لا يقتصر البن في حياة الإنسان العربي على رشفات يحتسيها في فنجان، بل يتوغل إلى كافة مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية..
ويعد مفهوم القهوة لدى أغلب الشباب العرب الانضمام إلى فئة الكبار، فهم تربوا على رؤية أجداهم أو آبائهم وهم يرشفون قهوتهم الصباحية يومياً ويطالعون الجريدة..، لذا تربى في أذهان الشباب أن القهوة تمثل حياة خاصة لدى الإنسان العربي..
قصة البداية .. عربية
تعود قصة اكتشاف البن الذي تصنع منه القهوة إلى أسطورة غريبة عن راعٍ يمني كان يجوب بقطيع من الأغنام والماعز في إثيوبيا (لا تسألوني كيف!!)، وهناك لاحظ الراعي الذي يدعى الخالدي أو الكلدي أن غنماته تنشط بشكل كبير بعد أن تتزود بالطعام من مرعى معين تنمو فيه شجيرات لينة لها ثمرات عنبية، وهى شجيرات حبوب البن.
وقد دفع الفضول والتحول الملاحظ للغاية الذي أصاب أغنام الراعي لأن يجرب مضغ تلك الحبوب بنفسه، وشعر بنفس الحركة والنشاط!!، وبهذا يكون أول من اكتشف حبوب البن والتي كانت للأغنام في البداية، ويقال أيضا أن اسم Coffee مأخوذ من Caffa وهو اسم قرية بالحبشة كانت تنمو فيها أشجار البن.
وهناك قصة تاريخية أخرى تشير إلى أن المتصوفين باليمن هم أول من عرفوا القهوة على يد الفقيه الصوفي على بن عمر الشاذلي الذي توفى عام 821هـ، وقد عرفوها مغلية ومشروبة هذه المرة لا ممضوغة كما في الرواية السابقة، وكانوا يتناولونها ليلاً بشكل كبير لتنبههم وتساعدهم على أداء شعائرهم الدينية وقيام الليل، ولهذا سميت القهوة في تلك الأثناء بـ(خمر الصالحين)..!!
وكان البن ينبت برياً في الحبشة (إثيوبيا حالياً) وبعض الأجزاء من اليمن حتى القرن الثاني عشر ميلادياً، ومن خلاله سجل اليمن حضوراً متميزاً على المستوى العالمي، بل أن جودة البن اليمني جعله يحتفظ بموقعه حتى اليوم كأفضل أنواع البن المنتجة في العالم.
وكان لليمنيين فضل في ظهور القهوة وانتشارها في العالم العربي، فقد ساهم رواق اليمنيين الموجود في حارة المسجد الأزهر بتعريف المصريين بالقهوة، حيث كانوا يشربونها في هذا الرواق كل ليلة اثنين وجمعة، وكانوا يضعونها في إناء كبير من الفخار الأحمر ويغرف منه بإناء صغير ليوزع على الحاضرين.
القهوة .. محرمة!!
ظهر البن وانتشر بشكل هائل في تلك الفترة في الخليج العربي بشكل عام وخاصةً في المملكة العربية السعودية، وقد شكل الأثر المنبه القوى الذي تتسبب فيه القهوة مسألة أثارت العلماء الدينيين، ووصل الأمر إلى أن بعضهم أفتى بتحريمها في مكة عام 917هـ...!!!، وإن لم يستمر هذا التحريم سوى عام واحد!
مشتقات القهوة
وقد حدثت العديد من التعديلات والإضافات التي تمت على القهوة العربية لتزويدها بالكثير من النكهات ولتغيير بنيتها التي تعود عليها العرب لسنين طويلة، أيضا لتنافس العديد من المشروبات القديمة والجديدة التي طرأت عليها وأثرت بشكل طفيف على شعبيتها، فدخلت عليها نكهات الكراميل والفانيليا والموكا والجنزبيل والقرنفل والكريمة والهيل (الحبهان) بل حتى الثلج!
القهوة في الشعر العربي
كعادة العرب لم يستطيعوا أن يتجاهلوا مشروباً شعبياً بهذا الانتشار في أشعارهم، فالقهوة تعتبر في البيئة العربية من المكونات الثقافية الهامة التي ينشأ الفرد ضمن إطار جاذبية خاص بها.
ولابد، نظراً للتفاعل والالتحام اليومي بها، أن تندرج ضمن أدبه وضمن ما يقدمه من رؤى للحياة، وفي إطار الدعاية الصحية الشعرية للقهوة يقول الشاعر برهان الدين المبلط :
يا عائباً لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النفس من أمراضها
أو ما يراها وهى في فنجانها ... تحكى سواد العين وسط بياضها
ويقول شاعر آخر متغزل بالحبيبة والقهوة والليل واللون الأسود بشكل عام :
سقتني قهوة ً في جُنْحِ ليلٍ ... وفي يدها خضابٌ كالمدادِ
فقهوتُها .. وكفّاها .. وليلي ... سوادٌ في سوادٍ في سوادِ
...
هكذا استطاعت القهوة العربية التغلغل في كل مظاهر الحياة حولنا حتى في الأدب والأشعار...