أخيراً سيتُمكن الفلسطينيون أن يضحوا في عيد الأضحى المبارك كغيرهم من الأسر المسلمة في الدول المختلفة. فمنذ الحصار الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص قطاع غزة، تحكموا في دخول كافة السلع لأكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في غزة، من ضمنها تقنين دخول الأبقار والعجول، الأمر الذي أدى إلى غلاء لم يسبق له مثيل في سعر الأضاحي، وعزوف أصحاب الدخل المحدود عن هذه الشعيرة الدينية.
وكان أبو علي، أحد مالكي الأنفاق التي تصل رفح الفلسطينية بنظيرتها المصرية قد فكّر في إنعاش النفق الذي كلّفه قرابة 35 ألف دولار، وجازف في دخول كمية من الأغنام لقطاع غزة.
وبعد أن وصلت تلك الكمية بسلام، راجت الفكرة عند باقي مالكي الأنفاق، لا سيما وأن الوقت يمضي نحو عيد الأضحى المبارك، حيث تختلط دماء الأضاحي بالدعاء والإبتهال إلى الله بأن يحمي الناس ويرزقهم ويسلمهم من كل مكروه. شارون وأبقاره
ومن لا يعرف قصة أرييل شارون، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الغاصب للأراضي الفلسطينية سابقاً، والذي يدخل في غيبوبة للعام الثالث على التوالي، كان يملك أكبر مزارع الأبقار والعجول في كيانه. وأضطر التجار الفلسطينيون للتعامل مع مدراء أعمال شارون في هذا الشأن، وإستيراد آلاف العجول والأبقار من تلك المزارع لقطاع غزة، خاصة في فترة أعياد الأضحى في السنوات الماضية.
وبعد اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، قننت دخول كافة السلع والمواد التي يحتاجها الفلسطينيون بشكل أساسي، ومن ضمنها كميات العجول والأبقار، الأمر الذي حذا بمالكي الأنفاق الفلسطينية أن يتخذوا التدابير اللازمة لتعويض المواطنين الفلسطينيين عن هذا النقص الحاد. الأبقار تدخل الأنفاق
أبو علي الذي بدأ مشروعه الجديد بشحن مئات الأغنام والخراف إلى الأراضي الفلسطينية، ومنافسة العديد من الأنفاق في تلك المهنة، كان لا بد أن يفعل شيئاً لا ينافسه فيه أحد، فعمل على توسيع النفق الذي يملكه أفقياً ليسمح بدخول أبقار وعجول صغيرة الحجم نوعاً ما.
وقال أبو علي لعشرينات "تعمدت جلب الأبقار صغيرة الحجم قبل شهرين وأكثر من موعد عيد الأضحى المبارك، كي نُسمّنها ويكبر حجمها، لتصبح أضحية للناس".
وأضاف "هذا العمل أدى إلى إرتياح كبير لدى الفلسطينيين، وخاصة ذوي الدخل المحدود، فهم بقوا لثلاث سنوات دون أن يستطيعوا إقامة تلك الشعيرة التي فرضها الله سبحانه وتعالي على المسلمين المقتدرين".
وقال سيف الدين، مالك نفق على الحدود مع مصر، إن فكرة زميله أبو علي فتحت أفاق وعمل جيد لهم. وأضاف "رغم المخاطر التي نتعرض لها نحن والعاملون في الأنفاق، إلا أن الإنسان يشعر في الغالب بالرضا النفسي لأننا نساعد الناس في غزة بسد العجز الناتج عن الحصار".
وأضاف سيف الدين " العمل والتجارة في الأنفاق ليست سهله أبداً. هناك ضحايا عديدة سقطت نتيجة ذلك، لكن لا بد من كسر الحصار بأي ثمن. فالناس هنا بحاجة ماسة للمواد الأساسية، فهي روح الحياة عن البشر كافة". خراف مصر
المواطن محمود عبد الرازق، أشار وهو يبتسم إلى قدرة الفلسطينيين على التكيف مع الواقع بشكل لا تستطيع أن تقوم به شعوب أخرى. وقال "بالطبع إذا ما هبطت أسعار الأضاحي، سوف أشترك مع ستة آخرين في عجل سمين يوم عيد النحر".
وقال المواطن فؤاد سلامة "سوف أشتري خروف من الخراف القادمة من مصر، فهو أقل ثمناً عن الباقي، وسأربيه عندي وأُسمنه لعيد الأضحى بإذن الله".
ويعتمد الفلسطينيون ذوي الدخل المحدود والقليل جداً في الإشتراك فيما بينهم، سبعة أرباب أسر، في عجل كبير. ويفضلون العجول على الأغنام والخراف نظراً للكمية الكبيرة التي يوزعونها من اللحوم قياساً بالخراف.
وأشار الشاب إبراهيم نصر إلى انه سيشتري خروفين مصريين حينما تتوفر لدية بعض الأموال وذبحهما كـ "عقيقه" لإبنه البكر فادي. وقال "شعور جميل جدا بدخول المواشي عن طريق الأنفاق بعدما منعت إسرائيل دخولها إلينا من معابرها. وكم تمنيت أن أذبح خروفين بعد أسبوع من ولادة إبني فادي، لكن الأمور ليست سهلة هنا". مهنة المخاطر
ولا زالت تلك المهنة التي يعمل بها الشباب الفلسطيني تشكل خطراً على حياتهم. وكانت آخر الإحصائيات قالت أن قرابة الـ 50 شاباً لقوا مصرعهم داخل تلك الأنفاق نتيجة إنهيارات في تلك الأنفاق بسبب تقاربها من بعضها البعض.
وقال أشرف "22 عاماً"، ويعمل في حفر الأنفاق، "نعاني الكثير من المتاعب والمشاكل حينما نحفر نفقاً طوله يمتد لأكثر من 120 متراً بعمق أكثر من 15 متراً، ونحتاج في غالب الأحيان إلى إسطوانات أكسجين لإستمرار العمل داخل النفق".
وأضاف اشرف "أحد أقربائي توفي قبل شهر ونصف. أدرك أن الحفر خطير جداً، لكن لا عمل هنا في غزة، فالفقر والبطالة أصبحا عنوان لواقع الشباب الفلسطيني".