ليس إلا عبدالله الثاني !!
إنها أكثر وأكبر من ظاهرة ... وهي حقيقة لا يقتصر قولها على الأردنيين فقط وإنما يشمل أصحاب
الضمائر الحية في الوطن العربي كله وهذه الحقيقة هي ان الملك عبدالله بات يعرف مواطنيه فرداً
.. فرداً وبخاصة أهل الأرياف والبوادي التي تعتبر قياساً بواقع الحال في دولٍ أخرى وفي هذه
المنطقة مناطق غائبة عن عيون المسؤولين ومنسية ولا تستطيع إيصال أصواتها حتى الى أصغر
مسؤولٍ في الأقضية الإدارية .
لو أن الغرنْدل أو الرويشد أو حتى سحاب ورِحاب في بلدٍ آخر فلما سمع بها الإعلام ولما
تداولت أسماءها الصحف ولبقي أهل المناطق النائية يعيشون في جزء مظلم من دولتهم ومن
العالم اللهم إلا إذا وقعت كارثة طبيعية كالتي عندما تقع ، حتى وإن كان ذلك في مجاهل إفريقيا
، تستقطب الأضواء الباحثة عـن الإثارة وعن كل ما هو غريب في الكرة الأرضية .
لنسأل ، ليس من قبيل النكاية بأحد بل من قبيل التفاخر بهذا الذي يجري عندنا والذي من حق
الأردنيين ان يتفاخروا به حتى ترتطم هاماتهم بجدران السماء ، : من هو القائد في العالم كله
غير عبدالله الثاني ، نعم في العالم كله ومن لا يعجبه هذا فليضرب رأسه بصخور جبال رم ، الذي
يعرف بلده قرية .. قرية وخيمة .. خيمة ووادياً .. وادياً وتلعة .. وتلعة ويعرف شعبه كل شعبه فرداً ..
فرداً ويعرف عجوزاً تسعينية في إحدى القرن النائية البعيدة ويعرف أنها بحاجة الى ثوب يقيها قرَّ
الشتاء ويدفع عنها حرَّ القيظ .. ويعرف ان مدرسة في أعماق جوف الصحراء أو بطن أحد المخيمات
بحاجة الى لوح حجري والى طباشير للكتابة.
على الأردنيين ، وبخاصة الأردنيين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ، ان ينظروا
حولهم بعيداً وقريباً ، وبدون ذكر الأسماء والاماكن ، ليتأكدوا من أن هذا الذي يقوم به عبدالله
الثاني ، ونسأل الله ان يحفظه وأن يمد في عمره وأن يقيه من عثرات الزمان ، والذي هو طبع
وليس تطبيعاً ، لا مثيل له لا الآن ولا في السابق .. ولا حتى في الدول الديموقراطية الكبرى التي
لا يغادر المسؤول الأول فيها الحي الذي يقع فيه مكتبه والحي الذي يقع فيه منـزله إلا في
مواسم الإنتخابات التي يتحول فيها المسؤولون الى ممثلين من الدرجة العاشرة .
كل الأردنيين شاهدوا في صحف أمس صورة عبدالله الثاني وهو يجثو فوق ركبتيه أمام أردنية في
عمر جداتهم وهو يستمع بإصغاء متعبدٍ في صومعةٍ مقدسة لكل ما تقوله والمؤكد .. المؤكد ان
هذا القائد الذي لا مثله قائد في الوقوف على كل صغيرة وكبيرة في وطنه ويعرف أهل أرياف
وبوادي ومخيمات هذا الوطن فرداً .. فرداً كان قد زار هذه الجدة الأردنية وكان قد عرف وتعرف على
ما هي بحاجة إليه وما الذي تشكو منه وهو إذْ عاد لزيارتها مرة أخرى فليتأكد بنفسه مما إذا
كانت حاجتها قد لُبيت وما أمر به بشأنها قد نفذ .
هناك مناطق في هذا العالم الرحب لا يعرف أهلها قائدهم المبجل إلا عبر شاشات تلفزيونات
التطبيل والتزمير وعلى غرار ما كان عليه الوضع في تسويق القادة الملهمين فلتات أزمنتهم
في إفريقيا وفي الكثير من دول آسيا وأميركا اللاتينية وفي بعض الدول العربية التي مرت بمراحل
مبعوثي العناية الإلهية .. لكن عندنا وهذا يجب ان نفتخر ونفاخر به ولا نخجل من أيٍّ كان فإن
عبدالله الثاني هو الوحيد الذي يعرف وطنه كما يعرف باطن كفه والذي كلما زار إحدى القرى
المختبئة بعيداً في جوف الصحراء أو في أحد أودية الجنوب أو ذروة أحد الشمال يسأل عن طفل رآه
في الزيارة السابقة ويطمئن على مسنٍّ أمر له بما يبعد عن جسده النحيل المرض وبما يطرد من
أمعائه المسْغبة .
لنا الحق ان نفاخر ونفتخر فالأردن ، هذا الوطن الصغير الذي حادت عنه أنهار ريع الأرض وتجنبت
المرور به والذي لم تعد شأبيب سمائه كريمة وسخية كما في الأيام الخوالي ، بات مضرب مثل
في التقدم والعطاء وفي الإستقرار وإستتباب الأمن في العالم كله ولقد عزز عبدالله الثاني هذه
الصورة الجميلة التي كان رسمها للأردن الحسين العظيم طيب الله ثراه على خريطة هذا العالم ..
وهذا كله يجب ان يتذكره كل أردني عندما يسمع كلاماً تقف خلفه صدور مليئة بالحقد وترفض
الإعتراف بالنجاح وتصر على النظر الى كل شيء بعيون حُولٍ !! .
جريدة الرأي - صالح القلاب