~ تنهيدة ~
شكت قسوتي مراراُ
ما كنتُ آبه لأناتها
ما كنتُ أسمعُ صرخاتها
ما كان لقلبي وجود
ما كنتُ آبه لأناتها
ما كنتُ أسمعُ صرخاتها
ما كان لقلبي وجود
" كان الليل قد حل
و النور قد أستتر
الظلام غطى أرجاء المكان
" و أرجاء الزمان "
تسللت لأذني بعض صرخات يبدو أنها أتت من بعيد ..
كان الصوت متواري وراء المسافات
لا أكاد أُميز من أين يأتي
بالكاد أستطيع تتبعه
بقيت أسير في ذلك الظلام
أسير .. و أسير
أسير .. و أسير
إلى أن تعثرتُ بقدم طفلة
كانت مُلقاة على الأرض
بجانبها بريق سلسلة صغيرة
كان ضوء القمر قد عُكس عليه
فلمحتها ..
يبدو على الطفلة أنها فاقدة للوعي
يا إلهي ..
أدرتُ ظهري لأعود
جمدتُ برهة
أأترُكُها هُنا ؟!!
و عادت الأيام بي للوراء
من حيث كان عمري بعمر تلك الطفلة
حينما كنتُ بنفس حالها
كانت في تلك الليلة الجو بارد و معتم
كحاله الآن
و كان قلبي قد فقد الدفء
كانت ليلة وفاة والدي
آهٍ ما أقساها من لحظة
لقد رحل بعيداً
و ترك كل شيء خلفه
و تركني وحدي
بلا مأمن كانت الحيوانات تهِشُ من لحمي
حتى افتقرتُ القوة
افتقرتُ الأمان
افتقرتُ كل ملامح الإنسان
افتقرتُ معانقة تلك العينان
افتقرت " الأب "
و أنا في بحر الأحزان
أغرق في تلك الذكريات
يقطع حبل الذكريات
شخصٌ قال : " آه "
استدرت الطفلة
كنتُ على وشك النسيان
حملتها بين ذراعي
الريح كان يعصف بقوة
فتحت عيناها و كأنها تقول :
" من أنت ، رجاءاً لا تؤذني ،
أنا ما فعلت شيء غير أني فقدتُ أبي "
قالت تلك الكلمات
و كأنها أخذت بإبريق ماء ساخن
و أنزلته علي
حتى ذاب جلدي و أُزيح عن عظمي
وصلت إلى البيت
وضعتها بلطف أمام المدفئة
أحضرتُ كوبَ ( شاي )
قلت لها :
أبنتي " هدئي من روعك "
قالت : " أبنتي "
قلت لها :
" أأزعجتكِ " ؟!
لم ترد سوى أني
رأيت دمعتان تسقط من جفنان
و تمنيت أن تنتهي حياتي
على أن أراهما تنزلان
من تلك العينان الزرقاوان
:
*
:
ارتجفت يداي
مددتُها لأمسح دمعاتها
انتفضت و ارتعشت
قُلتُ لها :
" لا تخافي صغيرتي "
عادت لسكونها القاتل ..
استنشقت الهواء
و نفخت
و كأنها تخرج بُركان حمم نارية
من صدرها المحزون
قلت لها :
" من أنتِ ، و ما الذي أتى بكِ حيثُ وجدتُكِ ، " ؟!
قالت بهدوء :
" أنا ريماس ..
توفي( بابا) الليلة و ... "
و أَجهشت الطفلة بالبكاء
من دون أن أدرك
احتضنتها و قلت:
" بيتي هذا حال الدنيا "
توقفت فجأة و قالت :
" طردوني من البيت ،
لا أدري أين ذهبت ( ماما )
لا أدري أين ( سامي )
ولا حتى( حمزة ) .. "
قاطعتها :
" من هؤلاء "
قالت :
" أخوتي "
و أكملت :
" أين هم "؟!
تركتها تتحدث و لم أعي ما قالت
و تداخلت شبكات طلاسم إلى أذني
لم أفهم شيء كنت كالمغشي عليه ..
تنهدتُ و قلت :
" لا أريد أن أستمع للمزيد"
فبدون طول حديث
" التاريخ يُعيدُ نفسه "