بســـم اللــــه الـرحمـــن الـرحيــــم
الســلام عليـكـــم ورحمـــه اللـــــه وبركاتــــــه
[COLOR=red]✖ معلـومات , دروس , مكتبـــة التـصويـــــر الفــوتــوغرافي
المـقـدمــــة
الخلود.. من بين بساطة اللفظ وعمق الدلالة.. نرقص على ايقاع الكلمة.. فتهزنا من الأعماق.. لتتولد لفة عالمية أخرى غير الموسيقى.. لفة في إطار.. الصورة الفوتوغرافية فالخلود هو أبسط تعبير عن الفن الحقيقي قديما وحاضرا.. سواء في الهدف والغاية.. أو النتيجة المتوقعة لهذا الفن بمعناه الشامل.. "فالفن الحقيقي يمتلك القدرة على قهر الموت".الســلام عليـكـــم ورحمـــه اللـــــه وبركاتــــــه
[COLOR=red]✖ معلـومات , دروس , مكتبـــة التـصويـــــر الفــوتــوغرافي
المـقـدمــــة
وهنا نتحدث عن فن خالد خلود البشرية.. من عصر جلجامش والحضارات البدائية الأولى..الى عصر الصورة بالحاسب الآلي اليوم.. ولا ندري ماذا يخبيء لنا المستقبل من الأسرار.
تعتبر الصورة إحدى الركائز الأساسية للغة غير اللفظية، فهي تشكل موضع توتر بين الفضاء والزمن: الفضاء الفيزيائي ذي البعدين أو الثلاثة أبعاد، والفضاء الذهني ذي البعد المجهول إنها شذرات من المكان والزمان، اعتقال لحظة أو فعل قصد تخليده، إنها لحظة الفعل "فعل الرؤية" أو التفكير أو الحلم أو الألم.
والصورة الفوتوغرافية هي تسجيل حي وواقعي وتاريخي للحياة العابرة فما يسجل في لحظة قد يكون خالدا إلى فترة من الزمن وقد يكون دليلا وشاهدا على العديد من الأحداث التي تمر بسرعة البرق ولايمكن للذاكرة أن تعود بتفاصيلها كما تفعل عدسة المصور الذي يتمتع بخاصية العين الثالثة وهى الكاميرا ليصطاد اللحظات من الزمن ليوثقها فوق الشريط الفيلمي زماناومكانا.
لقد أصبحت للصورة الفوتوغرافية اليوم لغتها وبلاغتها وأساليبها الفنية ومقوماتها الجمالية، ومع هذا فإن فاعليتها رهينة رؤية المبدع وقدرته على توظيفها توظيفا خلاقا، أي أنها تبقى مقترنة بالذوق والشعور والخيال والوجدان وأشكال الإحساس والتعبير.
يعتبر التصوير الضوئي اليوم واحدا من أهم الفنون ، وبدأ منذ زمن طويل في تشكيل قاسما مشتركا مع العديد من التخصصات إن لم تكن جميعها، فالتصوير الضوئي هو العامل المساعد على تحقيق أهداف العديد من المهن والوظائف والتخصصات ،ويلعب دورا فاعلا في كشف الحقائق والإثباتات والوصول الى الدلائل ..
باختصار شديد يعتبر التصوير الضوئي في عصرنا هذا الحل الأمثل لتحقيق الغايات وايصال الرسائل والرؤى والأفكار.. ويعتبر التصوير سلاحا ذو حدين، فإما ان تحسن استخدامه بمحافظتك على أخلاقياته ، وإما ان تسيء استخدامه فيذهب بك الى مالا تحمد عقباه.. نسأل الله ان ينفعنا بهذا العلم ونسخره في خدمة مجتمعاتنا واوطاننا..
ولكي نصل إلى الأهداف النبيله من هذا الفن ، ينبغي علينا الإلمام به وبتقنياته وأساسياته ، حتى يصبح إستخدامنا له مبني على أسس صحيحه وعلميه مدروسه ، ولا ينبغي أن نعتمد على الصدف عند ممارسته..
[/SIZE]
أولا: التصويـــر التاريخـــي.
يعد التصوير منذ الأزل شهادة عصرية ودليل وجود.. من هنا حاول الإنسان البدائي تسجيل آثاره وأعماله ومعاركه على جدران الكهوف.. و"تعود بداية التصوير عند ملاحظة القدماء ظاهرة ظلال الأشياء عند انعكاس الضوء عليها.. ومع تكرار الملاحظة تم اكتشاف الغرفة المظلمة (Dark room) التي ما زال الجدل قائما حول من اكتشفها فمنهم من قال إنه أرسطو ومنهم من قال قبله، كما أن البعض يشير الى العالم العربى عالم الفلك الحسن بن الهيثم. و "لا يوجد شخص واحد يمكن ان ينسب اليه اختراع الغرفة المظلمة".
ولا نريد هنا أن نخوض في إشكالية أن التصوير الفوتوغرافي فن حديث من ابتكار الأوروبيين أو هو فن قديم عرفه العرب من قبل أو ربما قبل ذلك لأنها قضية لا تسمن ولا تغني من جوع وانما لابد أن ندرك أن المعرفة البشرية هي معرفة تدرجية تراكمية ساهمت الشعوب الأولى والحضارات لبدائية في خلقها وهنا نحن نكمل المسيرة.. كما علينا أن نذكر للتاريخ فقط وحسب ما جاء في مقدمة كتاب د. عبدالفتاح رياض (آلة التصوير) (1993) ص 12، ان مخطوطات الحسن بن الهيثم لم تعرف ما فيها إلا في عام 1910 في مكتبة (The Indian office library, London ).
ونرجع للغرفة المظلمة ذلك أن المرحلة الكبرى لتاريخ التصوير بدأت مع استعمال هذه الغرفة من قبل الفنانين الإيطاليين في القرن السادس عشر حيث إن عددا كبيرا من الرسامين المشهورين قد استعملوها، من بينهم الفنان العظيم ليوناردو دافنشي الذي طور هذه الفكرة وأصبحت صندوقا به ثقب في أحد جوانبه يستخدمه الفنانون في اعداد اللوحات والرسوم.
بعد ذلك أدخلت عليه تعديلات مهمة حيث أضاف اليه (كاردوي عام 1590) العدسة البصرية. التي كانت تستخدم لاصلاح أخطاء النظر والتطوير الذي أدخل على هذا المبدأ هو ادخال الحدقة (الدايفرام).
أدى هذا التطور الى زيادة وضوح الصورة وبعد ذلك تطورت الغرفة المظلمة من حيث الحجم والقياس.. وما أن حل القرن السادس عشر إلا وأصبح الرسم بواسطة الغرفة المظلمة هواية سهلة وممتعة للمحترفين والهواة.
ونصل الى عام 1727 حيث كان العالم الألماني (يومان شولز) منهمكا بالعمل في مختبره فلاحظ عن طريق الصدفة تأثر أملاح الفضة بالضوء.. فكانت تلك البداية الفعلية للتصوير الفوتوغرافي، بالرغم أن هذا العالم لم يتمكن من أن يكتشف أي تأثير عملي لهذه الظاهرة وتوفي قبل أن يرى نتائج بحوثه.
هذه الملاحظة استحوذت على اهتمام العلماء فقاموا بدراستها وبعد نصف قرن من الجهود المضنية أمكن التوصل الى استخدام املاح الفضة في اختزال الصورة عن طريق نفس الصندوق الذي كان مستخدما لتسهيل عملية الرسم.
فشل العلماء بداية في الحصول على صورة ثابتة اذ كانت الصورة تختفي حين تتعرض للضوء.. وهكذا استمرت الأبحاث الى أن تمكن العالم (نيبس عام 1826م / من التقاط أول صورة ثابتة عرفها التاريخ استغرق التقاطها ساعات من التعريض.
توصل بعد ذلك العالم (دايجير) الى عملية تثبيت الصورة عن طريق ملح الطعام وأطلق على اكتشافه (النموذج الدايجيري) وهو عبارة عن نماذج موجبة (Positive) استطاع أن يطورها لتصبح واضحة لدرجة أن أحد الفنانين قال عندما رآها "مات الرسم اعتبارا من اليوم".
لننتقل الى مرحلة أخرى مهمة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي وذلك عندما استطاع عالم الرياضيات البريطاني (فوكس تالبوت عام 1835) من التوصل الى انتاج أول مبررة سلبية (Negative) وبذلك كانت الصورة السلبية بمثابة الرحم أو الأنثى التي تمكن الصور من التوالد الى ما لا نهاية.. فانتشر التصوير الفوتوغرافي مع حلول منتصف القرن التاسع عشر وكثر المصورون وتقنياتهم.
وفى عام 1935 تمكن العلماء من التوصل الى الفيلم الملون إلا أن الفيلم المتعارف عليه حاليا الذي يتألف من طبقات مكونة على دعامة واحدة قد طرح في الأسواق لأول مرة عام 1955 وكان تحولا جديدا في عالم التصوير الفوتوغرافي. لتتوالى بعد ذ لك العديد من الاضافات الى آلة التصوير بعد أن استقر العالم على أجزائها الرئيسية لتبدأ بعد ذلك الأجزاء الفرعية والثانوية كالفلاش والمرشحات والتطورات ا لمذهلة في امكانات التصوير الحديثة سواء بزيادة سرعات الغالق أو فتحات العدسة وما الى ذلك الى أن وصلنا الى التصوير ا لفوتوغرافي عن طريق الحاسب ا لآلي (Computer) وا لذ ي سنتحدث عنه لاحقا بشيء من التفصيل.
ثانيـا: التطــور الوظيفــي.
وتستكمل ا لمسيرة لتصبح الصورة الفوتوغرافية في كافة الخدمات التي يستفيد منها الإنسان في عالم اليوم.. فتعددت مجالات التصوير الفوتوغرافي.. وتعانق هذا المجال مع عدد كبير من ا لمجالات المختلفة.. فهناك التصوير العائلي أو الشخصي والتصوير التوثيقي والإعلامي والرياضي والفني والعلمي وتصوير الحيوانات البرية والتصوير تحت الماء وتصوير الأزياء والتصوير الجوي والتصوير التجاري.
وأصبحت الصورة في الأدب.. في العلم.. في الصحافة.. وما في ذلك من تفريعات كثيرة إلا أن ما يهمنا في هذا المقام من كل تلك المجالات الآنفة الذكر هو التصوير الفني.. ذلك أن عددا كبيرا من المجالات السابقة يمكن أن يندرج تحت مسمى "صورة فنية".
"لقد حقق التصوير أول ما ظهر الحلم الذي طالما راود الإنسان بالقبض على الزمن.. الا أن التطور السريع الذي عايشته البشرية حدا بالتصوير الى تجاوز المستوى الأول من الواقع نحو آفاق جديدة في التشكيل فإذا كانت كلمة (فوتوغراف) (Photograph) تعني في اللغة اللاتينية الكتابة بالضوء، فإن التصوير الفوتوغرافي لم يقتصر على تقليد خطوط هذه الكتابة بل أعاد صياغة أبجديتها ونظم هذه الحروف الضوئية نظما شعريا يخاطب وجدان المتلقي أكثر مما يخاطب عيونه، لتوازي في جوهرها سائر المجالات الإبداعية الأخرى كالشعر والرواية والرسم والمسرح".
ومع بداية هذا القرن قال وليم مور "ان عمل الفن هو صنع التأثير (Effect) وليس تسجيل الحقائق الوقائع (Facts)".
كانت الصورة فيما مضى مجرد أداة لنقل الواقع وتسجيله كما هو.. ولكن عندما تم التعامل مع الصورة كفن تغيرت هذه النظرة.. فلم يعد التصوير مجرد لوحة صامتة لمنظر طبيعي أو غيره، وإنما أصبحت الصورة معاناة إنسانية، فكرة تحمل مضمونا
إنسانيا وجدانيا فكريا أيا كان ا لمهم أنها لم تعد صورة جميلة فحسب.. وانما هي لوحة فكرية وجدانية تخاطبك لتتأملها وتغوص في أعماقها فتخرج مدهوشا بقدرة الفنان على الابتكار والابداع والخروج عن المألوف بأسس علمية مدروسة.. ورؤية فنية راقية.
ترى هل اختلفت وظيفة التصوير الفوتوغرافي الآن ؟؟ أعتقد ذلك.. لم تعد وظيفته مجرد نقل الواقع وانما تفتش عما يختبيء وراء الواقع بكشف أغرار الحلم.. وعيون المستقبل.. فأصبحت وظيفة الفن اجمالا الآن أشمل من الماض ر.. يقول صاحب (السيدة / الكمان ) الفنان (مان ري) "ان وظيفة الفن هي دفع المشاهد الى التأمل وليس فقط إثارة الإعجاب بالبراعة التقنيه التي يتمتع بها الفنان".
لو تأملنا أعمال انسل آدمز (Ansel Adams) (1982 -1902) وإدوراد ويستون (Edward Weston) (1883- 1976) وأموجن كننج هام (Imogen Cunningham) (- 1883 1976) وغيرهم من المصورين من الذين كانوا علامات مميزة في سماء التصوير الفوتوغرافي نجد أن الفضل يرجع لهم في تحويل التصوير من مجرد واقع تسجيلي الى فن بكل ما تحمله كلمة "فن" من معان.. حيث معهم بدأ التصوير الفوتوغرافي يتخطى حواجز الواقعية التسجيلية ليكون لفة الصورة الرومانسية الحالمة عندما تم التعامل معه على شكل فن جميل.
وعندما تقرأ كتاب (الفن والحياة ) (Art & Life) تدرك تماما ذلك التحول بعد أن نظر المصور الى الصورة على أساس الفن.. "يسير كل من ويسترن وانسل آدمز بقوة نحو العمق ليمسك اللقطة الفنية من أجل مهمة الفن".
إذن مخاطبة اللوحة.. الوقوف أمامها.. محاولة مخاطبة ما وراء الصورة ومتابعة مساراتها الدقيقة.. تني ما تبقى من جمال روحي في عقلك بعد أن طفت مشاغل الحياة المادية على الجزء الأكبر منه فتأتي الصورة لقض ء جانبا آخر مهما منه.
ولا شك نحن لانختلف على أن الناس مختلفون في رؤيتهم للأشياء حيث "لا يستطيع شخصان أن يكونا نفس الفكرة تماما عن شيء واحد".
وهنا مكمن جمال الصورة وما تحمله من مضامين تعبر عن هواجس مختلفة وهموم شتى.. تداعب أحلاما قديمة عند هذا وتراود طموحات مستقبلية عند ذاك.. ترسم صورة بائسة قاتمة.. وتلامس أفكارا حالمة.. لماذا كل هذا؟ لأن التصوير فن وليس نقلا.. و"هناك من المصورين من هم مثقفون حتى أطراف، أصابعهم.. يهمهم التعبير عن الأعماق وكوامن الأمور.. يسيرون في أعماقهم الى ملامسة العقل اللاواعي والغوص عميقا في تخوم الحلم والمناطق المظلمة".
فالمصور يبقى في النهاية انسانا.. يهمه التعبير كذلك عن الواقع.. ولكن برؤية فنية.. حتى لو أخذنا في ذلك أقرب مجالات التصوير للواقعية وهو التصوير الوثائقي لابد من الغوص في الأعماق لابراز حادث معين أو التوثيق لمرحلة معينة لتعميق الأثر ولتبقى ذكرى لا تنسى.
فمثلا عندما تتأمل صورة اعدام الجندي الفيتنامي الشهيرة والتي التقطها ايدي آدمس (Eddi Adms) عام 1968 وحصل على جائزة بولبيتزر ترى هذه الصورة وأنت متأهب لسماع الطلقة النارية من مسدس الضابط الفيتنامي.
الأمر نفسه في تصوير (البورتريه) حيث لابد من الغوص في المناطق المظلمة في الشخصية التي تود تصويرها.. تعبر بصدق عن نفسية هذه الشخصية بملامحها الدقيقة وما تصاحب الصورة من إضافات.. من منا مثلا لا يتذكر صورة (تشرشل) والتي جاءت بعنوان (What, No cigar) التي التقطها مصور البورتريه الشهير "يوسف كارش Karsh عام 1941_ تأمل جيدا هذه الصورة تجد أنها تعبر عن ملامح تلك المرحلة في ظل الحرب والعنف والدمار. رغم ان المصور التقط له صورة أخرى (بسيجارته هذه المرة ) كما أراد ولكن لم يكتب لها البقاء وظلت هذه الصورة (بدون سيجارة) هي الأقوى والأكثر عمقا.
هكذا أصبح التصوير الفوتوغرافي عندما تم التعامل معه على أساس الفن وما أجمل ما يقوله ماكلين (Mccullin) " المصور يجب أن يكون إنسانا متواضعا صابرا مستعدا للمزيد من المتابعة.. اذا كنت وحيدا انتظر السعادة أو الخجل أو حتى الموت وليس أحد بجانبي يمكن أن يكون عندي عدة اختيارات وأحدها أن أكون مصورا للآخرين ولكن ما أحاول أن أصل اليه هو أن أكون إنسانا".
رأينا أن التطور في الوظيفة نابع من التطورات البشرية العامة والاهتمامات الإنسانية الشاملة.. الاهتمام بالمعاني وليس مجرد السطحيات الجمالية فقط.. فتصوير لقطة واحدة ذات معنى أفضل من مئات الصور بلا معنى.. فالصورة لم تعد مجرد نقل للواقع وانما هي البحث عما يختبيء.. وراءه... وما هذا التطور إلا نتاج للتطورات في الفنون الأخرى كالأدب شعرا أو نثرا والرسم والمسرح وغيرهما.. وكم من المصورين هم شعراء أو مسرحيون أو كتاب قصة وسينمائيون..
بل كم من لوحة تم التعبير عنها بلفة الشعر والعكس صحيح.. فالحس الفني والروح الشاعرة رابط أساسي يجمع الفنان بالأديب فيصبحان في معقل واحد.
"في الحلم..
خرجت القروية التي تحمل العب ء..
وبدأت تحدثني عن أوجاعها..
أسمع هذه الصورة
قريبة مني..
قريبة كحبل الوريد..
اعرفها بدمي".
هذه المقاطع للفنان والمصور العربي المعروف مراد الداغستاني - رحمه الله – وهو يخاطب اللوحة.. لتولد من رحم المعاناة.. ومن منبع الألم.. فتستقر في مصب وجداني.. لهذا الإنسان الواقف أمام هذه اللوحة.. متأملا مقاطعها.. "فعندما تنظر الى الصورة عليك أن تتعلم كيف تتخيل.. لترى ما وراء الصورة".
و"يعتمد نجاح المصور على كيفية تمكنه من اجتياز المصاعب والتعبير عن الوقت بالاتصال والأفكار والحقائق والآراء والطموحات في صورة موضوعية".
ثالثـا: التطـور التقنــي.
في تقديمه لكتاب (التطور الفوتوغرافي وتكنولوجيا المعلومات) للكاتب محمود الشجيع يسمى الدكتور محمد عبدالخالق مدكور هذا العصر بعصر "ثورة المعلومات وانفجار الذكاء" وأخاله موفقا الى حد بعيد في تسميته هذه.. فهذا العصر بحق ثورة عظيمة في المعلومات المتلاحقة سببها انفجار الذكاء لدى العقل البشري حتى أمسى يركض لاهثا فيما صنع ليتداركه قبل أن يدركه.. فأصبح في قلق دائم وتفكير مستمرين بل وانتاج أكثر.
وقد عبرت الصورة الفوتوغرافية منذ القدم وخاصة بعد الاكتشافات العلمية، عن النتاجات البشرية بشكل كبير.. وقدمت للإنسانية خدمات جليلة.. بل أصبح التصوير الفوتوغرافي علما دقيقا يدرس في الجامعات والمعاهد العليا على اختلافه وأنواعه بالطبع.. فهناك التصوير الصحفي والتصوير الطبي والتصوير الفضائي والفلكي والتصوير الجنائي والتصوير بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء.. الخ.
ومع كل تطور يتبعه تطور آخر ومسايرة أخرى في التصوير الفوتوغرافي.. ونحن هنا لسنا بصدد ذكر ما قدمته الصورة في مجال العلم لأنها أكثر بكثير من أن تذكر أو تحصى.. ولأنها كذلك "نار على علم" شاخصة للعيان في كل يوم بل وربما في كل لحظة تدرك ذلك، وانما هنا نحاول التركيز على تطور الصورة الفوتوغرافية في مجال العلم في الماضي والحاضر والمستقبل.. فقد كانت الصورة دائما ناقلا للأحداث والمكتشفات العلمية.. ومع هذه التطورات يتطور التصوير ويذهب في العمق بعيدا.. هكذا عبرت الصورة عن العلم وحتى وقت قريب !!
فحتى وقت قريب كان الهدف من الصورة وخاصة في المجالات العلمية هو نقل الواقع كما هو دون تغيير أو تبديل حتى يمكن للعلماء متابعة مساراتهم ومكتشفاتهم.
كل ذلك كما قلنا حتى وقت قريب.. اذن حدث شي ء ما قلب هذه الموازين، نعم هو كذلك حيث أصبح بامكان المصور الآن أن يتحكم في الصورة التي التقطها ليغير فيها ما يشاء!! حدث هذا بعد اختراع ما يسمى "بالتصوير الرقمي" فالفيلم هنا ما هو الا اسطوانة صغيرة(Disk) بعد أن تلتقط الصورة ما عليك الا أن تدخلها في جهاز الحاسب الآلي لتجري عليها ما تشاء من معالجة.. وقد أثار هذا الإختراع الجديد العديد من القضايا النقاشية خاصة في مجالات العلم والصحافة والفن التشكيلي كما سنرى فيما بعد هذه ليست خدعة من خد عات الـ (Camera Obscura) وانما هي حقيقة باتت تؤرق العديد من الفنانين والنقاد حول مستقبل التصوير الفوتوغرافي.. حيث شكلت ثورة علمية هي نتاج انفجار الذكاء الذي سبق الحديث عنه.
وفي مجال العلم بدأ الشك يساور العلماء حول حقيقة الصورة بعد اختراع "المعالجة الرقمية" حيث يقول (J. W. Matchel) في كتابه (إعادة تشكيل ما يرى.. الحقيقة المرئية في عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي) "نشهد اليوم ازدياد تكاثر تقنية التصوير الرقمي. وقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من أن تكون معظم الصور التي نراها في حياتنا اليومية والتي تكون فهمنا للعالم ومعرفتنا به مسجلة ومنتشرة ومعالجة بالتقنية الرقمية ".
ويقول في موضع أخر "ان ظهور التصوير الرقمي اجبرنا جميعا على أن نكون حذرين جدا ويقظين عقليا وعاطفيا في تفسيراتنا لما نرى.. وسوف يؤدي التطور السريع للمعلوماتية الى فيض متزايد من المعلومات المرئية الرقمية.. وما علينا الا أن نعني كثيرا بتمحيص الأمور والتمييز بين الحقيقي والمزيف منها".
أما الصورة في الصحافة فلم تعد عمليات الفوتومونتاج (Photomontage) كما كان يعتقد الاستاذ محمود علم الدين _ (وهى عمليات القص والتركيب ) هي أخطر عمليات تغيير ملامح الصورة بغية تغير فكرة أساسية قائمة أو تعديلها أو الغائها واحلال أخرى مكانها.
بل أن العمليات القديمة في غرف المونتاج والتصوير بالصحف من قص وتركيب وتحكم في الصورة عن طريق التحميض والطبع والقطع أصبحت مجرد أشكال قديمة.. ولم تعد العمليات التي تعلمناها من كتاب (New Dimensions inPhoto Imaging by lura Black Low) لم تعد هذه العمليات أفضل العمليات بل أصبحت أشكالا قديمة حيث "يمكن أن تصبح المعالجة الرقمية لصور الصحف شكلا جديدا للتزييف".
وهو أمر جد خطير بلا شك.. انطلاقا من العلاقات الشخصية وسيرا بالعلاقات الدولية بين الأمم والشعوب.. فعن طريق المعالجة الرقمية يمكنك أن تقدم رجلا على أخر رغم أنهما كانا معا.. أو أن يظهرا انهما على خلاف رغم أنهما على وفاق.. ناهيك عن قدرة المصور في التلاعب بالملامح والحركات.. فهل وصلنا حقا كما يقول (J. W. Metchel) الى عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي ؟
رابعـا: جــوانب هامــة للنقــــــاش
أ. علاقـة التصويـر الفوتـوغـرافـي بالفـن التشكيلـي!!
هناك علاقة وثيقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي حيث يمكن القول أن التصوير الفوتوغرافي خرج من رحم الفن التشكيلي.. بل إننا يمكن أن نطلق على التصوير الفوتوغرافي (بالابن العاق) ذلك أننا وحسب ما تطرقنا اليه في التطور التاريخي لآلة التصوير وجدنا أن من ساهم في اختراع وتطور الغرفة ا لمظلمة (Dark Room) هم الرسامون وقد كانوا يستخدمونها لتسهل لهم عملية الرسم.. فالتشكيل اذن هو سبب ظهور الكاميرا!!
وبعد فترات من الزمن متلاحقة أصبح فن التصوير الفوتوغرافي منافسا حقيقيا للرسم.. "ففي العالم الحديث حل التصوير الفوتوغرافي محل التصوير الزيتي والرسم كوسيلة أساسية لالتقاط الصور، التقاط صور دونوا حاجة الى مهارة الرسم".
فأصبح بالإمكان تصوير المشاهد وخاصة المناظر الطبيعية (Landscape) بسهولة كبيرة وفي وقت يسير والأكثر من ذلك أن آلة التصوير ترسم معالم الأشياء بحذافيرها.. وبالتالي أصبحت آلات المصورين منافسا قويا لأدوات الرسامين وخاصة من أصحاب المدرسة الانطباعية والواقعية.
بعد ذلك ظهرت مدارس أخرى في الفن التشكيلي ويرى البعض أن التصوير الفوتوغرافي سبب رئيسي في ظهور بعض المدارس الفنية كالتجريدية والسريالية، وذلك هروبا من منافسة المصورين فآلة التصوير كانت لا تستطيع أن تلتقط الا ما ترده أمامها.
ولكن مع ذلك.. وبعد التطورات الرهيبة التي حدثت في مجال التصوير الفوتوغرافي سواء في أجهزة الآلة أو الأفلام دخل المصور (الفنان) منافسا قويا من جديد حتى مع أصحاب المدارس الحديثة في الفن.. فمن خلال آلة التصوير وجهاز الحاسب الآلي (Computer) وبمهارة الإنسان الفنان يمكنك أن تلتقط صورة تجريدية أو سريالية بل إن البعض لا يمكن أن يفرق فيما يرده ما إذا كانت لوحة مرسومة أو صورة فوتوغرافية.. فالمعايير تداخلت الى حد كبير كما هو الحال بين الأجناس الأدبية.. والتطور المتلاحق ما زال مستمرا في عالم التصوير الفوتوغرافي.. فبعد اكتشاف التصوير الرقمي عبر الحاسب الآلي أصبح بالإمكان التلاعب بالصورة وكأنها رسمة فتغير فيها ما تشاء.
ولكن يبقى سؤال ملح وهو.. هل يمكن القول إننا في القرن القادم يمكن أن نستغني عن الرسم بالفرشاة والألوان ما دمنا وجدنا البديل في التصوير الفوتوغرافي ؟ خاصة إذا كان يحقق لنا نفس سؤال قد يكون سابقا لأوانه ولكن بالتأكيد يحتاج الى وقفة ومناقشة. فهناك من يرى في أدواته البسيطة كالفرشاة والألوان قمة الإبداع وحتى في الوقت الذي يستغرقه لصنع اللوحة من رحم الألم والمعاناة.. ولا يستطيع أي جهاز مهما كان أن يتحداه "ها أنا أتحدى الكمبيوتر" اتحداه بما تملكه أدواتي البدائية البسيطة من قدرة على الحركة وتفجر الحياة".
إلا أن البعض الآخر يجد في آلة التصوير وفي جهاز الكمبيوتر ما هو أفضل من الفرشاة والألوان ويمكن أن يحصل عل نتائج أفضل وفي وقت أيسر وابداع أكبر.
ولكن من وجهة نظري البسيطة أرى أن كلا من الرسم والتصوير الفوتوغرافي جزءين مكملين لبعضهما.. فبعد أن كان أحدهما ابنا للآخر أصبحا توأما يدخلان تحت جناح الأب الأكبر ( الفن ).. فليعبر كل بطريقه لكن المهم أن يكون المولود فنا.
ب.قد يتساءل البعض بعد كل هذه التطورات.. أين يقف البدع ؟
فكما لاحظنا من خلال حديثنا عن التطورات التقنية الرهيبة في أجهزة التصوير الفوتوغرافي ومن خلال مناقشتنا لقضية التشكيل والتصوير نجد أن تداخلا كبيرا قد يحدث بين الغث والثمين.. فصورة يمكن التقاطها في خمس دقائق مع وتوش الآلة أو الحاسب الآلي قد تكون لافتة للأنظار لروعتها.. وأخرى وبعد عناء ومشقة ربما استمر لسنوات من أجل أن تظهر بشكل يعبر عن فكرة معينة وموضوع معين بقوة قد تكون بنفس القوة وربما أقل من الصورة الماضية !
في هاتين الحالتين كيف نفرق ؟ وكيف يكون تقييم الفن مستقبلا؟ وكيف يمكن للنقاد أن يميزوا بين هذه وتلك ؟
أسئلة لا زالت تلح على الأذهان بقلق.. الا أن البعض يرى أن الصورة العظيمة تعبر عن نفسها، المهم كيف تستطيع أن تخلق صورة لا يمكن لأحد غيرك أن يأتي بمثلها.
فالمصور دائما ينتقل من تحد الى آخر، ويخشى البعض من عدم تمكنهم من إتيان الجديد ذلك أن كل ما شاهده قد تم تصويره الا أن (هلن روجرز Helen Rogers) يقول "هذا لا يقلقني لأن كل صورة بالنسبة لي تحكي قصة وليست مجرد صورة منظر أشاهده أمامي".
فالمبدع دائما يلقى الجديد.. يعصر فكره بقلق ومعاناة من أجل فكرة أو معلومة فالمبدع.. "المبدع هو الذي يعود الى محاورة الأرض.. بعد أن تملى السماء طويلا طريقه الى الأرض هو طريقه الى السؤال قد لا يجد جوابا لكن أليس البحث جوابا ؟ أليس البحث اقترابا ؟
جـ. بين الحقيقة والتزييف !!
من القضايا المطروحة وبشدة هي كيف نميز بين الصورة الحقيقية والأخرى المزيفة ؟ ولكن هل هذا يهمنا أو حتى يخدم الفن.. لنقرأ ما كتبه د. أحمد النعمان في مقال بعنوان (سلفا دور دالي في موسكو، معرض دالي بلا حدود)
نشره في مجلة المدى وهي مجلة فصلية ثقافية يقول: "قرأت وأنا غارق في كتابة هذا الموضوع مقالا يعتبر من النقد العلمي للفن التشكيلي مفاده >>... أن جيوكندة ليوناردو دافنشي المحفوظة في متحف اللوفر هي ليست عن موناليزة فيما تحفظ لوحة ليوناردو دافنشي التي رسمها عن الموديل موناليزة في متحف الارميتاج في سانت بيترس بورغ (ليننغراد سابقا)!!
وماذا في ذلك ان كان هذا الرأي خطأ أم صوابا؟؟ أيقلل ذلك من أهمية وقيمة جيوكندة اللوفر؟؟ أم يزيد من قيمة وأهمية موناليزة الارميتاج ؟؟ لا مطلقا إن اللوحتين تعودان لريشة الفنان دافنشي وما عدا ذلك تفاصيل لا تفيد الا المختصين في الفن "والراسخين في العلم" وحدهم كشهادات وثائقية، ويواصل "أيهم القاريء العادي مثلا ان كان وليم شكسبير موجودا أم منتحلا؟؟
لا أبدا فنحن نعرف هاملت وماكبث وعطيل والآخرين من أبطاله ويبقى شكسبير حيا في هذه الأعمال فقط، فما معنى الحقيقة هنا أو الانتحال"؟؟
اذن يهمنا كما يرى د. أحمد النعمان هو النتاج الفني وما يمثله.. المهم أن يستمتع الناظر بالفن (كل هذا في إطار أن مصدر اللوحتين هو فنان واحد) ولكن كذلك يبقى الا نأخذ الكلام على محلاته فأن نستمتع ونعرف قيمة ما نشاهد أفضل من مجرد الاستمتاع.
كما اللوحات الفنية والصور قد انتشر انتشارا كبيرا بين ما يطلق عليهم البعض بعصابات الفن فكيف الأمر بعد اختراع الصورة بالحاسب الآلي حيث يمكن تزييف الصورة في دقائق معدودة ودون أن تعرف الصورة الأصلية وهذا ليس في مجال الفن فقط ولكن كذلك قد يسبب مشاكل أخرى في الصور الصحفية والعلمية
يعد التصوير منذ الأزل شهادة عصرية ودليل وجود.. من هنا حاول الإنسان البدائي تسجيل آثاره وأعماله ومعاركه على جدران الكهوف.. و"تعود بداية التصوير عند ملاحظة القدماء ظاهرة ظلال الأشياء عند انعكاس الضوء عليها.. ومع تكرار الملاحظة تم اكتشاف الغرفة المظلمة (Dark room) التي ما زال الجدل قائما حول من اكتشفها فمنهم من قال إنه أرسطو ومنهم من قال قبله، كما أن البعض يشير الى العالم العربى عالم الفلك الحسن بن الهيثم. و "لا يوجد شخص واحد يمكن ان ينسب اليه اختراع الغرفة المظلمة".
ولا نريد هنا أن نخوض في إشكالية أن التصوير الفوتوغرافي فن حديث من ابتكار الأوروبيين أو هو فن قديم عرفه العرب من قبل أو ربما قبل ذلك لأنها قضية لا تسمن ولا تغني من جوع وانما لابد أن ندرك أن المعرفة البشرية هي معرفة تدرجية تراكمية ساهمت الشعوب الأولى والحضارات لبدائية في خلقها وهنا نحن نكمل المسيرة.. كما علينا أن نذكر للتاريخ فقط وحسب ما جاء في مقدمة كتاب د. عبدالفتاح رياض (آلة التصوير) (1993) ص 12، ان مخطوطات الحسن بن الهيثم لم تعرف ما فيها إلا في عام 1910 في مكتبة (The Indian office library, London ).
ونرجع للغرفة المظلمة ذلك أن المرحلة الكبرى لتاريخ التصوير بدأت مع استعمال هذه الغرفة من قبل الفنانين الإيطاليين في القرن السادس عشر حيث إن عددا كبيرا من الرسامين المشهورين قد استعملوها، من بينهم الفنان العظيم ليوناردو دافنشي الذي طور هذه الفكرة وأصبحت صندوقا به ثقب في أحد جوانبه يستخدمه الفنانون في اعداد اللوحات والرسوم.
بعد ذلك أدخلت عليه تعديلات مهمة حيث أضاف اليه (كاردوي عام 1590) العدسة البصرية. التي كانت تستخدم لاصلاح أخطاء النظر والتطوير الذي أدخل على هذا المبدأ هو ادخال الحدقة (الدايفرام).
أدى هذا التطور الى زيادة وضوح الصورة وبعد ذلك تطورت الغرفة المظلمة من حيث الحجم والقياس.. وما أن حل القرن السادس عشر إلا وأصبح الرسم بواسطة الغرفة المظلمة هواية سهلة وممتعة للمحترفين والهواة.
ونصل الى عام 1727 حيث كان العالم الألماني (يومان شولز) منهمكا بالعمل في مختبره فلاحظ عن طريق الصدفة تأثر أملاح الفضة بالضوء.. فكانت تلك البداية الفعلية للتصوير الفوتوغرافي، بالرغم أن هذا العالم لم يتمكن من أن يكتشف أي تأثير عملي لهذه الظاهرة وتوفي قبل أن يرى نتائج بحوثه.
هذه الملاحظة استحوذت على اهتمام العلماء فقاموا بدراستها وبعد نصف قرن من الجهود المضنية أمكن التوصل الى استخدام املاح الفضة في اختزال الصورة عن طريق نفس الصندوق الذي كان مستخدما لتسهيل عملية الرسم.
فشل العلماء بداية في الحصول على صورة ثابتة اذ كانت الصورة تختفي حين تتعرض للضوء.. وهكذا استمرت الأبحاث الى أن تمكن العالم (نيبس عام 1826م / من التقاط أول صورة ثابتة عرفها التاريخ استغرق التقاطها ساعات من التعريض.
توصل بعد ذلك العالم (دايجير) الى عملية تثبيت الصورة عن طريق ملح الطعام وأطلق على اكتشافه (النموذج الدايجيري) وهو عبارة عن نماذج موجبة (Positive) استطاع أن يطورها لتصبح واضحة لدرجة أن أحد الفنانين قال عندما رآها "مات الرسم اعتبارا من اليوم".
لننتقل الى مرحلة أخرى مهمة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي وذلك عندما استطاع عالم الرياضيات البريطاني (فوكس تالبوت عام 1835) من التوصل الى انتاج أول مبررة سلبية (Negative) وبذلك كانت الصورة السلبية بمثابة الرحم أو الأنثى التي تمكن الصور من التوالد الى ما لا نهاية.. فانتشر التصوير الفوتوغرافي مع حلول منتصف القرن التاسع عشر وكثر المصورون وتقنياتهم.
وفى عام 1935 تمكن العلماء من التوصل الى الفيلم الملون إلا أن الفيلم المتعارف عليه حاليا الذي يتألف من طبقات مكونة على دعامة واحدة قد طرح في الأسواق لأول مرة عام 1955 وكان تحولا جديدا في عالم التصوير الفوتوغرافي. لتتوالى بعد ذ لك العديد من الاضافات الى آلة التصوير بعد أن استقر العالم على أجزائها الرئيسية لتبدأ بعد ذلك الأجزاء الفرعية والثانوية كالفلاش والمرشحات والتطورات ا لمذهلة في امكانات التصوير الحديثة سواء بزيادة سرعات الغالق أو فتحات العدسة وما الى ذلك الى أن وصلنا الى التصوير ا لفوتوغرافي عن طريق الحاسب ا لآلي (Computer) وا لذ ي سنتحدث عنه لاحقا بشيء من التفصيل.
ثانيـا: التطــور الوظيفــي.
وتستكمل ا لمسيرة لتصبح الصورة الفوتوغرافية في كافة الخدمات التي يستفيد منها الإنسان في عالم اليوم.. فتعددت مجالات التصوير الفوتوغرافي.. وتعانق هذا المجال مع عدد كبير من ا لمجالات المختلفة.. فهناك التصوير العائلي أو الشخصي والتصوير التوثيقي والإعلامي والرياضي والفني والعلمي وتصوير الحيوانات البرية والتصوير تحت الماء وتصوير الأزياء والتصوير الجوي والتصوير التجاري.
وأصبحت الصورة في الأدب.. في العلم.. في الصحافة.. وما في ذلك من تفريعات كثيرة إلا أن ما يهمنا في هذا المقام من كل تلك المجالات الآنفة الذكر هو التصوير الفني.. ذلك أن عددا كبيرا من المجالات السابقة يمكن أن يندرج تحت مسمى "صورة فنية".
"لقد حقق التصوير أول ما ظهر الحلم الذي طالما راود الإنسان بالقبض على الزمن.. الا أن التطور السريع الذي عايشته البشرية حدا بالتصوير الى تجاوز المستوى الأول من الواقع نحو آفاق جديدة في التشكيل فإذا كانت كلمة (فوتوغراف) (Photograph) تعني في اللغة اللاتينية الكتابة بالضوء، فإن التصوير الفوتوغرافي لم يقتصر على تقليد خطوط هذه الكتابة بل أعاد صياغة أبجديتها ونظم هذه الحروف الضوئية نظما شعريا يخاطب وجدان المتلقي أكثر مما يخاطب عيونه، لتوازي في جوهرها سائر المجالات الإبداعية الأخرى كالشعر والرواية والرسم والمسرح".
ومع بداية هذا القرن قال وليم مور "ان عمل الفن هو صنع التأثير (Effect) وليس تسجيل الحقائق الوقائع (Facts)".
كانت الصورة فيما مضى مجرد أداة لنقل الواقع وتسجيله كما هو.. ولكن عندما تم التعامل مع الصورة كفن تغيرت هذه النظرة.. فلم يعد التصوير مجرد لوحة صامتة لمنظر طبيعي أو غيره، وإنما أصبحت الصورة معاناة إنسانية، فكرة تحمل مضمونا
إنسانيا وجدانيا فكريا أيا كان ا لمهم أنها لم تعد صورة جميلة فحسب.. وانما هي لوحة فكرية وجدانية تخاطبك لتتأملها وتغوص في أعماقها فتخرج مدهوشا بقدرة الفنان على الابتكار والابداع والخروج عن المألوف بأسس علمية مدروسة.. ورؤية فنية راقية.
ترى هل اختلفت وظيفة التصوير الفوتوغرافي الآن ؟؟ أعتقد ذلك.. لم تعد وظيفته مجرد نقل الواقع وانما تفتش عما يختبيء وراء الواقع بكشف أغرار الحلم.. وعيون المستقبل.. فأصبحت وظيفة الفن اجمالا الآن أشمل من الماض ر.. يقول صاحب (السيدة / الكمان ) الفنان (مان ري) "ان وظيفة الفن هي دفع المشاهد الى التأمل وليس فقط إثارة الإعجاب بالبراعة التقنيه التي يتمتع بها الفنان".
لو تأملنا أعمال انسل آدمز (Ansel Adams) (1982 -1902) وإدوراد ويستون (Edward Weston) (1883- 1976) وأموجن كننج هام (Imogen Cunningham) (- 1883 1976) وغيرهم من المصورين من الذين كانوا علامات مميزة في سماء التصوير الفوتوغرافي نجد أن الفضل يرجع لهم في تحويل التصوير من مجرد واقع تسجيلي الى فن بكل ما تحمله كلمة "فن" من معان.. حيث معهم بدأ التصوير الفوتوغرافي يتخطى حواجز الواقعية التسجيلية ليكون لفة الصورة الرومانسية الحالمة عندما تم التعامل معه على شكل فن جميل.
وعندما تقرأ كتاب (الفن والحياة ) (Art & Life) تدرك تماما ذلك التحول بعد أن نظر المصور الى الصورة على أساس الفن.. "يسير كل من ويسترن وانسل آدمز بقوة نحو العمق ليمسك اللقطة الفنية من أجل مهمة الفن".
إذن مخاطبة اللوحة.. الوقوف أمامها.. محاولة مخاطبة ما وراء الصورة ومتابعة مساراتها الدقيقة.. تني ما تبقى من جمال روحي في عقلك بعد أن طفت مشاغل الحياة المادية على الجزء الأكبر منه فتأتي الصورة لقض ء جانبا آخر مهما منه.
ولا شك نحن لانختلف على أن الناس مختلفون في رؤيتهم للأشياء حيث "لا يستطيع شخصان أن يكونا نفس الفكرة تماما عن شيء واحد".
وهنا مكمن جمال الصورة وما تحمله من مضامين تعبر عن هواجس مختلفة وهموم شتى.. تداعب أحلاما قديمة عند هذا وتراود طموحات مستقبلية عند ذاك.. ترسم صورة بائسة قاتمة.. وتلامس أفكارا حالمة.. لماذا كل هذا؟ لأن التصوير فن وليس نقلا.. و"هناك من المصورين من هم مثقفون حتى أطراف، أصابعهم.. يهمهم التعبير عن الأعماق وكوامن الأمور.. يسيرون في أعماقهم الى ملامسة العقل اللاواعي والغوص عميقا في تخوم الحلم والمناطق المظلمة".
فالمصور يبقى في النهاية انسانا.. يهمه التعبير كذلك عن الواقع.. ولكن برؤية فنية.. حتى لو أخذنا في ذلك أقرب مجالات التصوير للواقعية وهو التصوير الوثائقي لابد من الغوص في الأعماق لابراز حادث معين أو التوثيق لمرحلة معينة لتعميق الأثر ولتبقى ذكرى لا تنسى.
فمثلا عندما تتأمل صورة اعدام الجندي الفيتنامي الشهيرة والتي التقطها ايدي آدمس (Eddi Adms) عام 1968 وحصل على جائزة بولبيتزر ترى هذه الصورة وأنت متأهب لسماع الطلقة النارية من مسدس الضابط الفيتنامي.
الأمر نفسه في تصوير (البورتريه) حيث لابد من الغوص في المناطق المظلمة في الشخصية التي تود تصويرها.. تعبر بصدق عن نفسية هذه الشخصية بملامحها الدقيقة وما تصاحب الصورة من إضافات.. من منا مثلا لا يتذكر صورة (تشرشل) والتي جاءت بعنوان (What, No cigar) التي التقطها مصور البورتريه الشهير "يوسف كارش Karsh عام 1941_ تأمل جيدا هذه الصورة تجد أنها تعبر عن ملامح تلك المرحلة في ظل الحرب والعنف والدمار. رغم ان المصور التقط له صورة أخرى (بسيجارته هذه المرة ) كما أراد ولكن لم يكتب لها البقاء وظلت هذه الصورة (بدون سيجارة) هي الأقوى والأكثر عمقا.
هكذا أصبح التصوير الفوتوغرافي عندما تم التعامل معه على أساس الفن وما أجمل ما يقوله ماكلين (Mccullin) " المصور يجب أن يكون إنسانا متواضعا صابرا مستعدا للمزيد من المتابعة.. اذا كنت وحيدا انتظر السعادة أو الخجل أو حتى الموت وليس أحد بجانبي يمكن أن يكون عندي عدة اختيارات وأحدها أن أكون مصورا للآخرين ولكن ما أحاول أن أصل اليه هو أن أكون إنسانا".
رأينا أن التطور في الوظيفة نابع من التطورات البشرية العامة والاهتمامات الإنسانية الشاملة.. الاهتمام بالمعاني وليس مجرد السطحيات الجمالية فقط.. فتصوير لقطة واحدة ذات معنى أفضل من مئات الصور بلا معنى.. فالصورة لم تعد مجرد نقل للواقع وانما هي البحث عما يختبيء.. وراءه... وما هذا التطور إلا نتاج للتطورات في الفنون الأخرى كالأدب شعرا أو نثرا والرسم والمسرح وغيرهما.. وكم من المصورين هم شعراء أو مسرحيون أو كتاب قصة وسينمائيون..
بل كم من لوحة تم التعبير عنها بلفة الشعر والعكس صحيح.. فالحس الفني والروح الشاعرة رابط أساسي يجمع الفنان بالأديب فيصبحان في معقل واحد.
"في الحلم..
خرجت القروية التي تحمل العب ء..
وبدأت تحدثني عن أوجاعها..
أسمع هذه الصورة
قريبة مني..
قريبة كحبل الوريد..
اعرفها بدمي".
هذه المقاطع للفنان والمصور العربي المعروف مراد الداغستاني - رحمه الله – وهو يخاطب اللوحة.. لتولد من رحم المعاناة.. ومن منبع الألم.. فتستقر في مصب وجداني.. لهذا الإنسان الواقف أمام هذه اللوحة.. متأملا مقاطعها.. "فعندما تنظر الى الصورة عليك أن تتعلم كيف تتخيل.. لترى ما وراء الصورة".
و"يعتمد نجاح المصور على كيفية تمكنه من اجتياز المصاعب والتعبير عن الوقت بالاتصال والأفكار والحقائق والآراء والطموحات في صورة موضوعية".
ثالثـا: التطـور التقنــي.
في تقديمه لكتاب (التطور الفوتوغرافي وتكنولوجيا المعلومات) للكاتب محمود الشجيع يسمى الدكتور محمد عبدالخالق مدكور هذا العصر بعصر "ثورة المعلومات وانفجار الذكاء" وأخاله موفقا الى حد بعيد في تسميته هذه.. فهذا العصر بحق ثورة عظيمة في المعلومات المتلاحقة سببها انفجار الذكاء لدى العقل البشري حتى أمسى يركض لاهثا فيما صنع ليتداركه قبل أن يدركه.. فأصبح في قلق دائم وتفكير مستمرين بل وانتاج أكثر.
وقد عبرت الصورة الفوتوغرافية منذ القدم وخاصة بعد الاكتشافات العلمية، عن النتاجات البشرية بشكل كبير.. وقدمت للإنسانية خدمات جليلة.. بل أصبح التصوير الفوتوغرافي علما دقيقا يدرس في الجامعات والمعاهد العليا على اختلافه وأنواعه بالطبع.. فهناك التصوير الصحفي والتصوير الطبي والتصوير الفضائي والفلكي والتصوير الجنائي والتصوير بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء.. الخ.
ومع كل تطور يتبعه تطور آخر ومسايرة أخرى في التصوير الفوتوغرافي.. ونحن هنا لسنا بصدد ذكر ما قدمته الصورة في مجال العلم لأنها أكثر بكثير من أن تذكر أو تحصى.. ولأنها كذلك "نار على علم" شاخصة للعيان في كل يوم بل وربما في كل لحظة تدرك ذلك، وانما هنا نحاول التركيز على تطور الصورة الفوتوغرافية في مجال العلم في الماضي والحاضر والمستقبل.. فقد كانت الصورة دائما ناقلا للأحداث والمكتشفات العلمية.. ومع هذه التطورات يتطور التصوير ويذهب في العمق بعيدا.. هكذا عبرت الصورة عن العلم وحتى وقت قريب !!
فحتى وقت قريب كان الهدف من الصورة وخاصة في المجالات العلمية هو نقل الواقع كما هو دون تغيير أو تبديل حتى يمكن للعلماء متابعة مساراتهم ومكتشفاتهم.
كل ذلك كما قلنا حتى وقت قريب.. اذن حدث شي ء ما قلب هذه الموازين، نعم هو كذلك حيث أصبح بامكان المصور الآن أن يتحكم في الصورة التي التقطها ليغير فيها ما يشاء!! حدث هذا بعد اختراع ما يسمى "بالتصوير الرقمي" فالفيلم هنا ما هو الا اسطوانة صغيرة(Disk) بعد أن تلتقط الصورة ما عليك الا أن تدخلها في جهاز الحاسب الآلي لتجري عليها ما تشاء من معالجة.. وقد أثار هذا الإختراع الجديد العديد من القضايا النقاشية خاصة في مجالات العلم والصحافة والفن التشكيلي كما سنرى فيما بعد هذه ليست خدعة من خد عات الـ (Camera Obscura) وانما هي حقيقة باتت تؤرق العديد من الفنانين والنقاد حول مستقبل التصوير الفوتوغرافي.. حيث شكلت ثورة علمية هي نتاج انفجار الذكاء الذي سبق الحديث عنه.
وفي مجال العلم بدأ الشك يساور العلماء حول حقيقة الصورة بعد اختراع "المعالجة الرقمية" حيث يقول (J. W. Matchel) في كتابه (إعادة تشكيل ما يرى.. الحقيقة المرئية في عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي) "نشهد اليوم ازدياد تكاثر تقنية التصوير الرقمي. وقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من أن تكون معظم الصور التي نراها في حياتنا اليومية والتي تكون فهمنا للعالم ومعرفتنا به مسجلة ومنتشرة ومعالجة بالتقنية الرقمية ".
ويقول في موضع أخر "ان ظهور التصوير الرقمي اجبرنا جميعا على أن نكون حذرين جدا ويقظين عقليا وعاطفيا في تفسيراتنا لما نرى.. وسوف يؤدي التطور السريع للمعلوماتية الى فيض متزايد من المعلومات المرئية الرقمية.. وما علينا الا أن نعني كثيرا بتمحيص الأمور والتمييز بين الحقيقي والمزيف منها".
أما الصورة في الصحافة فلم تعد عمليات الفوتومونتاج (Photomontage) كما كان يعتقد الاستاذ محمود علم الدين _ (وهى عمليات القص والتركيب ) هي أخطر عمليات تغيير ملامح الصورة بغية تغير فكرة أساسية قائمة أو تعديلها أو الغائها واحلال أخرى مكانها.
بل أن العمليات القديمة في غرف المونتاج والتصوير بالصحف من قص وتركيب وتحكم في الصورة عن طريق التحميض والطبع والقطع أصبحت مجرد أشكال قديمة.. ولم تعد العمليات التي تعلمناها من كتاب (New Dimensions inPhoto Imaging by lura Black Low) لم تعد هذه العمليات أفضل العمليات بل أصبحت أشكالا قديمة حيث "يمكن أن تصبح المعالجة الرقمية لصور الصحف شكلا جديدا للتزييف".
وهو أمر جد خطير بلا شك.. انطلاقا من العلاقات الشخصية وسيرا بالعلاقات الدولية بين الأمم والشعوب.. فعن طريق المعالجة الرقمية يمكنك أن تقدم رجلا على أخر رغم أنهما كانا معا.. أو أن يظهرا انهما على خلاف رغم أنهما على وفاق.. ناهيك عن قدرة المصور في التلاعب بالملامح والحركات.. فهل وصلنا حقا كما يقول (J. W. Metchel) الى عصر ما بعد التصوير الفوتوغرافي ؟
رابعـا: جــوانب هامــة للنقــــــاش
أ. علاقـة التصويـر الفوتـوغـرافـي بالفـن التشكيلـي!!
هناك علاقة وثيقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي حيث يمكن القول أن التصوير الفوتوغرافي خرج من رحم الفن التشكيلي.. بل إننا يمكن أن نطلق على التصوير الفوتوغرافي (بالابن العاق) ذلك أننا وحسب ما تطرقنا اليه في التطور التاريخي لآلة التصوير وجدنا أن من ساهم في اختراع وتطور الغرفة ا لمظلمة (Dark Room) هم الرسامون وقد كانوا يستخدمونها لتسهل لهم عملية الرسم.. فالتشكيل اذن هو سبب ظهور الكاميرا!!
وبعد فترات من الزمن متلاحقة أصبح فن التصوير الفوتوغرافي منافسا حقيقيا للرسم.. "ففي العالم الحديث حل التصوير الفوتوغرافي محل التصوير الزيتي والرسم كوسيلة أساسية لالتقاط الصور، التقاط صور دونوا حاجة الى مهارة الرسم".
فأصبح بالإمكان تصوير المشاهد وخاصة المناظر الطبيعية (Landscape) بسهولة كبيرة وفي وقت يسير والأكثر من ذلك أن آلة التصوير ترسم معالم الأشياء بحذافيرها.. وبالتالي أصبحت آلات المصورين منافسا قويا لأدوات الرسامين وخاصة من أصحاب المدرسة الانطباعية والواقعية.
بعد ذلك ظهرت مدارس أخرى في الفن التشكيلي ويرى البعض أن التصوير الفوتوغرافي سبب رئيسي في ظهور بعض المدارس الفنية كالتجريدية والسريالية، وذلك هروبا من منافسة المصورين فآلة التصوير كانت لا تستطيع أن تلتقط الا ما ترده أمامها.
ولكن مع ذلك.. وبعد التطورات الرهيبة التي حدثت في مجال التصوير الفوتوغرافي سواء في أجهزة الآلة أو الأفلام دخل المصور (الفنان) منافسا قويا من جديد حتى مع أصحاب المدارس الحديثة في الفن.. فمن خلال آلة التصوير وجهاز الحاسب الآلي (Computer) وبمهارة الإنسان الفنان يمكنك أن تلتقط صورة تجريدية أو سريالية بل إن البعض لا يمكن أن يفرق فيما يرده ما إذا كانت لوحة مرسومة أو صورة فوتوغرافية.. فالمعايير تداخلت الى حد كبير كما هو الحال بين الأجناس الأدبية.. والتطور المتلاحق ما زال مستمرا في عالم التصوير الفوتوغرافي.. فبعد اكتشاف التصوير الرقمي عبر الحاسب الآلي أصبح بالإمكان التلاعب بالصورة وكأنها رسمة فتغير فيها ما تشاء.
ولكن يبقى سؤال ملح وهو.. هل يمكن القول إننا في القرن القادم يمكن أن نستغني عن الرسم بالفرشاة والألوان ما دمنا وجدنا البديل في التصوير الفوتوغرافي ؟ خاصة إذا كان يحقق لنا نفس سؤال قد يكون سابقا لأوانه ولكن بالتأكيد يحتاج الى وقفة ومناقشة. فهناك من يرى في أدواته البسيطة كالفرشاة والألوان قمة الإبداع وحتى في الوقت الذي يستغرقه لصنع اللوحة من رحم الألم والمعاناة.. ولا يستطيع أي جهاز مهما كان أن يتحداه "ها أنا أتحدى الكمبيوتر" اتحداه بما تملكه أدواتي البدائية البسيطة من قدرة على الحركة وتفجر الحياة".
إلا أن البعض الآخر يجد في آلة التصوير وفي جهاز الكمبيوتر ما هو أفضل من الفرشاة والألوان ويمكن أن يحصل عل نتائج أفضل وفي وقت أيسر وابداع أكبر.
ولكن من وجهة نظري البسيطة أرى أن كلا من الرسم والتصوير الفوتوغرافي جزءين مكملين لبعضهما.. فبعد أن كان أحدهما ابنا للآخر أصبحا توأما يدخلان تحت جناح الأب الأكبر ( الفن ).. فليعبر كل بطريقه لكن المهم أن يكون المولود فنا.
ب.قد يتساءل البعض بعد كل هذه التطورات.. أين يقف البدع ؟
فكما لاحظنا من خلال حديثنا عن التطورات التقنية الرهيبة في أجهزة التصوير الفوتوغرافي ومن خلال مناقشتنا لقضية التشكيل والتصوير نجد أن تداخلا كبيرا قد يحدث بين الغث والثمين.. فصورة يمكن التقاطها في خمس دقائق مع وتوش الآلة أو الحاسب الآلي قد تكون لافتة للأنظار لروعتها.. وأخرى وبعد عناء ومشقة ربما استمر لسنوات من أجل أن تظهر بشكل يعبر عن فكرة معينة وموضوع معين بقوة قد تكون بنفس القوة وربما أقل من الصورة الماضية !
في هاتين الحالتين كيف نفرق ؟ وكيف يكون تقييم الفن مستقبلا؟ وكيف يمكن للنقاد أن يميزوا بين هذه وتلك ؟
أسئلة لا زالت تلح على الأذهان بقلق.. الا أن البعض يرى أن الصورة العظيمة تعبر عن نفسها، المهم كيف تستطيع أن تخلق صورة لا يمكن لأحد غيرك أن يأتي بمثلها.
فالمصور دائما ينتقل من تحد الى آخر، ويخشى البعض من عدم تمكنهم من إتيان الجديد ذلك أن كل ما شاهده قد تم تصويره الا أن (هلن روجرز Helen Rogers) يقول "هذا لا يقلقني لأن كل صورة بالنسبة لي تحكي قصة وليست مجرد صورة منظر أشاهده أمامي".
فالمبدع دائما يلقى الجديد.. يعصر فكره بقلق ومعاناة من أجل فكرة أو معلومة فالمبدع.. "المبدع هو الذي يعود الى محاورة الأرض.. بعد أن تملى السماء طويلا طريقه الى الأرض هو طريقه الى السؤال قد لا يجد جوابا لكن أليس البحث جوابا ؟ أليس البحث اقترابا ؟
جـ. بين الحقيقة والتزييف !!
من القضايا المطروحة وبشدة هي كيف نميز بين الصورة الحقيقية والأخرى المزيفة ؟ ولكن هل هذا يهمنا أو حتى يخدم الفن.. لنقرأ ما كتبه د. أحمد النعمان في مقال بعنوان (سلفا دور دالي في موسكو، معرض دالي بلا حدود)
نشره في مجلة المدى وهي مجلة فصلية ثقافية يقول: "قرأت وأنا غارق في كتابة هذا الموضوع مقالا يعتبر من النقد العلمي للفن التشكيلي مفاده >>... أن جيوكندة ليوناردو دافنشي المحفوظة في متحف اللوفر هي ليست عن موناليزة فيما تحفظ لوحة ليوناردو دافنشي التي رسمها عن الموديل موناليزة في متحف الارميتاج في سانت بيترس بورغ (ليننغراد سابقا)!!
وماذا في ذلك ان كان هذا الرأي خطأ أم صوابا؟؟ أيقلل ذلك من أهمية وقيمة جيوكندة اللوفر؟؟ أم يزيد من قيمة وأهمية موناليزة الارميتاج ؟؟ لا مطلقا إن اللوحتين تعودان لريشة الفنان دافنشي وما عدا ذلك تفاصيل لا تفيد الا المختصين في الفن "والراسخين في العلم" وحدهم كشهادات وثائقية، ويواصل "أيهم القاريء العادي مثلا ان كان وليم شكسبير موجودا أم منتحلا؟؟
لا أبدا فنحن نعرف هاملت وماكبث وعطيل والآخرين من أبطاله ويبقى شكسبير حيا في هذه الأعمال فقط، فما معنى الحقيقة هنا أو الانتحال"؟؟
اذن يهمنا كما يرى د. أحمد النعمان هو النتاج الفني وما يمثله.. المهم أن يستمتع الناظر بالفن (كل هذا في إطار أن مصدر اللوحتين هو فنان واحد) ولكن كذلك يبقى الا نأخذ الكلام على محلاته فأن نستمتع ونعرف قيمة ما نشاهد أفضل من مجرد الاستمتاع.
كما اللوحات الفنية والصور قد انتشر انتشارا كبيرا بين ما يطلق عليهم البعض بعصابات الفن فكيف الأمر بعد اختراع الصورة بالحاسب الآلي حيث يمكن تزييف الصورة في دقائق معدودة ودون أن تعرف الصورة الأصلية وهذا ليس في مجال الفن فقط ولكن كذلك قد يسبب مشاكل أخرى في الصور الصحفية والعلمية
المـراجـــــــع
1- كتاب التصوير الضوئي... آفاق الماضي.. ومؤشرات المستقبل لعبدالمنعم الحسني معيد بجامعة السلطان قابوس ومصور عماني.
2- نجمان ياسين في تقديمه لكتاب "مراد الداغستاني.. جدل الإنسان والطبيعة".
3- محمد ناصيف، الآلات التصوير (السلسلة العلمية المبسطة ).
4 - انظر كتاب International Centre of Photography, Encyclopdia of Photography, (1984). P. G. 362.
5- Heyman, Therese T. (1992). Seeing stright the F. G4 revolution in photography. California: The Oakland museum. (pg. 20)
6- (السيدة / الكمان) واحدة من أشهر الصور للفنان العالمي (مان ري) بيعت بمبلغ 60 الف جنيه.
7- مجلة الشرق الأوسط.. العدد (454)، مقال بعنوان: مان ري، البحث عن الشعر في العقل الباطن.. ص 34.
8- Art and life (p29)
9-Terry Hope (50 Photos that shook the world) (pg.92)
10- المقال نفسه من مجلة الشرق الأوسط، ص 34.
11- Mecllin in (Documentary photography) pg. 145
12- من كتاب نجمان ياسين.. المرجع نفسه وعي عبارة عن مقاطع للفنان مراد الداغسستاني.. ص 13.
13- Corl Vandermetein in (Photography for Student Publitions) pg. 10
14- Arter Rothsetein in (Words and Pictures) Famouse نقلا عن Fanouse Photograph Magazine, iv, No. 15, 1971 (Photography, The Universal Language)
15- كتاب عبد الفتاح رياض.. آلة التصوير ص 12-13.
16- مجلة العلوم.. (الترجمة العربية لمجلة ساينتيفيك امريكان) من مقال بعنوان (متى نصدق مانرى)، المجلد (11)، العدد الثالث، مارس (1995) ص 904.
17- ناقش ذلك في كتابه (الصور الفوتوغرافية في مجال الأعلام) الفصل الثامن، (آلة التصوير.. قد تكذب احيانا)، ص 62.
18- مجلة العلوم.. مصدر سابق ص 5.
19- بهجة المعرفة.. موسوعة علمية مصورة، المجموعة الأولى (الأدارة والآلة) ص 302.
20- نشرة صورة في مجلة الشرق الأوسط بعنوان (فينوس تقبل القمر) للمصور سلفر ايماج.. العدد 463 (10-16 مايو 1995) ص43 هذه الصورة كأنها ريشة رسام وليست عدسة فنان)
21- للأستزادة انظر مقال بعنوان:MAC MESSAIH Photography’s Second coming by James Brey, في مجلة Petergon’s ) April, 1993 P.g. 63-65
22- محمود الهندي في مقالة بعنوان (الفنان والكومبيوتر)، جاء في مجلة أدب ونقد.. العدد 117 مايو 1995، ص142
23- من مقال بعنوان (The chalenge of the New) جاء في كتاب (Helen Rogers) بعنوان Freelance Travel Photography
24- سعدي يوسف.. في افتتاحية مجلة المدى والذي جاء بعنوان: (قرطبة بعيدة قرطبة وحيدة) العدد التاسع (1-3/1995).
25- "مجلة المدى" العدد السابق، ص 142.
26- Federation International De LArt Photographique.
27- خليفة اسماعيل. (1991). عوامل اتساق العلاقة الترابطية بين الهيئات والأشكال في اللوحة الزخرفية المتعددة الأسطح (رسالة دكتوراه) حلوان (جمهورية مصر العربية) جامعة حلوان.
28- Henny, Richard J. (1986). Controls in black and white photography. Boston/Mass: focal press.
29- Heyman, Therese T. (1992) Seeing stright the F. G4 revolution in photography. California: The Oakland museum.
30- Lang ford, M. (1982). The complete encyclopedia of Photography. London: Ebury press.
31- One day for life, photography by the people of Britain, taken on a single day with a foreward by HKH the Duchess of York, (1988). London: guild London
[/FONT]1- كتاب التصوير الضوئي... آفاق الماضي.. ومؤشرات المستقبل لعبدالمنعم الحسني معيد بجامعة السلطان قابوس ومصور عماني.
2- نجمان ياسين في تقديمه لكتاب "مراد الداغستاني.. جدل الإنسان والطبيعة".
3- محمد ناصيف، الآلات التصوير (السلسلة العلمية المبسطة ).
4 - انظر كتاب International Centre of Photography, Encyclopdia of Photography, (1984). P. G. 362.
5- Heyman, Therese T. (1992). Seeing stright the F. G4 revolution in photography. California: The Oakland museum. (pg. 20)
6- (السيدة / الكمان) واحدة من أشهر الصور للفنان العالمي (مان ري) بيعت بمبلغ 60 الف جنيه.
7- مجلة الشرق الأوسط.. العدد (454)، مقال بعنوان: مان ري، البحث عن الشعر في العقل الباطن.. ص 34.
8- Art and life (p29)
9-Terry Hope (50 Photos that shook the world) (pg.92)
10- المقال نفسه من مجلة الشرق الأوسط، ص 34.
11- Mecllin in (Documentary photography) pg. 145
12- من كتاب نجمان ياسين.. المرجع نفسه وعي عبارة عن مقاطع للفنان مراد الداغسستاني.. ص 13.
13- Corl Vandermetein in (Photography for Student Publitions) pg. 10
14- Arter Rothsetein in (Words and Pictures) Famouse نقلا عن Fanouse Photograph Magazine, iv, No. 15, 1971 (Photography, The Universal Language)
15- كتاب عبد الفتاح رياض.. آلة التصوير ص 12-13.
16- مجلة العلوم.. (الترجمة العربية لمجلة ساينتيفيك امريكان) من مقال بعنوان (متى نصدق مانرى)، المجلد (11)، العدد الثالث، مارس (1995) ص 904.
17- ناقش ذلك في كتابه (الصور الفوتوغرافية في مجال الأعلام) الفصل الثامن، (آلة التصوير.. قد تكذب احيانا)، ص 62.
18- مجلة العلوم.. مصدر سابق ص 5.
19- بهجة المعرفة.. موسوعة علمية مصورة، المجموعة الأولى (الأدارة والآلة) ص 302.
20- نشرة صورة في مجلة الشرق الأوسط بعنوان (فينوس تقبل القمر) للمصور سلفر ايماج.. العدد 463 (10-16 مايو 1995) ص43 هذه الصورة كأنها ريشة رسام وليست عدسة فنان)
21- للأستزادة انظر مقال بعنوان:MAC MESSAIH Photography’s Second coming by James Brey, في مجلة Petergon’s ) April, 1993 P.g. 63-65
22- محمود الهندي في مقالة بعنوان (الفنان والكومبيوتر)، جاء في مجلة أدب ونقد.. العدد 117 مايو 1995، ص142
23- من مقال بعنوان (The chalenge of the New) جاء في كتاب (Helen Rogers) بعنوان Freelance Travel Photography
24- سعدي يوسف.. في افتتاحية مجلة المدى والذي جاء بعنوان: (قرطبة بعيدة قرطبة وحيدة) العدد التاسع (1-3/1995).
25- "مجلة المدى" العدد السابق، ص 142.
26- Federation International De LArt Photographique.
27- خليفة اسماعيل. (1991). عوامل اتساق العلاقة الترابطية بين الهيئات والأشكال في اللوحة الزخرفية المتعددة الأسطح (رسالة دكتوراه) حلوان (جمهورية مصر العربية) جامعة حلوان.
28- Henny, Richard J. (1986). Controls in black and white photography. Boston/Mass: focal press.
29- Heyman, Therese T. (1992) Seeing stright the F. G4 revolution in photography. California: The Oakland museum.
30- Lang ford, M. (1982). The complete encyclopedia of Photography. London: Ebury press.
31- One day for life, photography by the people of Britain, taken on a single day with a foreward by HKH the Duchess of York, (1988). London: guild London
[FONT=Arial]بســـم اللــــه الـرحمـــن الـرحيــــم
الســلام عليـكـــم ورحمـــه اللـــــه وبركاتــــــه
مرحبـاً بكل مبدعيـن ومحترفـي التصويـر
تحيـــه عطـره لكــم جميعــاً إخـوتـي رواد القســـم,,,
[COLOR=red]مبـــــــــارك عليكــــــم الشهــــــــر
✖ معلـومات , دروس , مكتبـــة التـصويـــــر الفــوتــوغرافي
المـقـدمــــة
الخلود.. من بين بساطة اللفظ وعمق الدلالة.. نرقص على ايقاع الكلمة.. فتهزنا من الأعماق.. لتتولد لفة عالمية أخرى غير الموسيقى.. لفة في إطار.. الصورة الفوتوغرافية فالخلود هو أبسط تعبير عن الفن الحقيقي قديما وحاضرا.. سواء في الهدف والغاية.. أو النتيجة المتوقعة لهذا الفن بمعناه الشامل.. "فالفن الحقيقي يمتلك القدرة على قهر الموت".الســلام عليـكـــم ورحمـــه اللـــــه وبركاتــــــه
مرحبـاً بكل مبدعيـن ومحترفـي التصويـر
تحيـــه عطـره لكــم جميعــاً إخـوتـي رواد القســـم,,,
[COLOR=red]مبـــــــــارك عليكــــــم الشهــــــــر
✖ معلـومات , دروس , مكتبـــة التـصويـــــر الفــوتــوغرافي
المـقـدمــــة
وهنا نتحدث عن فن خالد خلود البشرية.. من عصر جلجامش والحضارات البدائية الأولى..الى عصر الصورة بالحاسب الآلي اليوم.. ولا ندري ماذا يخبيء لنا المستقبل من الأسرار.
تعتبر الصورة إحدى الركائز الأساسية للغة غير اللفظية، فهي تشكل موضع توتر بين الفضاء والزمن: الفضاء الفيزيائي ذي البعدين أو الثلاثة أبعاد، والفضاء الذهني ذي البعد المجهول إنها شذرات من المكان والزمان، اعتقال لحظة أو فعل قصد تخليده، إنها لحظة الفعل "فعل الرؤية" أو التفكير أو الحلم أو الألم.
والصورة الفوتوغرافية هي تسجيل حي وواقعي وتاريخي للحياة العابرة فما يسجل في لحظة قد يكون خالدا إلى فترة من الزمن وقد يكون دليلا وشاهدا على العديد من الأحداث التي تمر بسرعة البرق ولايمكن للذاكرة أن تعود بتفاصيلها كما تفعل عدسة المصور الذي يتمتع بخاصية العين الثالثة وهى الكاميرا ليصطاد اللحظات من الزمن ليوثقها فوق الشريط الفيلمي زماناومكانا.
لقد أصبحت للصورة الفوتوغرافية اليوم لغتها وبلاغتها وأساليبها الفنية ومقوماتها الجمالية، ومع هذا فإن فاعليتها رهينة رؤية المبدع وقدرته على توظيفها توظيفا خلاقا، أي أنها تبقى مقترنة بالذوق والشعور والخيال والوجدان وأشكال الإحساس والتعبير.
يعتبر التصوير الضوئي اليوم واحدا من أهم الفنون ، وبدأ منذ زمن طويل في تشكيل قاسما مشتركا مع العديد من التخصصات إن لم تكن جميعها، فالتصوير الضوئي هو العامل المساعد على تحقيق أهداف العديد من المهن والوظائف والتخصصات ،ويلعب دورا فاعلا في كشف الحقائق والإثباتات والوصول الى الدلائل ..
باختصار شديد يعتبر التصوير الضوئي في عصرنا هذا الحل الأمثل لتحقيق الغايات وايصال الرسائل والرؤى والأفكار.. ويعتبر التصوير سلاحا ذو حدين، فإما ان تحسن استخدامه بمحافظتك على أخلاقياته ، وإما ان تسيء استخدامه فيذهب بك الى مالا تحمد عقباه.. نسأل الله ان ينفعنا بهذا العلم ونسخره في خدمة مجتمعاتنا واوطاننا..
ولكي نصل إلى الأهداف النبيله من هذا الفن ، ينبغي علينا الإلمام به وبتقنياته وأساسياته ، حتى يصبح إستخدامنا له مبني على أسس صحيحه وعلميه مدروسه ، ولا ينبغي أن نعتمد على الصدف عند ممارسته..
[SIZE=2]
[RIGHT]
[FONT=Arial][B][SIZE=2]أولا: التصويـــر التاريخـــي.
يعد التصوير منذ الأزل شهادة عصرية ودليل وجود.. من هنا حاول الإنسان البدائي تسجيل آثاره وأعماله ومعاركه على جدران الكهوف.. و"تعود بداية التصوير عند ملاحظة القدماء ظاهرة ظلال الأشياء عند انعكاس الضوء عليها.. ومع تكرار الملاحظة تم اكتشاف الغرفة المظلمة (Dark room) التي ما زال الجدل قائما حول من اكتشفها فمنهم من قال إنه أرسطو ومنهم من قال قبله، كما أن البعض يشير الى العالم العربى عالم الفلك الحسن بن الهيثم. و "لا يوجد شخص واحد يمكن ان ينسب اليه اختراع الغرفة المظلمة".
ولا نريد هنا أن نخوض في إشكالية أن التصوير الفوتوغرافي فن حديث من ابتكار الأوروبيين أو هو فن قديم عرفه العرب من قبل أو ربما قبل ذلك لأنها قضية لا تسمن ولا تغني من جوع وانما لابد أن ندرك أن المعرفة البشرية هي معرفة تدرجية تراكمية ساهمت الشعوب الأولى والحضارات لبدائية في خلقها وهنا نحن نكمل المسيرة.. كما علينا أن نذكر للتاريخ فقط وحسب ما جاء في مقدمة كتاب د. عبدالفتاح رياض (آلة التصوير) (1993) ص 12، ان مخطوطات الحسن بن الهيثم لم تعرف ما فيها إلا في عام 1910 في مكتبة (The Indian office library, London ).
ونرجع للغرفة المظلمة ذلك أن المرحلة الكبرى لتاريخ التصوير بدأت مع استعمال هذه الغرفة من قبل الفنانين الإيطاليين في القرن السادس عشر حيث إن عددا كبيرا من الرسامين المشهورين قد استعملوها، من بينهم الفنان العظيم ليوناردو دافنشي الذي طور هذه الفكرة وأصبحت صندوقا به ثقب في أحد جوانبه يستخدمه الفنانون في اعداد اللوحات والرسوم.
بعد ذلك أدخلت عليه تعديلات مهمة حيث أضاف اليه (كاردوي عام 1590) العدسة البصرية. التي كانت تستخدم لاصلاح أخطاء النظر والتطوير الذي أدخل على هذا المبدأ هو ادخال الحدقة (الدايفرام).
أدى هذا التطور الى زيادة وضوح الصورة وبعد ذلك تطورت الغرفة المظلمة من حيث الحجم والقياس.. وما أن حل القرن السادس عشر إلا وأصبح الرسم بواسطة الغرفة المظلمة هواية سهلة وممتعة للمحترفين والهواة.
ونصل الى عام 1727 حيث كان العالم الألماني (يومان شولز) منهمكا بالعمل في مختبره فلاحظ عن طريق الصدفة تأثر أملاح الفضة بالضوء.. فكانت تلك البداية الفعلية للتصوير الفوتوغرافي، بالرغم أن هذا العالم لم يتمكن من أن يكتشف أي تأثير عملي لهذه الظاهرة وتوفي قبل أن يرى نتائج بحوثه.
هذه الملاحظة استحوذت على اهتمام العلماء فقاموا بدراستها وبعد نصف قرن من الجهود المضنية أمكن التوصل الى استخدام املاح الفضة في اختزال الصورة عن طريق نفس الصندوق الذي كان مستخدما لتسهيل عملية الرسم.
فشل العلماء بداية في الحصول على صورة ثابتة اذ كانت الصورة تختفي حين تتعرض للضوء.. وهكذا استمرت الأبحاث الى أن تمكن العالم (نيبس عام 1826م / من التقاط أول صورة ثابتة عرفها التاريخ استغرق التقاطها ساعات من التعريض.
توصل بعد ذلك العالم (دايجير) الى عملية تثبيت الصورة عن طريق ملح الطعام وأطلق على اكتشافه (النموذج الدايجيري) وهو عبارة عن نماذج موجبة (Positive) استطاع أن يطورها لتصبح واضحة لدرجة أن أحد الفنانين قال عندما رآها "مات الرسم اعتبارا من اليوم".
لننتقل الى مرحلة أخرى مهمة في تاريخ التصوير الفوتوغرافي وذلك عندما استطاع عالم الرياضيات البريطاني (فوكس تالبوت عام 1835) من التوصل الى انتاج أول مبررة سلبية (Negative) وبذلك كانت الصورة السلبية بمثابة الرحم أو الأنثى التي تمكن الصور من التوالد الى ما لا نهاية.. فانتشر التصوير الفوتوغرافي مع حلول منتصف القرن التاسع عشر وكثر المصورون وتقنياتهم.
وفى عام 1935 تمكن العلماء من التوصل الى الفيلم الملون إلا أن الفيلم المتعارف عليه حاليا الذي يتألف من طبقات مكونة على دعامة واحدة قد طرح في الأسواق لأول مرة عام 1955 وكان تحولا جديدا في عالم التصوير الفوتوغرافي. لتتوالى بعد ذ لك العديد من الاضافات الى آلة التصوير بعد أن استقر العالم على أجزائها الرئيسية لتبدأ بعد ذلك الأجزاء الفرعية والثانوية كالفلاش والمرشحات والتطورات ا لمذهلة في امكانات التصوير الحديثة سواء بزيادة سرعات الغالق أو فتحات العدسة وما الى ذلك الى أن وصلنا الى التصوير ا لفوتوغرافي عن طريق الحاسب ا لآلي (Computer) وا لذ ي سنتحدث عنه لاحقا بشيء من التفصيل.
ثانيـا: التطــور الوظيفــي.
وتستكمل ا لمسيرة لتصبح الصورة الفوتوغرافية في كافة الخدمات التي يستفيد منها الإنسان في عالم اليوم.. فتعددت مجالات التصوير الفوتوغرافي.. وتعانق هذا المجال مع عدد كبير من ا لمجالات المختلفة.. فهناك التصوير العائلي أو الشخصي والتصوير التوثيقي والإعلامي والرياضي والفني والعلمي وتصوير الحيوانات البرية والتصوير تحت الماء وتصوير الأزياء والتصوير الجوي والتصوير التجاري.
وأصبحت الصورة في الأدب.. في العلم.. في الصحافة.. وما في ذلك من تفريعات كثيرة إلا أن ما يهمنا في هذا المقام من كل تلك المجالات الآنفة الذكر هو التصوير الفني.. ذلك أن عددا كبيرا من المجالات السابقة يمكن أن يندرج تحت مسمى "صورة فنية".
"لقد حقق التصوير أول ما ظهر الحلم الذي طالما راود الإنسان بالقبض على الزمن.. الا أن التطور السريع الذي عايشته البشرية حدا بالتصوير الى تجاوز المستوى الأول من الواقع نحو آفاق جديدة في التشكيل فإذا كانت كلمة (فوتوغراف) (Photograph) تعني في اللغة اللاتينية الكتابة بالضوء، فإن التصوير الفوتوغرافي لم يقتصر على تقليد خطوط هذه الكتابة بل أعاد صياغة أبجديتها ونظم هذه الحروف الضوئية نظما شعريا يخاطب وجدان المتلقي أكثر مما يخاطب عيونه، لتوازي في جوهرها سائر المجالات الإبداعية الأخرى كالشعر والرواية والرسم والمسرح".
ومع بداية هذا القرن قال وليم مور "ان عمل الفن هو صنع التأثير (Effect) وليس تسجيل الحقائق الوقائع (Facts)".
كانت الصورة فيما مضى مجرد أداة لنقل الواقع وتسجيله كما هو.. ولكن عندما تم التعامل مع الصورة كفن تغيرت هذه النظرة.. فلم يعد التصوير مجرد لوحة صامتة لمنظر طبيعي أو غيره، وإنما أصبحت الصورة معاناة إنسانية، فكرة تحمل مضمونا
إنسانيا وجدانيا فكريا أيا كان ا لمهم أنها لم تعد صورة جميلة فحسب.. وانما هي لوحة فكرية وجدانية تخاطبك لتتأملها وتغوص في أعماقها فتخرج مدهوشا بقدرة الفنان على الابتكار والابداع والخروج عن المألوف بأسس علمية مدروسة.. ورؤية فنية راقية.
ترى هل اختلفت وظيفة التصوير الفوتوغرافي الآن ؟؟ أعتقد ذلك.. لم تعد وظيفته مجرد نقل الواقع وانما تفتش عما يختبيء وراء الواقع بكشف أغرار الحلم.. وعيون المستقبل.. فأصبحت وظيفة الفن اجمالا الآن أشمل من الماض ر.. يقول صاحب (السيدة / الكمان ) الفنان (مان ري) "ان وظيفة الفن هي دفع المشاهد الى التأمل وليس فقط إثارة الإعجاب بالبراعة التقنيه التي يتمتع بها الفنان".
لو تأملنا أعمال انسل آدمز (Ansel Adams) (1982 -1902) وإدوراد ويستون (Edward Weston) (1883- 1976) وأموجن كننج هام (Imogen Cunningham) (- 1883 1976) وغيرهم من المصورين من الذين كانوا علامات مميزة في سماء التصوير الفوتوغرافي نجد أن الفضل يرجع لهم في تحويل التصوير من مجرد واقع تسجيلي الى فن بكل ما تحمله كلمة "فن" من معان.. حيث معهم بدأ التصوير الفوتوغرافي يتخطى حواجز الواقعية التسجيلية ليكون لفة الصورة الرومانسية الحالمة عندما تم التعامل معه على شكل فن جميل.
وعندما تقرأ كتاب (الفن والحياة ) (Art & Life) تدرك تماما ذلك التحول بعد أن نظر المصور الى الصورة على أساس الفن.. "يسير كل من ويسترن وانسل آدمز بقوة نحو العمق ليمسك اللقطة الفنية من أجل مهمة الفن".
إذن مخاطبة اللوحة.. الوقوف أمامها.. محاولة مخاطبة ما وراء الصورة ومتابعة مساراتها الدقيقة.. تني ما تبقى من جمال روحي في عقلك بعد أن طفت مشاغل الحياة المادية على الجزء الأكبر منه فتأتي الصورة لقض ء جانبا آخر مهما منه.
ولا شك نحن لانختلف على أن الناس مختلفون في رؤيتهم للأشياء حيث "لا يستطيع شخصان أن يكونا نفس الفكرة تماما عن شيء واحد".
وهنا مكمن جمال الصورة وما تحمله من مضامين تعبر عن هواجس مختلفة وهموم شتى.. تداعب أحلاما قديمة عند هذا وتراود طموحات مستقبلية عند ذاك.. ترسم صورة بائسة قاتمة.. وتلامس أفكارا حالمة.. لماذا كل هذا؟ لأن التصوير فن وليس نقلا.. و"هناك من المصورين من هم مثقفون حتى أطراف، أصابعهم.. يهمهم التعبير عن الأعماق وكوامن الأمور.. يسيرون في أعماقهم الى ملامسة العقل اللاواعي والغوص عميقا في تخوم الحلم والمناطق المظلمة".
فالمصور يبقى في النهاية انسانا.. يهمه التعبير كذلك عن الواقع.. ولكن برؤية فنية.. حتى لو أخذنا في ذلك أقرب مجالات التصوير للواقعية وهو التصوير الوثائقي لابد من الغوص في الأعماق لابراز حادث معين أو التوثيق لمرحلة معينة لتعميق الأثر ولتبقى ذكرى لا تنسى.
فمثلا عندما تتأمل صورة اعدام الجندي الفيتنامي الشهيرة والتي التقطها ايدي آدمس (Eddi Adms) عام 1968 وحصل على جائزة بولبيتزر ترى هذه الصورة وأنت متأهب لسماع الطلقة النارية من مسدس الضابط الفيتنامي.
الأمر نفسه في تصوير (البورتريه) حيث لابد من الغوص في المناطق المظلمة في الشخصية التي تود تصويرها.. تعبر بصدق عن نفسية هذه الشخصية بملامحها الدقيقة وما تصاحب الصورة من إضافات.. من منا مثلا لا يتذكر صورة (تشرشل) والتي جاءت بعنوان (What, No cigar) التي التقطها مصور البورتريه الشهير "يوسف كارش Karsh عام 1941_ تأمل جيدا هذه الصورة تجد أنها تعبر عن ملامح تلك المرحلة في ظل الحرب والعنف والدمار. رغم ان المصور التقط له صورة أخرى (بسيجارته هذه المرة ) كما أراد ولكن لم يكتب لها البقاء وظلت هذه الصورة (بدون سيجارة) هي الأقوى والأكثر عمقا.
هكذا أصبح التصوير الفوتوغرافي عندما تم التعامل معه على أساس الفن وما أجمل ما يقوله ماكلين (Mccullin) " المصور يجب أن يكون إنسانا متواضعا صابرا مستعدا للمزيد من المتابعة.. اذا كنت وحيدا انتظر السعادة أو الخجل أو حتى الموت وليس أحد بجانبي يمكن أن يكون عندي عدة اختيارات وأحدها أن أكون مصورا للآخرين ولكن ما أحاول أن أصل اليه هو أن أكون إنسانا".
رأينا أن التطور في الوظيفة نابع من التطورات البشرية العامة والاهتمامات الإنسانية الشاملة.. الاهتمام بالمعاني وليس مجرد السطحيات الجمالية فقط.. فتصوير لقطة واحدة ذات معنى أفضل من مئات الصور بلا معنى.. فالصورة لم تعد مجرد نقل للواقع وانما هي البحث عما يختبيء.. وراءه... وما هذا التطور إلا نتاج للتطورات في الفنون الأخرى كالأدب شعرا أو نثرا والرسم والمسرح وغيرهما.. وكم من المصورين هم شعراء أو مسرحيون أو كتاب قصة وسينمائيون..
بل كم من لوحة تم التعبير عنها بلفة الشعر والعكس صحيح.. فالحس الفني والروح الشاعرة رابط أساسي يجمع الفنان بالأديب فيصبحان في معقل واحد.
"في الحلم..
خرجت القروية التي تحمل العب ء..
وبدأت تحدثني عن أوجاعها..
أسمع هذه الصورة
قريبة مني..
قريبة كحبل الوريد..
اعرفها بدمي".
هذه المقاطع للفنان والمصور العربي المعروف مراد الداغستاني - رحمه الله – وهو يخاطب اللوحة.. لتولد من رحم المعاناة.. ومن منبع الألم.. فتستقر في مصب وجداني.. لهذا الإنسان الواقف أمام هذه اللوحة.. متأملا مقاطعها.. "فعندما تنظر الى الصورة عليك أن تتعلم كيف تتخيل.. لترى ما وراء الصورة".
و"يعتمد نجاح المصور على كيفية تمكنه من اجتياز المصاعب والتعبير عن الوقت بالاتصال والأفكار والحقائق والآراء والطموحات في صورة موضوعية".
ثالثـا: التطـور التقنــي.
في تقديمه لكتاب (التطور الفوتوغرافي وتكنولوجيا المعلومات) للكاتب محمود الشجيع يسمى الدكتور محمد عبدالخالق مدكور هذا العصر بعصر "ثورة المعلومات وانفجار الذكاء" وأخاله موفقا الى حد بعيد في تسميته هذه.. فهذا العصر بحق ثورة عظيمة في المعلومات المتلاحقة سببها انفجار الذكاء لدى العقل البشري حتى أمسى يركض لاهثا فيما صنع ليتداركه قبل أن يدركه.. فأصبح في قلق دائم وتفكير مستمرين بل وانتاج أكثر.
وقد عبرت الصورة الفوتوغرافية منذ القدم وخاصة بعد الاكتشافات العلمية، عن النتاجات البشرية بشكل كبير.. وقدمت للإنسانية خدمات جليلة.. بل أصبح التصوير الفوتوغرافي علما دقيقا يدرس في الجامعات والمعاهد العليا على اختلافه وأنواعه بالطبع.. فهناك التصوير الصحفي والتصوير الطبي والتصوير الفضائي والفلكي والتصوير الجنائي والتصوير بالأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء.. الخ.
ومع كل تطور يتبعه تطور آخر ومسايرة أخرى في التصوير الفوتوغرافي.. ونحن هنا لسنا بصدد