في كل مساء افتح نافذتي اتأمل هذه النجوم السابحة في الظلام الممتد بلا حدود ظلام هادىء ومريب ..فانتظر حتى تنام العيون وتهدأ الجفون عندها اهمس في أذن القمر فبقترب مني وينور لي صفحة من دفتر مذكراتي لأكتب .... في كل مساء أفتح قلبي للقمر فاحدثه عن قصتي واسرد له حكايا الناس الذين احببنهم وخانوني والذين ضحيت من أجلهم فضحوا بي والذين وثقت بهم فشكّو بي ويحدثني هو ايضا عن الأسرار المختبئة خلف هذا الهدوء الغامض الدي يلف الكون الذي يبدو وكأنه صوفي يفكر بعمق في معنى الحياة ...فيمد لي القمر شعاعا من نوره لأرى :
فرايت جميع الناس نيام إلا اثنان مستيقظان اما احدهما فمظلوم يشكي ظالمه إلى الله فهو لن يتذوق طعم النوم والشعور بالظلم يؤرق جفونه ويمزق قلبه ويشغل تفكيره
والآخر تائب عائد إلى الله تؤرق جفونه اخطائه ومعاصيه كيف يعصي الله وكيف الله يستره, كيف يعصي الله والله يرزقه ويمده بالعافية, وكيف يعصي الله والله يراه فهو لن يتذوق طعم النوم حتى يغفر الله له ويهديه
فأقول للقمر انتظرني ..... اريد ان اكتب
عندها يقول لي انصتي ...انه نداء الرب عندما ينزل إلى السماء بعد منتصف الليل فانصت فإذا بالرب ينادي هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فاتوب عليه هل من مسترزق فارزقه...والرب ينادي وجميع الناس في غفلة نعم في غفلة إلا :
رجل علم أن ماعند الناس ينفد وما عند الله باق فكيف يففل عن نداء الرب وهو يستمد كل قوته من الله
وآخر فقير يسعى النهار كله ويعلم أنه لو سأل الناس لم يعطوه فكيف يغفل عن نداء الرب فهو يسأل الله الرزق ولا يسأل أحدا سواه
ومريض أرهقته الآلام وكبلته الآهات فلا يستطيع ان يغفل عن نداء الرب وشفاؤه بيد الله وحده ...
فأقول للقمر انتظرني .....لقد تأججت مشاعري اريد ان اكتب
وبعد جولة طويلة شاهدت كيف ينام المظلوم وكيف ينام الظالم وكيف ينام الفقير وهو جائع وكيف ينام الغني وهو متخوم لا يستطيع ان يتحرك وكيف ينام اليتيم وهو ضعيف فقد سنده وكيف ينام المسّوف والحالم والمتكبر والمتسلط والمريض والناجح والعابد .....
حان الآن أذان الفجر فلما سمعت الله أكبر تصدح من كل المساجد اصبح قلبي وكل ذرة من جسدي يردد الله أكبر.. الله أكبر .. بما في هذاالنداء من قوة وفخامة وجبروت وما زلت أرددها حتى أحسست بروحي تسبح بفضاء رحب وقد تخطت القيود الدنيوية والجاذبية الأرضية التي تشد الإنسان للاسفل كلما حلق عاليا وفي ذلك الفضاء شعرت بأن كل شيء ينادي ما ينادي به قلبي الله أكبر ..الله اكبر.. نداء القوة الذي ينبعث من كل بيت مصلي ومن كل المساجد ليرفع الإنسان وليحرره من جاذبية حب الدنيا التي تحاول أن تهوي به
لقدشعرت أن الكون في عظمته كأنه إنسان ذليل في تواضعه يقول بكل انصياع الله أكبر ..
فقلت للقمر انتظرني حتى أكتب يا ربي جلالك وعظمتك تأبى إلا الظهور..... نعم.. الله أكبر..
ومن ثم ودعني القمر ليكمل مسيرته الفضائية حول الأرض على أن انتظره الليل القادم لأني أريد أن أكتب ....
وفي ذلك الوقت انتفضت الطيور من اعشاشها وأخذت تصدح بأجمل ألحانها فهي تغني لأنها لا تجيد الكذب ولا الخداع ولا تغتاب غيرها من العصافير وتكذب على لسانهم ولا تظلم أحد لذا فصوتها اجمل الأصوات وأصفاها...
والعصافير تغني ... والطبيعة تعزف ألحان الحب والعطاء بلا حدود...
ووجدت نفسي أكتب عن أعظم آيات الإبداع الإلهي (الحياة) وأسمى معاني الحب السامي (الإنسانية) وأقرأ اسرار الجمال في البراءة والعفوية وأغني للسلام والطمأنينة لكي تصفح عن البشر وتعود لتملأ قلوبهم من جديد...
وعندها تمنيت أن أكون وردة جورية من ورود تلك الطبيعة الأم لا تعرف الحسد ولا الغيرة ولا الشك ولا الخيانة فقط تنشر عبيرها في كل مكان ...
أو عصفورة تعزف ألحان الحب في آذان البشر كل صباح ليعو ما معنى الحب
ليست الأنانية حب ولا الشك حب ولا الاستغلال حب وليست المادة من يغذي الحب إتها الروح فقط ... إنها الروح فقط...
في مجتمع ليس له من الإجتماع نصيب (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى )يغرق في الظلام شيئا فشيئا نحن بأمس الحاجة إلى خطة عمل ومنهاج نسير عليه يخرجنا من الظلام إلى النور وأي منهاج وشريعة خير لنا من شريعة الله التي طبقت في الأرض فأخرجت المجتمعات من قبلنا من الظلمات إلى النور فلنعود جميعا جميعا إلى خالقنا مصدر النور
أريد أن أكتب ولكن كلما أكتب أزداد ألما وحزنا أأكتب عن ضياعنا أولا ؟ أم أكتب عن فقداننا لروح الخير والتعاون وسيادة المصلحة الشخصية؟ أأبدأ بحرارة الحب المفقودة ؟أم القلوب التي أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة ؟
أريد أن أكتب باسمي وباسم جميع المتألمين لوضع أمتنا كفانا تفرقا وضعفا فلنتسامح ولنتكافل ونتكاتف وليملأ الحب قلوبنا من جديد
أريد أن أرفع صوتي قويا يضم جميع أصواتهم ونقول :لنعد إلى الله
من مواضيع : نرجس