نشاطها يمتد من دبي إلى باريس مروراً بطوكيو واسبانيا..
عصابة الفهود الوردية ترعب العالم
• بوتيك هارفي وينستون
باريس – دورين كارفاجال (هيرالد تريبيون):
كان توقيتهم دقيقاً مثل ساعة توربيلون الفاخرة التي يعني اسمها العاصفة.
وبعد اختفاء لصوص الماس الذين تنكروا بلبس باروكات نسائية، بدأ يتساءل المحققون في عدة قارات حول مصير اكثر من مائة مليون يورو قيمة سرقات المجوهرات التي نهبت عن طريق عمليات سرقة خلال السنوات الاربع الماضية، وعما إذ كان من يطلق عليهم اسم الفهود الوردية، قد اقدموا على تنفيذ ضربة اخرى.
وقد بدأت العاصفة في فترة الاغلاق وهي لحظة مفضلة بالنسبة للصوص الماس لتنفيذ ضرباتهم. واثناء مرور الثواني الاخيرة وقف اربعة رجال، ثلاثة منهم يرتدون ثياباً نسائية بشعر اشقر ونظارات شمسية، وايشاربات شتوية، امام الانتركوم وطلبوا برقة السماح لهم بالدخول إلى محل هاري وينستون الفاخر للمجوهرات في افنيو مونتاين. وكان مساء شديد البرودة يقع ضمن المثلث الذهبي الذي يضم بعض البوتيكات، ومن بينها ديور، وشانيل وغوتشي والواجهات الفخمة والاشجار المزينة باضاءات اعياد الميلاد.
وعن السماح لهم بالدخول دفع الرجال امامهم حقيبة صغيرة على عجلات داخل المحل وبعدها اخرجوا قنبلة يدوية ومسدس طراز ماغنوم 357 . وبينما كان الباريسيون يمرون قرب المحل دون ان يلحظوا ما يدور فيه، كان اللصوص يحطمون خزائن العرض الزجاجية، ويطلقون صيحات الاوامر وبعض اسماء موظفي هاري وينستون وكانوا يتحدثون الفرنسية بلكنة سلاية واضحة.
ولم يكن هنالك وقت امام ضباط الشرطة في مركز الشرطة القريب من هذه المنطقة الراقية للاسراع بالحضور الى المكان. ففي اقل من 15 دقيقة كان لصوص المال قد غادروا منطلقين بسيارة كانت في انتظارهم في وقت الغسق عند الساعة الخامسة والنصف مساء وهم يحملون اكياساً مملوءة بالزمرد والياقوت وقطع الماس الكبيرة بحجم بيضة طائر صغير الحجم. وكانت قيمة الجميع تصل الى اكثر من 80 مليون يورو.
وقد لا يكون هؤلاء اللصوص من لصوص المجوهرات الراقين غير ان تخطيطهم الدقيق وتنفيذهم السريع واسلوبهم الخلاق اثار بسرعة الشبهات بأن عملية سرقة محل هاري وينستون كانت من فعل شبكة دولية فضفاضة من الجنود الذين عركتهم الحروب، واقربائهم من جمهورية يوغسلافيا السابقة.
وبدأ المحققون ينظرون بدهشة لذكاء العصابة ودهائها، واطلقوا على تلك الشبكة غير المعروفة اسم الفهود الوردية والتشابه فيما بين فيلم الفهد الوردي والواقع ربما يمكن تلخيصه بصورة افضل في اللكنة الركيكة وغمغمات عبارات المفتش كلوزو نفسه في الفيلم الاصلي الذي عرض في عام 1963.
وافراد جماعة الفهود الوردية الذين تظهر صورهم في ملفات البوليس الدولي الانتربول قدموا من نيس في جنوب صربيا، وقد ظلوا يتجولون في عواصم العالم الفاخرة منذ عام 2003 على الاقل وذلك في مهمات استطلاعية لما يطل عليه الخبراء في هذا المجال لـ «الاهداف الضعيفة».
ويقول محامو بعض اللصوص ممن جرى اعتقالهم ان عضوية الفهود الوردية هي من اختراع سلطات الشرطة التي تحب الاعمال الدرامية السينمائية، غير ان المحققين يقولون الى هنالك حوالي 200 عضو في هذه العصابة وبينهم صلة قرابة وانتماء لقرية، وان الفهود الوردية نهبوا مجوهرات تربو قيمتها على 130 مليون دولار من الياقوت الاحمر في دبي وسويسرا واليابان وفرنسا والمانيا ولوكسمبورغ واسبانيا وموناكو.
وينتشر اعضاء المجموعة في كل انحاء اوروبا حتى ان بعضهم يعمل في وظائف متواضعة كعمال نظافة في المستشفيات كما ان قيادة هذه المجموعة فضفاضة ولا تخضع لهيكل معين.
وحين يحشرون في الزاوية فانهم يقاتلون بشراسة، فقد تمكن احدهم من الفرار من احد السجون الفرنسية عام 2005 من خلال التزحلق على احد السلالم في الوقت الذي تولى اعضاء آخرين قتل احد الحراس الذي كان في طريقه.
ويوازن المحققون الفرنسيون بين كل الاحتمالات، بما في ذلك العودة الفعلية عودة الفهود الوردية وبالطبع هناك افتراض بان هذه المجموعة تقف وراء العملية لكن لا شيء مؤكدا حتى الان، كما تقول ايزابيل موبتاغني الناطقة باسم المدعي العام في باريس، لقد كانت هذه ثاني اكبر عملية سرقة يتعرض لها المحل ذاته في العام المنصرم، وقالت «ان كل الاحتمالات واردة».
والذي اكد شكوكهم هو حقيقة ان المجموعة نشرت اعلانا مبوبا في فرنسا في احدى الصحف الباريسية المحلية (لاباريسيان) وليس في احدى الصحف الكبرى مثل لوموند، فالصحيفة تصل الى يد الطبقة العاملة في الضواحي حيث يعيش عدد كبير من اللصوص المحترفين او ان لهم عائلات تعيش هناك.
ويقبع في السجون الفرنسية مواطنان صربيان اعتبرهما الادعاء العام اعضاء سابقين في الفهود الوردية وسبق ان تورطا في سرقات بقيمة 7،5 ملايين يورو من محلات مجوهرات من تروبيز وكان وبيارتيز الواقعة كلها في الريفيرا الفرنسية.
فقبل يوم واحد من وقوع سرقة هاري وينستون حكمت المحكمة على الرجلين بوبان ستوجيكوفتيش وغوران درازتيش بالسجن لست سنوات وعشر سنوات، على التوالي. وحكم على الرجل الذي فرّ من السجن واسمه دراغان ميكتش غيابيا، بالسجن لمدة 15 عاما.
ان الدقة والتحفظ والتنفيذ في هذه العملية هو الذي دفع المحققين إلى الاعتقاد بأن مجموعة «الفهود الوردية» تقف وراءها، لانها بدت وكأنها مستوحاة من الفيلم «عودة النمر الوردي».
وبالمقارنة مع عمليات سرقة أخرى نفذتها المجموعة من قبل، فقد كانت هذه العملية ذكية ورشيقة على الرغم من وجود بعض العنف كضرب بعض العمال على الرأس.
واتهم بعض اعضاء المجموعة الملثمين في العام الماضي باقتحام احد محال المجوهرات في دبي بسيارتي أودي فاخرتين وسرقوا كمية من الماس تقدر قيمتها بـ 3،4 ملايين دولار وفروا باستخدام السيارتين في وضح النهار، ثم قاموا لاحقا، بإحراق السيارتين ومحوا كل معالمهما.
وتمكن اعضاء في عصابة «النمور الوردية» يرتدون الملابس الفاخرة من سرقة أحد محال المجوهرات في طوكيو خلال ثلاث دقائق عام 2004. وكان من ضمن المسروقات عقد يزن 125 قيراطاً يتألف من 116 قطعة ألماس وتزيد قيمته على 31،5 مليون دولار. واعتقل بعض المشتبه بهم ومثلوا امام المحكمة في صربيا بموجب اتفاق تبادل المجرمين بين البلدين، لكنهم ــ كما في الحالات الأخرى ــ انكروا أي معرفة لهم بمصير هذه المجوهرات.
وفي لندن، نزلت مجموعة من الاشخاص من سيارة بنتلي كونتننتال يقودها سائق العام الماضي، وسطت على محل مجوهرات في حي ماي فير.
وأحيانا يوائم أفراد هذه العصابة بين الوحشية والبراعة في عملياتهم، ففي مدينة بيارتيز على سبيل المثال، قاموا بصبغ مقعد أمام محل للمجوهرات لردع المشاة من الجلوس أمام المحل ليتسنى لهم السطو عليه.
وعلى الرغم من وجود أكثر من 400 كاميرا للمراقبة في ساحات الكازينوهات في مونت كارلو، حيث تقع المحال الفاخرة بما في ذلك كارتييه وهيرمز ولويس فيتون، فقد تمكن اللصوص في صيف 2007 فقط من اقتحام عدد من هذه المحال والسطو عليها، مما دفع الإمارة إلى طلب عقد مؤتمر دولي للمحققين للبحث في هذا الموضوع.
وبالفعل انعقد المؤتمر بعد شهر واحد في مقر الانتربول في مدينة ليون. ويشرف الانتربول على «مشروع النمور الوردية» من أجل تبادل المعلومات والتنسيق في ما يتعلق بهذه العصابة.
وكجزء من هذا المجهود، بدأ الانتربول بتداول اسماء وصور اعضاء «النمور الوردية» فيما يُعرف بـ«القائمة الحمراء» للمجرمين الفارين، وكان احدهم هو داسكو بروزنان (30 عاما) الذي يجيد اللغتين الانكليزية والروسية بطلاقة، اضافة الى لغة «بيهاك» المحلية في البوسنة والهرسك، وهو متهم بالتورط في عملية السرقة في دبي.
وكان بروزنان قد توجه برا الى موناكو في شهر اكتوبر الماضي برفقة رجل آخر بسيارة اودي مستأجرة. وذهب مباشرة الى منطقة الكازينوهات، وفقا لرواية الشرطة، وكان يعبر الشارع هناك حين صدمته سيارة اخرى.
في البداية، رفض ادخاله الى المستشفى للعلاج، ولكن بعد ادخاله واتصال الشرطة للتحري عن هويته تبين انه دخل البلاد هو وصديقه بجوازي سفر مزورين، لكنهما اصرا انهما جاءا من اجل السياحة فحسب، لكن كاميرات المراقبة اظهرت انهما كانا في منطقة محلات الذهب وليس التسوق من اجل اعياد الميلاد كما زعما.
ومع ذلك، فإن تفاصيل صغيرة هي التي قادت احيانا، الى سقوط اللصوص، كما حدث مع بروزنان وصديقه في موناكو هذه المرة.
وفي دبي تمكن المحققون من الحصول على ادلة عن طريق الحامض النووي من سيارات الاودي المؤجرتين اللتين اضرمت فيهما النيران، كما عثروا على رقم هاتف نقال في عقد التأجير.
وادى بهم ذلك للوصول الى بوجانا ميتيش البالغة من العمر 27 عاما، وهي من سكان مدينة نيس، وقاد رقم هاتفها المحققين الى ستة مشتبهين آخرين.
وعند اعتقالهم، انكر بعضهم كل شيء بما في ذلك ما يبدو أنه صورهم في صور السرقة في محل المجوهرات، بينما تحدث آخرون مثل بويان ستكوجيكوفيتش بالتفصيل للمحققين.
وقال ستكوجيكوفيتش الذي صدر عليه الحكم في اليوم السابق لعملية سرقة محل هاري وينستون في باريس «لا اطلب شفقتكم لأنني ادرك ان عليّ دفع ثمن تلك الجرائم، ولكن اتركوا لي بابا مفتوحا لاستعادة حياتي».
العصابة .. اختراع الشرطة
وقال محامي ستكو جيكوفيتش انه جندي سابق من جمهورية يوغسلافيا السابقة، واضاف المحامي ايمانويل اوفيرجين ــ راي انه ارتكب عمليات نهب باقل قدر من العنف وانه ليس عضواً في جماعة النمور الوردية التي قال انها من اختراع الشرطة. وقال «انني اجده شخصاً مهذباً ومؤدباً للغاية ولطيفاً».
واذا كان بذلك الذكاء. كيف تحول الى رجل عصابات؟ رد على ذلك المحامي بالقول «اسمحوا لي ان اقول امراً ما انه ليس بالضرورة ان تكون غبياً لكي تتصرف كشخص غبي».
وعلى الرغم من انه اعتقل قبل عملية باريس الا ان ستكو جيكوفيتش قدم وصفاً لاسلوب عمل عصابته مما قد يعني المحققين.
وكشف النقاب من ان جماعته تراقب بدقة الهدف لفترة تمتد لعشرة ايام قبل تسديد الضربة. وقد تكون هذه المراقبة الدقيقة قد قادت الى ارتداء الباروكات في عملية هاري وينستون، فالنساء عندما ينظر اليهن عبر كاميرا المراقبة يبدون اقل خطورة بالنسبة للعاملين القلقين. كما ان هذا الامر يكشف عن كيفية معرفة اللصوص لبعض اسماء الموظفين وان اعضاء آخرين في الفريق قد يكونون زاروا المحل مرات كافية للنظر في الهويات وفق قول السلطات.
وقال توم اونيل رئيس هاري وينستون الذي كان في باريس الخميس الماضي: «اننا نعمل من اجل اعادة فتح المحل في اقرب وقت ممكن ونحن نقدر عمل السلطات وشركة التأمين في هذا الوضع المؤسف».
والسلطات التي تحقق في عملية الرابع من ديسمبر ستعيد النظر في عملية النهب التي وقعت في افنيو مونتاين ذاته قبل عام مضى وهي جريمة يشعر المرء الآن انها تافهة، حيث تم نهب مجوهرات بقيمة 10 ملايين يورو.