الشعر النبطي
ما من شك ان هذا اللون من ألوان الأدب الشعبي قد أدى دورا مهما في صياغة الوجدان العام لأجيال عديدة غيرت مرحلة الطفولة في عصر ما قبل التلفاز والأتمتة والكمبيوتر....الخ كما ساهم أيضا في توثيق كثير من الوقائع والأحداث والحروب والأيام ,وضل الرجال يتناقلونها في صدورهم شعرا حتى يومنا هذا , ولا احد ينكر ما للشعر النبطي من دور حيوي في حفظ الذاكرة الشعبية من الضياع فضلا عما يحمل من قيم أصيلة تربى عليها إباؤنا وأجدادنا جيلا فجيلا . وحتى عهد قريب لا يبعد كثيرا من منتصف القرن المنصرم ظل هذا اللون من الشعر هو المعول عليه في نقل الرسائل وتبادل الأخبار وقضاء بعض الحاجات واستصراخ الصديق وإرهاب الخصم وزجره عن الاعتداء ,وكان لشعراء النبط المشهورين سطوه كبيرة على الناس ولا سيما الجبناء الذين تعوزهم الشجاعة في الغزوات والحروب والبخلاء الذين لا يأبهون إذا هرت كلابهم لطارق ليطلب القرى والمبيت ونحن ما زلنا نحفظ بعض الأشعار التي قيلت في أشخاص بأعينهم أقعدتهم المروءة فلاكتهم الألسنة, وهيهات لهم ان يوقفوها وفي المقابلة ثمة من خلدهم الشعر ,فراجت الألسنة تلهج بذكرهم وتشكر صيفهم على مر الأزمان والعصور.
ولم يكن في السابق احد يجرى على هذا الشعر مستهلا إياه او عابثا به كما نشهد اليوم , فالقوس كانت بيد باريها لا تبارحها ذلك لان الناس كانوا ينزلون ألاشيا في منازلها ويقفون عن صدورها , والحقيقة ان الوضع الآن قد تغير كثير وغابت عن الأذهان الدود وحدود الشعر النبطي متفق عليها لا ينكرها احد
وهي لا تختلف كثيرا عن حدود الشعر الفصيح , وأول هذه الحدود الوزن والقافية فالشعر النبطي له أوزانه المستقرة المعروقة ومن هذه الأوزان السامر او ما يعرف بقصيد الرقصة ويؤدى في الأعراس بشكل جماعي قوامه الشاعر وما يسمى ( بالرواديد) مهما شخصان او ثلاثة يرددون لازمه معينة مثل: هلا هلا به يا هلا لا يا حليف يا ولد , وتختلف هذه الأزمة من منطقة لأخرى ومن قبيلة لأخرى كما انه من المعلوم ان السامر يؤدى بأكثر من طريقة ولحن وهو فن مشترك بين النبطي وغيره ولا يتسع المقام هنا لضرب أمثلة أدائية ولحنية من السامر .ومن أوزان الشعر النبطي وزن الهجيني , وكان هذا اللون من الشعر النبطي يغنى قديما إثناء الارتحال على ظهور المطي ولا سيما النوق ويتميز بإيقاعه البطء وهو يتناسب في بطء سير الإبل في الصحاري ويغنى هذا اللون بشكل منفرد , كما يغنى أيضا بالاشتراك وله أكثر من طريقة أدائية وللنبطي أوزان أخرى متعددة يمكن ان نعثر عليها في الشروقي بتلاوينة المتعددة المسحوب وقصيد الربابة وغير ذلك .
والمهم في الأمر بعد هذه الإشارة السريعة إلى أوزان الشعر النبطي وقد أغفلنا غير متناسين القافية لسهولة رصدها ان للشعر قوانينه التي تحكمه على صعيد الشكل والبنية ولا يمكن لشخص ان يحذق شكل الشعر ووزنه وبنائه وموسيقاه ان ينفذ إليه , ومن ثم فان للشعر شروطه الفنية الأخرى المتصلة بجزالة اللفظ وعمق المعنى ورشاقة الصورة وجدتها وغرابتها وقدرتها على التأثير في المتلقي والشعر النبطي معنى أكثر من غيره بقضية المضمون وذلك انه نشأ في بيئة أكثر ما تحرص منها على القيم والمروءة وقد وصل وقد وصل احتفاء شعراء النبط بالمضمون القيمي والإنساني حدا جعل بعضهم منجما تعيش فيه كبار شعراء العربية وتحولها عن تبر القصيد , فهذا روكس بن زائد العزيزي يروي لنا جناية ايليا ابي ماضي على علي الرميثي في البيت الأول المشهور
يا اخي لا تمل بوجهك عني ما انا فحمة ولا انت فرقد
كما اشار بعضهم إلى تفوق الشاعر خلف الاذن في بعض صوره على نظيرتها عند ابي تمام الشاعر المشهور في بيته
كأن مثار النقع فوق رؤسنا ليل تهاوت كواكبه
ومهما يكن الأمر فأن ما ينبغي ان يقال في هذا السياق ان الشعر النبطي مهدد بمزيد من التراجع والاضمحلال لأسباب كثيرة لعل منها:-
عزوف الشعراء الحقيقيين عن كتابة الشعر النبطي لعدم وجود حوافز اقلها الاعتراف الرسمي بهذا اللون من الأدب , ومنها وجود نقاد حقيقيين محترمين يميزون الغث من السمين , مما حدا ببعض الشداة والراغبين الحالمين بأن يكونوا شيئا ذات قيمة من اقصر الطرق وأسرعها لركوب موجة الشعر النبطي فلا حارس هناك يمنع من دخول الحمى المستباح وهناك أسباب أخرى كثيرة لا مجال للخوض فيها ها هنا
وبعد فأن مسؤولية الجهات الراعية للثقافة والإبداع في هذا البلد الخير الرسمية والغير رسمية مسؤولية كبيرة على درجة من الأهمية النابعة من أهمية تراثنا وموروثنا الحضاري والثقافي الذي نحرص على تدفق ينابيعه في أجيالنا القادمة
بقلم الدكتور سالم عايد
.
جــرّ الربابة .. وصوتها البعيد ..
بقيت الربابة لوقت ليس ببعيد الآلة الموسيقية الأولى في البادية الاردنية ، وخصوصا في جانب الغناء مظهرا من مظاهر التعبير عن الفرح والسرور ووسيلة لقضاء الوقت والتسلية ، والاستماع الى جرات آلة الربابة والآلات الموسيقية الأخرى التي كانت مستخدمة كالشبابة والمجوز أو المقرون والإيقاع أو الدربكة عزف سماعي فطري لا يخضع لقانون أو مقام موسيقي معروف فيما عدا تلك الألحان الثابتة التي تقيد العازف وتجعله خاضعا لمجالها فهو يتصرف في توقيع اللحن على هواه وبما يناسب ذوقه ومزاجه الفطري .
الربابة حليفة جلسات السمر، يحتضنها العازف ويوقع عليها أعذب الألحان وأجملها وخاصة في غناء الشر وقي أحد ألوان الغناء الشعبي ليس في البادية الأردنية وحسب بل في عموم البادية العربية يعزز ذلك براعة العازف وخفة أنامله وتنقلها فوق وتر الربابة وكذلك الأداء المتقن الذي يؤدى به غناء الشروقي يعتمد أساسا على إلقاء البيت في نبرات منغمة وفي نهاية الشطر الأخير يمتد اللحن قليلا متوافقا مع الذبذبات الصوتية الناعمة التي يرسلها المغني في المرحلة الأخيرة من غناء المقطع بحيث تستوعب مساحة صوتيه أوسع .
وكما يتذكر معظم الناس فان الربابة كانت احدى معالم بيوت الشعر وتكون عادة معلقة على (الواسط) الى ان أصبحت من الأدوات التراثية التي يحتفظ بها البعض ويزينون بها بيوتهم كأحد التحف الجميلة .
صنعت الربابة من جلود الحيوانات الصغيرة كالغزال والماعز وتتألف من مستطيل خشبي طوله أربعون سنتمترا وعرضه عشرون وفي منتصف الضلع الأعلى للمستطيل ثقب واسع يقابله ثقب آخر من الضلع المقابل ثم يؤخذ الجلد بعد تنظيفه من الشعر ويوضع على المستطيل بحيث يغمره على الوجهين تماما ثم يخاط بواسطة خيوط من الجلد تشده شدا محكما على ان يظل الثقبان من الأعلى والأسفل ظاهرين وتترك في الشمس لتجف وبعد ذلك يؤتى بعصا أسطوانية وتولج في الثقبين من الأعلى والأسفل على أن ينفذ طرفها السفلي خارج المستطيل حوالي خمسة سنتمترات ، وبعد ذلك تؤخذ خصلة طويلة من ذيل الفرس وتسمى هذه الخصلة (سبيب) وتربط به من الأسفل ويربط (السبيب) بطرفة الثاني بعود الشد الموجود بالعمود المحوري من الأعلى وتوضع تحت (السبيب) قطعة خشبية صغيرة حتى ترفعه ليكون مشدودا وتسمى هذه القطعة (بالغزال ).
يجر على الربابة بواسطة (الذراب ) وهو عبارة عن عود من الرمان أو اللوز أو الخيزران تعمل على شكل قوس بطول نصف متر ويربط طرفاه بالسبيب وقبل البدء بالعزف على الربابة يطعم السبيب بأن يجر عليه لبان البطم أو البخور حتى يساعد في إخراج الصوت.
وقيل في الربابة أشعار كثيرة منها :
يا ربابة جوح ونوح على من فارق الروح
وكما لربابة صوت في أوقات الحزن فلها أيضا في أوقات الفرح وقيل فيها
ربابة لكيف مسنودة يا ناس منهو يعللها
فهذا راعي الحميا
وين المدامع يالعيون السهيره هلي تراد مع المعاليق خطام
قضيت ليلي في همومن وحيره والجفن لو يطبق على الجفن ما نام
شربت بكفوف الزمان المريره العلقم اللي صار زادي له ايدام
أستعجل الخطوةعلى أصعب مسيره كني على ظهور المغاتير نهام
وأراقب نجوم السما بالظهيره وأسأل زمان الصمت وش فيه قدام
عيني بصيره وضربت أيدي قصيره والوقت لفواه الرجاجيل لجام
الحظ الاقشر برهن الوقت سيره خطه على سير المعاسير رسام
من جور علمن اعلنته الجزيره يشيب له رأس الطفل جوى الارحام
خلى شهيق القلب يتلى زفيره وعظيت من جور الوجع رأس الابهام
راحت كرامتنا بلعبه حقيره يوم أنعدم وبمصبح العيد صدام
صدام الي قاد اشرف مسيره ينقاد صبح العيد عيد الاسلام
صدام اللي كلنا ذاق خيره ذيب الليالي في وجه سود الايام
صدام اللي أن صاح نسمع حتى وهو في حضرة الموت ضرغام
صدام تبكيه الجموع الغفيره مع دورة الايام عام ورا عام
ساس البلاوي بوش قرر مصيره لجل المعزه ما يبين لها أقوام
يالله من جور الليالي وضيره دام المواجع ساطيه بين العظام
ودام المعزه اندفن خط سيره ودام الكرامه عيالها صاروا أيتام
ودام المشاعر والخواطر ودام المذله رمحها بصدر الايام
وش ظل غير الموت وش ظل غيره دام الرماح اللي انبرت باريه نام
الموت أرحم من حياة عسيره لصار راع المرجله موته أعدام
