فرعون هذه الأمة
بقلم : وليد معابرة
ها أنا الآن أجلس على مقعدي في غرفة الصف ؛ بعد يوم شاق قضيته في إعراب ما كتبه لنا معلم اللغة العربية سالفا ، حيث كنت مجهدا في استخراج فاعل مستتر ؛ قدر عليه أن يكون في جملة اعتراضية تحكي قصة جعلت الأرض تضيق عليه بما رحبت فأمطرت عليه السماء في فصل الصيف ؛ وارتد جريحا منفعلا مكسور الخاطر والأنف ؛ وأصبح مخنوق الأحلام التي أصبحت ظمآنة ترتوي ماءها من نهر الخوف.
فبينما نحن جالسون ننتظر بدء الدرس ؛ إذ دخل علينا معلم اللغة العربية - والاستفهام في وجهه - ذاهبا إلى السبورة ؛ ليكتب لنا جملة جديدة للإعراب. فكان عندئذ يطلق نظراته إليّ دون التلاميذ ؛ ويخصني باستفهامات كانت ظاهرة في وجهه ، فلعله يقصدني مرة أخرى لأعراب ما سارع في كتابته على السبورة.
تناسيت نظراته واستفهاماته ، وأخذت أتوارى بين التلاميذ للهروب من أسئلته المقصودة ؛ شاغلا نفسي بأشياء تخرجني من المأزق الذي سيضعني فيه ، ولكنه كان ينظر إلي بعين ترجوني للانتباه ويتقصّدني متغافلاً زملائي ، حتى سمعته يناديني بصوت عال : قم يا ولدي وأعرب ما كتبته لك ، وعندما وقفت ؛ نظرت إليه وإذا به قد كتب : (فرعون هذه الأمة) نظرت إلى أصدقائي التلاميذ ؛ لعلي أجد من يسعفني بإجابة ؛ فلم أجد ، فأيقنت أنني وقعت في شباك ذلك المعلم مرة أخرى!! وبعد تفكير ليس بطويل ؛ تمكنت من إيجاد الحل الذي سيخرجني من ذلك المأزق ؛ فقلت له إن (فرعون) خبراً لمبتدأ محذوف ؛ و(الأمة) بدل مجرور من اسم إشارة مبنية على الكسر ، فأخذ يهز رأسه معلنا القبول بما سمعه مني ؛ ولكنه عاد من جديد ليسألني عن المبتدأ المحذوف ؟؟ فقلت: إنه مبتدأ محذوف تقديره (هو) حذف من الجملة لأنه معلوم بالتصاقه بالفرعنة ؛ فهز رأسه مندهشا لتلك الإجابة ولكنه عاد ليسألني ثانية : من هو المبتدأ ؟؟!! فامتطاني خوف كخوف ذلك اليوم الذي طلب مني فيه استخراج الضمير المستتر ، فذهبت إلى منزلي مهزوما لعدم مقدرتي على إيجاد ما طلبه مني ؛ وظللت مهموما طوال النهار سائلا هذا وذاك عن ذلك المبتدأ المحذوف ؛ فلم أجد حلا !! وظللت كذلك حتى غلبني النعاس فاعتليت سريري راجيا أن ألقى الراحة ؛ هاربا من ساعات التفكير التي تنتظرني.
وبعدما استيقظت من نومي ذهبت لأجلس مع والدي وأرجوه جوابا شافيا ؛ يريحني من نظرات المعلم الذي أخذ يتقصدني بأحجياته المتسمرة ؛ ولكني لم ألق لديه الجواب ... وبينما أنا منهمك في التفكير استرعى انتباهي محاضرة تلفزيونية يعرضها إعلامي فذ ، يتكلم عن رجل صَلَبَ أحلامنا في مهدها ؛ وجدع أنف الحقيقة أمامنا !!! فجعل الجهل يتستر بالحِكَم ؛ وأخذ العدل يتنكر للذمم ؛ فصار الحق يتداعى مقهورا ؛ والباطل يعلو كالهرم ؛ بعد أن أمست ولاياته شرطيا وظلمه تجبراً على الأمم ، فأمسى اللص يحرس بستاننا والذئب يتكفل بالغنم !!! فتضخم برغوث الدنيا وأصبح المارد كالقزم.
عندها توسعت مداركي بما سمعت ؛ فقد عرفت المبتدأ المحذوف من تلك الجملة ، حيث كان رجلا أصفر مجعد الوجه ؛ ذائب العضلات ؛ قزم الأفكار ؛ بعيد الهدف وطموحاً بالعدوان ، قد تمادى في أراضينا فتربى أن يكون (جورجيا) يرتدي جلد ضبع كاسر ؛ فجعل حرية رأينا أسيرة تُقمع ؛ وفي وضح النهار تُجلد وتُصفع ؛ حتى صارت الأيام عرفية من صدرها ؛ وصار سم الخياط أمام رأينا أوسع ؛ وغدونا نحلم بلقمة بعد التجوّع تشبع ؛ فقد أحرز فوزا في السباق ؛ وكيف لا ؟؟؟ ... والضبع أقوى في السباق وأسرع !!!!!