وبالطبع فإن الأردنيين فهموا كل هذا التركيز على الداخل على أنه ترجمة لشعار «الأردن أولاً»، الذي كان طرحه الملك عبدالله الثاني قبل نحو خمسة أعوام، والذي اعتبره المتربصون لهذا البلد بأنه إعلان تخلٍّ عن القضايا العربية، وأنه انكفاء على الذات، وأن المقصود به هو القضية الفلسطينية... وهذا غير صحيح، وهو تشويهٌ لمواقف دولة تعتبر قضية فلسطين بالنسبة إليها قضية داخلية بالإضافة الى كونها قضية قومية.
إن المقصود بشعار «الأردن أولاً» كان ولايزال انه ليس بإمكان المملكة الأردنية الهاشمية ان تقدم شيئاً لأمتها العربية وأن تقوم بواجبها تجاه قضية فلسطين مالم تكن متماسكة داخلياً، وما لم يكن وضعها الاقتصادي مستقراً، وما لم تكن الأحوال المعيشية لشعبها معقولة ومقبولة، وهذا ينطبق على الدول العربية كلها، فالمريض الجائع الحافي القدمين لا يستطيع تقديم أي شيء لشقيق يمر بأوضاع صعبة، ولا لابن عمومة داهمته ظروف مأساوية.
إن شعار «الأردن أولاً» و«الكويت أولاً»، وهذا ينطبق على كل الدول العـربية الشقيقة، يعني أنه على الأردنيين والكويتيين ان يعطوا الأولوية الى الداخل وعليهم ان يحلوا كل مشاكلهم الداخلية حتى يستطيعوا تقديم ما هو أكثر من الشعارات والصراخ القومي لأمتهم العربية ولقضية فلسطين وللقضايا القومية الأخرى التي تعددت وتكاثرت في ضوء الظروف المستجدة في هذه المنطقة، وفي ضوء التعقيدات الكونية السياسية والاقتصادية.
في خطبة العرش هذه المشار إليها، قال الملك عبدالله الثاني مخاطباً مجلس الأمة بجناحيه، الأعيان والنواب، ومخاطباً حكومته والشعب الأردني كله: «إن الإصلاح الاقتصادي يجب ان يتصدر الأولويات الوطنية وان استكمال بناء اقتصاد وطني قوي سينعكس بشكل إيجابي على مستوى معيشة الأردنيين... وترتكز رؤيتنا في هذا المجال على التزام الحكومة بتقديم الخدمات الأساسية وبأفضل المستويات للمواطنين، والعمل من اجل توحيد مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية في العاصمة والريف والمخيمات، وضمان توزيع جغرافي عادل لعوائد التنمية»، وهكذا فإن هذا هو المقصود بشعار «الأردن أولاً»، وهنا فإنه لابد من الإشارة الى ان خطبة العرش هذه قد تضمنت النص التالي: «أما على الصعيد العربي فإن موقفنا المبدئي الثابت هو ان عمقنا العربي هو محيطنا الحيوي الأول، وقد كنا ومازلنا حريصين على التواصل والتنسيق مع أشقائنا العرب وتعميق علاقاتنا معهم... ونحن حريصون كل الحرص على استثمار علاقاتنا الدولية وتوظيفها لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية».