حدثتني نفسي الأمارة بالسوء ـ وغالبا ما تحدثني ـ وطلبت مني أن أعمل عملا من أعمال الدبلوماسية أو مغامرة أسعى من خلالها إلى تحقيق طموحاتي .. وعندما سألت نفسي عن أفضل الأعمال التي يجب أن أقوم بها . قالت نفسي العاقلة الحكيمة : بمناسبة قرب سحب القوات الاميركية من العراق وافغانستان.. إذهب يا أخي وتقابل مع أحد المسئولين في السفارة الأمريكية واتفق معهم على ما تريد وما يريدون .. أو اذهب بنفسك لأمريكا العظمى حاملا لها باقة ورد حيث تواسيها على ما قام به بعض الإرهابيين الأشرار منذ سنوات عندما دمروا في سبتمبر الشهير بنايتين أمريكيتين عزيزتين على نفوسنا جميعا وقد ترتب على هذا التفجير قتل المئات من الأمريكان الأبرياء .. ، ولذلك ومن باب تخليد ذكرى القتلى الأمريكان ومد جسور التواصل مع أهل أمريكا العظمى قالت لي نفسي وهي تتخابث : إذهب وضع باقة ورد على أطلال البنايتين الأمريكيتين كي تترحم على أموات الأمريكان ولعل أرواح القتلى تستريح عندما ترى هذه الورود الداعية للسلام ..كما قد تستريح السفارة الأمريكية بل والخارجية الأمريكية كلها وتحمد لك هذا الصنيع ..وامتثالا لأوامر النفس ذهبت إلى عم دسوقي بائع الورد الذي يجلس على ناصية شارعنا حيث اشتريت منه أكبر باقة ورد في تاريخ البشرية وذهبت إلى شركة السياحة لحجز أول مقعد في أول طائرة متجهة إلى أمريكا العظمى وعلى الطائرة جلست أنتظر اللحظة الحاسمة .. تلك اللحظة التي سأضع فيها باقة الورد في مكانها المناسب .. ويبدو أن الطائرة ضلت الطريق إذ هبطت بي في مكان ما وإذا بي أمام شاهد قبر كُتِب عليه ((هنا يرقد جثمان الهنود الحمر حيث قامت زعيمة الشر المسماه فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية بإبادة ملايين الهنود الحمر ـ يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون ـ وهم أهل أمريكا الأصليين ، وقد قامت الحكومة الأمريكية الرشيدة المحبة للسلام ـ منذ نشأتها ـ بإصدار قرار بتقديم مكافأة مجزية مقدارها 40 جنيها مقابل كل فروة مسلوخة من رأس كل هندي أحمر ، وبعد خمسة عشر عاما ارتفعت المكافأة إلى مائة جنيه لفروة رأس الرجل الهندي وخمسين فقط مقابل فروة رأس المرأة الهندية أو رأس الطفل !! ثم أصدرت بعد ذلك قانونًا بطرد الهنود من مستوطناتهم إلى غرب أمريكا وذلك لإعطاء أراضيهم للمهاجرين الأوروبيين الطيبين المحبين للسلام ، وعرفت هذه الرحلة تاريخيًا برحلة الدموع ،،،وتتويجا لنشر السلام قام قائد أمريكي يحمل قلبا ناصع البياض برمي بطانيات ـ كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري ـ إلى الهنود الحمر بهدف نشر المرض بينهم فكان أن انتشر الوباء ...وفي أكبر جريمة جرثومية في التاريخ تم فناء وإفناء السكان الأصليين في القارة الأمريكية )) ما أن قرأت شاهد قبر الهنود حتى سارعت بوضع عشر وردات على القبر وترحمت عليهم وتمنيت ألا ينال العرب هذا المصير الأليم ،،، عدت إلى الطائرة بباقي الورد الذي كنت أحمله وبعد فترة هبطت طائرتي في مكان ما وبعد أن خرجت أستطلع الحال وجدت شاهدا لقبر كُتِب عليه (( هنا قبر المواطن الياباني المسكين الذي بطشت به يد الأمريكان البشعة الدموية ففي ليلة من ليالي الحرب العالمية الثانية، دمرت طائرات السلام الأمريكية ما مساحته نصف مدينة طوكيو حيث قامت ببرود شيطاني بإسقاط القنابل الحارقة فقتلت مائة ألف شخص في يوم واحد وشردت أكثر من مليون نسمة وقد أورد أحد الجنرالات الأمريكان الكبار الخبر لقادته وهو يضحك مبتهجا حيث قال لهم : لقد تم حرق الرجال والنساء والأطفال اليابانيين ثم تم غليهم وخبزهم حتى الموت وكانت الحرارة شديدة جدًا حتى إن الماء وصل في القنوات إلى درجة الغليان وذابت الهياكل المعدنية وتفجر الناس في ألسنة من اللهب ( ثم التهم القائد الأمريكي سندوتش هامبورجر مع زجاجة كولا نخب السلام العالمي)... إلا أن هذا لم يكن كافيا لتسعد أمريكا المحبة للسلام فقد قامت بإلقاء قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي مما أدي إلى موت وتشويه الملايين وقال بعدها الرئيس الأمريكي هاري ترومان وهو يشرب قدح القهوة المغموس في دماء الأطفال : العالم الآن في متناول أيدينا. )) الحقيقة لم أستطع مغادرة هذا القبر الياباني إلا بعد أن وضعت عليه عشر وردات وترحمت على روح الأطفال والنساء والرجال من أهل اليابان ... وللمرة الثانية عدت بباقي الورد إلى طائرتي التي حملتني ثم هبطت بي في مكان ما وعندما خرجت من الطائرة وجدت نصبا تذكاريا كُتِب عليه (( هنا قبر من هلك على يد الأمريكان من الكوريين والفيتناميين والصينيين والكمبوديين حيث ذبحت الولايات المتحدة في تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي وكمبودي، وقد سببت حرب فيتنام وحدها مقتل 160 ألف شخص وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص واغتصاب 31 ألف امرأة ونُزعت أحشاء الآلاف من البشر وهم أحياء وأحرق الآلاف حتى الموت وهوجمت مئات القرى بالمواد الكيماوية السامة وقد أدى القصف الأمريكي "لهانوي" في فترة أعياد الميلادمنذ مايزيد عن أربعين عاما إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم وقتل الجيش الأمريكي المدرب في "جواتيمالا" أكثر من 150 ألف فلاح والغريب أن هذه الجريمة حدثت في غضون عام 1985 وكان العالم وقتها سكتم بكتم . )) وبأريحية مصرية وضعت عشر وردات على هذا القبر المضمخ بدماء الجنس الأصفر ثم عدت وقد اعتراني الملل إلى الطائرة التي يبدو أنها حلفت ستين يمينا ألا تذهب لأمريكا العظمى مباشرة إلا بعد أن تجوب مقابر العالم كله ، وبعد هنيهة هبطت بي في مكان ما حيث وجدت نصبا تذكاريا مكتوبا عليه (( هنا هلك من هلك من آلاف البشر من الصوماليين على يد الولايات المتحدة ثم هلك من هلك من آلاف الأفغان الغلابة على يد الكاوبوي الأمريكي ، ثم هلك من هلك من ملايين البشر العراقيين من الأطفال والنساء والرجال والعجائز على يد مبعوث الرحمة الأمريكاني الذي جاء لينشر السلام .. هنا يرقد أسرى جوانتناموا وسجون أبو غريب ، هنا العراق المحتل حيث ارتكب الأمريكان المجازر البشعة
للأمانة منقول من تعليق أحد القراء على العربية نت