بعدِ موسى ) [الأحقاف : 29] .
وثاني تلك البراهين : أن الله أخبرنا بأن الجن مكلفون (2) ولم يحدد ربنا وقت تكليفهم بخلقِ بني آدم فصح بعموم النص أنهم مكلفون مذ خلقوا ، وصح بالنص بأن الله لا يترك المكلفين هملاً دون أن يبين لهم ما يتقون (3) ، وصح بالنص أن الرسل هم واسطة الله إلى المكلفين (4) ، فصح بهذا أن الجن َ قبل خلق آدم مكلفون مبلغون شرع ربهم .
البرهان الثالث على أنه قد كان في الجن رسلاً منهم : ما قصه الله علينا من قول الملائكة عليهم السلام : (أتجعلُ فيها من يُفُسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّمَآءَ ) [لبقرة : 29] ، ففي هذا إلماحٌ إلى تكليفٍ ورسالةٍ على وجه الأرض قبل خلق بني آدم .
قلت : وقد رجح أن في الجن رسلاً إمام الدنيا الشيخ الجليل ابن حزم ـ رحمه الله ـ في موسوعته الخالدة " الفصل " باب " الكلام في تعبد الملائكة " (3/ 259 ـ 264 ـ دار المعرفة ) ، وكذا في سفره الجليل " المحلى " (7/ 493 ـ 494).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أما كونه مبعوث إلى عامة الجن فقد قال تعلى : حكاية عن قول الجن : ( ياقومنا أجيبوا داعي الله ) وقال تعالى : (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فامنا به ) إلى قوله : ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأوْلئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً ) وقال تعالى : ( ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) .
(2) قال تعالى : ( وما خلقتُ الجن والإنس إلاَّ ليغبدون ) .
(3) قال تعالى : ( ومآ أرسلنا من رسولٍ إلا بلسانِ قومهِ لِيَبَينَ لهم فيضِلُّ اللهُ من يَشَآءُ وَيَهْدِي من يَشَآءُ وَهُوَ العزِيزُ الحكِيم) .
(4) قال تعالى : ( رسلاً مبشرينَ ومُنذرينَ لِئلا يكونَ للناسِ على الله حُجة بعد الرسلِ وكان الله عزيزاً حكيماً ) .
:3mzeh:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ...
اختلف أهل العلم في وجود رسل من الجن أم لا ؟ على قولين أو أكثر كما تراه مفصلاً في كتب التفاسير ، والذي أراه أقرب للصواب وجود ذلك ، والبرهان على هذا من عدة أمور :
أولها : أن الله سبحانه وتعالى قال : ( يامعشر الجن والإنس ألم يأتِكُم رُسَلٌ منكم يقصونَ عليكم ءايتي ) [الأنعام :130]، فهذه الآية يقتضي ظاهرها أن منهم رسل ، بدلالة قوله تعالى : (منكم) وإلى هذا ذهب ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ومقاتل والضحاك بن مزاحم ، ولا يجوز صرف الآية عن ظاهرها إلا ببرهان .
وهذا لا يَمنعُ كونهم تبعاً لرسلٍ من بني آدم في أكثر الأحيان ؛ لما ثبت من كونهم من امة محمد صلى الله عليه وسلم (1) ، ولِما قصه الله علينا من القول الجن : ( ياقومنآ إنا سَمِعنا كِتَاباً انزل من بعدِ موسى ) [الأحقاف : 29] .
وثاني تلك البراهين : أن الله أخبرنا بأن الجن مكلفون (2) ولم يحدد ربنا وقت تكليفهم بخلقِ بني آدم فصح بعموم النص أنهم مكلفون مذ خلقوا ، وصح بالنص بأن الله لا يترك المكلفين هملاً دون أن يبين لهم ما يتقون (3) ، وصح بالنص أن الرسل هم واسطة الله إلى المكلفين (4) ، فصح بهذا أن الجن َ قبل خلق آدم مكلفون مبلغون شرع ربهم .
البرهان الثالث على أنه قد كان في الجن رسلاً منهم : ما قصه الله علينا من قول الملائكة عليهم السلام : (أتجعلُ فيها من يُفُسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّمَآءَ ) [لبقرة : 29] ، ففي هذا إلماحٌ إلى تكليفٍ ورسالةٍ على وجه الأرض قبل خلق بني آدم .
قلت : وقد رجح أن في الجن رسلاً إمام الدنيا الشيخ الجليل ابن حزم ـ رحمه الله ـ في موسوعته الخالدة " الفصل " باب " الكلام في تعبد الملائكة " (3/ 259 ـ 264 ـ دار المعرفة ) ، وكذا في سفره الجليل " المحلى " (7/ 493 ـ 494).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أما كونه مبعوث إلى عامة الجن فقد قال تعلى : حكاية عن قول الجن : ( ياقومنا أجيبوا داعي الله ) وقال تعالى : (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فامنا به ) إلى قوله : ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأوْلئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً ) وقال تعالى : ( ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) .
(2) قال تعالى : ( وما خلقتُ الجن والإنس إلاَّ ليغبدون ) .
(3) قال تعالى : ( ومآ أرسلنا من رسولٍ إلا بلسانِ قومهِ لِيَبَينَ لهم فيضِلُّ اللهُ من يَشَآءُ وَيَهْدِي من يَشَآءُ وَهُوَ العزِيزُ الحكِيم) .
(4) قال تعالى : ( رسلاً مبشرينَ ومُنذرينَ لِئلا يكونَ للناسِ على الله حُجة بعد الرسلِ وكان الله عزيزاً حكيماً ) .
:3mzeh: