يكتب بعضنا أحياناً مقالاً
جميلاً مرصعاً ببديع اللفظ ومزيناً بجميل المعنى.. أو يخطب خطبة عصماء تذرف منها
العيون وتوجل منها القلوب.. أو يتكلم كلمة يأسر بها الألباب ويشد به العقول ويطرب بها
المسامع، فيجد عندها سيل من المديح والشكر و قائمة طويلة من الثناء العطر على ما
بذل وقدم. وليس في ذلك غضاضة لأننا مأمورون بشكر من أحسن إلينا وقد قال صلى
الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله)وقال: (من صنع
إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة )
لكن ما أردت التنبيه عليه هو أن
ذلك السيل من المديح والثناء، قد يكون باب فتنة عظيمة على العبد المسكين.. وربما
يصل به الحال إلى فساد نيته بعد ذلك فيكتب لأجل أن يمدح ويشكر فحسب وعلامة ذلك
أنه يحزن إذا لم يجد فيما بعد ما وجد سابقاً من الشكر والثناء، لأن النفس بطبيعتها
عاشقة للمدح محبة له وهي ضعيفة أمامه يسهل أن يؤثر فيها جداً ، فيسري إليها الداء
الفتاك المحبط للأعمال ، المذهب لأجرها الذي يصلح أن أسميه ( الآكلة) ليس آكلة
الجسم ولكن آكلة الحسنات وهو داء العجب أعاذنا الله منه. فالعبد معرض إذا توالى عليه
المديح على حسن كلامه وقوله لأن يصاب به، لكن أطباء القلوب قد وضعوا لنامن
الوصفات العلاجية والوقائية ما يدفع عن هذا بإذن الله هذا الداء .
والحق أنني أعجبت جداً
بوصفة علاجية رائعة لطبيب القلوب الفذ العلامة ابن القيم رحمه الله هذه الوصفة لم
أعجب لأن ابن القيم قالها فحسب ولكني والذي لا إله غيره طبقتها على نفسي في
مواطن عديدة فوجدت لها أعظم الأثر في علاج هذا الداء ودفعه بإذن الله تعالى، هذه
الوصفة الرائعة ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد 1/152 فقال رحمه الله :
(أعلم أن العبد إذا شرع في قول أو عمل يبتغي فيه مرضاة الله مطالعاً فيه منة الله
عليه به وتوفيقه له فيه وأنه بالله لا بنفسه ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوته بل هو بالذي
أنشأ له اللسان والقلب والعين والأذن فالذي من عليه بذلك هو الذي من عليه بالقول
الفعل فإذا لم يغب ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي أصله رؤية نفسه
وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه وإعانته ومن هذا الموضع يصلح الله سبحانه أقوال
عبده وأعماله ويعظم له ثمرتها أو يفسدها عليه ويمنعه ثمرتها فلا شيء أفسد للأعمال
من العجب ورؤية النفس فإذا أراد الله بعده خيرا أشهده منته وتوفيقه وإعانته له في كل
ما يقوله ويفعله فلا يعجب به ثم اشهده تقصيره فيه وأنه لا يرضى لربه به فيتوب إليه
منه ويستغفره ويستحي أن يطلب عليه أجرا فالعارف يعمل العمل لوجه مشاهدا فيه
منته وفضله وتوفيقه معتذرا منه إليه مستحييا منه إذ لم يوفه حقه والجاهل يعمل
العمل لحظه وهواه ناظرا فيه إلى نفسه يمن به على ربه راضيا بعمله فهذا لون وذاك
لون آخر..) انتهى كلامه رحمه ملخصاً.. وخلاصته أنه في اللحظة التي تعجب نفسك فيها
عندما تسمع المديح أو الثناء أو حتى أثناء القول أو الكتابة في تلك اللحظة تذكر أن الله
هو الذي من عليك بنعمة اللسان الذي تنطق به، واليد التي تكتب بها
وأنه لولا الله
تعالى لما تكلمت بكلمة ولا كتبت حرفاً فغب عن شهود نفسك في العمل إلى شهود
نعمة الله وحده عليك بتلك الجوارح العظيمة التي أديت بها ذلك العمل، ومن عجيب
حرص السلف على دفع العجب عن النفس ماوراه ابن سعد في الطبقات عن عمر ابن
عبد العزيز رحمه الله أنه انه كان إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العجب قطعه
وإذا كتب كتابا فخاف فيه العجب مزقه ويقول اللهم أني أعوذ بك من شر نفسي) ومن
أروع ما ورد عن السلف رضي الله عنهم في علاج هذا الداء تلك الوصفة الذهبية الرائعة
للإمام الكبير أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي رحمه الله حيث قال فيما ذكره عنه
الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء:" إذا أعجبتك نفسك فتذكر: رضا من تطلب.....
وفي أي نعيم ترغب........ ومن أي عذاب ترهب..." ..