آتي الى المكان..
أعرف الاسم، والموقع، والناس هناك، غير أنني يسحرني تتبع التفاصيل المحفورة في الصخر، والمعاني المخبوءة في المباني، ومعها صدى أحاديث الأرواح التي واطنت هذه الأرض.
كنت مسحورا بتوقي للمعرفة حين يممت مسيري شطر عراق الأمير، وقد كانت تسكنني قصص، وحكايات، كنت أتخيلها، حول هذه القرية، حين زرتها غير مرة، لكن هذه المرة مختلفة، ولها مذاق آخر، بعيدا عن ترف المرور السياحي بها..نعم كنت قبل هذه الزيارة لا ألحظ من عراق الأمير، ومن تفاصيل المكان هناك إلا بضع أشجار، وكهوف جبلية، وثلة من الزوار المتناثرين جانب الدرب، أو بضع سياح مبهورين بالأسود المنحوتة على حجارة القصر.
النعنع البري
ها قد عقدت النية على المسير إلى هناك، تجاوزت غرب عمان، ودخلت دائرة بيادر وادي السير، ثم تجاوزت حداثة الشوارع، والأسواق، نزولا نحو الوادي العريق الذي تغنى به عرار ذات شجن وشجى، وبعدها كانت متابعة السعي غربا مسافة عشر كيلو مترات الى أن وصلت عراق الأمير.
تلقفني هناك صوت الماء، الصادر من الأقنية التي تروي البساتين، واجتاحتني روائح النعنع البريّ، والطيّون، وتابعت فتنة الزيارة بين العلّيق وأشجار التين والعنب والرمان والصبر والسفرجل، ومع تلك الأشجار كنت أرى أشجارا موازية لها هي نحولة الناس الطيبين الذين لفحتهم الشمس، فصاروا بلون القمح، وبنقاء الحنطة، وعلى محياهم كنت ألمح ابتسامات الرضا، وتلويحات الترحيب بالضيف القادم اليهم.
لانكستر
تخيلت أثناء مسيري نحو عراق الأمير، ومروري من وادي السير والقرى القريبة، ما كان كتبه لانكستر هاردنج في النصف الأول من القرن الماضي ووثقه في كتابه آثار الأردن، حيث مرّ بوادي السير والبصة حتى وصل الى عراق الأمير، وهو يصف الدرب على النحو التالي: تسير الدرب من القرية(وادي السير) الى جهة الغرب على الجانب الجنوبي من الوادي، وسرعان ما تبدأ بالانحدار مع المنحنيات، ومنظر الوادي في فصل الربيع جميل جدا حيث تنمو الأشجار الباسقة على جانبي النبع وحيث تكسو الأشجار الباسقة على جانبي النبع وحيث تكسو التلال خمائل الأعشاب الخضراء وعيدان القمح المتوج، ويبدو المنظر أكثر روعة في فصل الصيف عندما يكون كل شيء جافا عاريا بينما تستطيع أن تجلس تحت ظلال الشجر الى جانب الماء الجاري.. ولا تلبث الدرب أن تقطع الجدول الى الجانب الشمالي وتسير قريبا من السيل لمسافة قصيرة. وبعد أن تقطع النبع تستطيع أن ترى منزلا نحت في الصخر على الجانب الجنوبي.. وهنا تبدأ الدرب بالارتفاع قليلا وسرعان ما تكبر الشقة بينها وبين الجدول. وبالقرب من قرية البصة الصغيرة توجد طاحونة مائية هي آخر الطواحين من نوعها التي ما تزال تستعمل في البلاد. وتقطع واديا صغيرا ممتدا من الشمال، ثم تمر بشجرة كبيرة تحيط بها بعض القبور، ولا تلبث أن ترى عراق الأمير تحتك في الوادي. وبعد ذلك عندما يدخل لانكستر قرية عراق الأمير يبدأ وصف آثارها، ومعالمها، متكئا في بعض تحليلاته حولها على ما كتبه كوندر في عام 1880-1881م.
البركة
كما أنه قد كتب عن عراق الأمير كذلك الرحالة الدكتور سيلاه ميرل، في ترحاله في الأردن سنة 1875م حيث قال: آثار عراق الأمير مدهشة، وفيه حجارة كبيرة لم أشاهد أضخم منها في البلاد الواقعة في الشرق من نهر الأردن باستثناء بعلبك وبصرى، وهنا بركة من أكبر البرك في المنطقة، بل إنها لاتساعها أقرب لأن تكون بحيرة، أما القصر الذي يواجه الشرق فيمتاز بجماله وقوة بنيانه وبموقعه الفريد، وتبلغ مساحته من الشمال الى الجنوب مائة وأربعة عشر قدما، ومن الشرق الى الغرب أربعة وستين قدما.
تايروس
أما بالنسبة لتسمية القرية، فإن تتبع اسمها من ذاكرة الناس فيها، ومن الكتب القديمة، يفضي الى استنتاج أن هذه التسمية مرتبطة في جزء منها بتفاصيل المكان، وهنا نشير الى كلمة عراق وهو جرف ظاهر في القرية، وتتنوع عليه الكهوف، والمدينة القديمة، حيث يرى المتأمل في تلك المساحة وجود طابقين على ذلك الجانب تحتوي تلك الكهوف/المنازل، على ذلك العراق، بينما الشق الثاني فهو مرتبط بتاريخ القرية القديم، وبالأمير الذي كان يحكمها، وهذا مثبت في الكتب القديمة ومرتبط بجزء من تاريخ المنطقة، ولكن عند تتبع تفصيلة الأمير يمكن الدخول الى حكاية تنامت لتصبح بموازاة الأسطورة أطرافها الأمير، وابنة الأمير، والعبد الذي أحب ابنة سيده.
هذه بعض إشارات ودلالات الاسم، ولكل دلالة هناك قصة، وسرد خاص بها، سنمر عليه في مواضع مختلفة من هذه الكتابة.
من جانب آخر، وفي استنتاج مختلف حول الاسم القديم للقرية، نلاحظ إشارة الى ذلك عند قراءة ما كتب الرائد الانجليزي كوندر في كتابه أعمال المساحة في شرق الأردن/1880م، والذي ترجمه الدكتور أحمد عويدي العبادي، حيث نلاحظ أنه أفرد مساحة لوصف عراق الأمير، والحديث عن بنيانها، وتاريخها، وهو في مطلع كتابته يشير الى أن الاسم الأصلي لهذا الموقع هو تايروس، كما في اللغات السامية القديمة، وهذا الاسم يتشابه مع كلمة تايرو، أي صور القديمة الموجودة في جنوب لبنان، والمعنى مشتق من كلمة صخر أو عراق، وهو الاسم الذي يطلق عليها الآن(وهنا يقصد موقع عراق الأمير).
مزرعة
مراحل تاريخية عديدة مرت على هذه القرية، وهنا، وقبل الدخول في التفاصيل الآثارية، والتاريخية لذاكرة الأبنية والمعالم في عراق الأمير، من المفيد الإشارة في سياق هذا البحث التاريخي للمكان بأنه قد ورد ذكر القرية في الوثائق التركية، على أساس أنها مزرعة، ويوثق هذا الباحث المهدي عيد الرواضيه، في مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه، مشيرا في كتابه الى ما أفادنا به الدكتور محمد عدنان البخيت في دفتر مفصل لواء عجلون في دفتر الطابو رقم(970) وفيه يذكر بأن مزرعة عراق الأمير في شرق الصلت، خاص ميرلو، حاصلها مائة وخمسون آقجة.. أما في دفتر الطابو رقم(185) فيشار فيه الى أن مزرعة عراق الأمير في شرقي الصلت، تابع الصلت، حاصلها ثلاثمائة آقجة.
الأرض المروية
هذا بعض ما تم رصده من الكتابات القديمة قبل دخول القرية، غير أنني حين وصلت عراق الأمير لم أتابع المسير هناك وحيدا، فقد كان بانتظاري المهندس منصور محمد فلاح المهيرات (أبو بشار)، وكنا ذات عمل في مناجم الفوسفات، شركاء في ذاكرة الغبار والصحراء هناك، كما رافقنا في التجوال في عراق الأمير أيضا، فلاح محمد عبد العزيز المهيرات (أبو خضرة)، وكانت القرية تحاول ما استطاعت أن تبوح لنا بأسرارها أثناء في ارتحالنا في ذاكرتها القديمة، وواقعها الحديث.
كان أول استفسار لي هو حول الوادي الأخضر الذي يشق القرية من منتصفها، وهو ما تابعه لانكستر في كتابته السابقة، وقد بادرني الأصدقاء لتوضيح ذلك بأن النبع الرئيس في منطقة عراق الأمير هو نبع الطرابيل، وأما هذا الوادي(وادي عراق الأمير) ففيه سيل عراق الأمير، وهو يمتد من وادي السير، ثم يلتقي بعد ذلك مع سيل وادي الشتا، ويشكلان رافدا واحدا يصب بعد ذلك في سد الكفرين في الغور.
ولأن عراق الأمير أرض زراعية، إضافة الى الآثار الموجودة فيها، فإن للزراعة والماء بوحاً نثبت بعضه في هذا المقال حيث أن الأرض الزراعية فيها مقسومة الى جزءين، الأول هو الأرض المروية، وهي منطقة عراق الأمير القصبة(الوادي)، والتي تتخللها قناة ماء منذ الأربعينات، حيث أنه يرد في ذاكرة كبار القرية أن بعد إفراز الأراضي قامت وزارة المياه والري بصيانة القناة، وحولتها الى قناة إسمنتية، ثم بعد ذلك، وبالتحديد قبل ثلاث سنوات، قامت منظمة إسبانية بهدم القناة القديمة، وأعادوا بناءها بأسلوب حديث، وهذه القناة تمتد من نبع عين الطرابيل، وهو المصدر الرئيسي للماء في عراق الأمير، وبطول 6 كم الى منطقة قصر العبد، وتروي خلال مسيرها 169 ساعة ري أسبوعيا، مقسمة بحسب مساحات الحصص والأرضي، ولكل شخص في أرضه، وهي كذلك مقسمة بحسب جدول حقوق مياه يتضمن ترتيب أرقام القطع المستفيدة من الري، ومساحاتها، وآلية توزيع المياه عليها.. أما الجزء الثاني من الأراضي الزراعية فهي المناطق المحيطة بعراق الأمير وهي بعضها سهلي، وبعضها وعر جبلي، وهي بعيدة عن مجرى المياه، وتعتمد على الأمطار، ويتم زراعتها غالبا بأشجار الزيتون والعنب واللوزيات.
الحدود والمناطق
قبل أن يكون التتبع للآثار، والمعالم القديمة لعراق الأمير، يقوم المهندس منصور المهيرات، ومعه فلاح المهيرات، بوصف سريع لخريطة القرية، حيث يحددان مكانها بأنه يحدها من الشرق وادي السير، ومن الغرب الأغوار، ومن الشمال منطقة بدر الجديدة، ومن الجنوب مرج الحمام.
أما مناطقها التي تمتد عراق الأمير عليها فيرصدانها بالقول أنه يوجد من مناطق عراق الأمير كل من منطقة القصر، ومنطقة البيرة، وحي العباسية، ومنطقة أم حجر، ومنطقة البريد، وحي المحاميد، ومنطقة الفحص، ومنطقة الحامدية، وحي أم المدارس، ويقع الجزء الأساسي من عراق الأمير في حوض العميرية والفحص(3).
ســـيرة قريـــة
تقع عراق الأمير في الجهة الغربية من عمان، على بعد 20 كيلو مترا من مركز العاصمة، على خط الطول 35 درجة و 45 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 31 درجة و 55 دقيقة شمالاً، وهي منطقة من مناطق أمانة عمان الكبرى، وهي جزء من منطقة وادي السير، وتتبع إداريا إلى لواء وادي السير من محافظة العاصمة.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان عراق الأمير بحسب التعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م 1862 نسمة(888 ذكورا و 974 إناثا)، يشكلون 321 أسرة تقيم في 428 مسكنا، ومعظم السكان هم من عشائر بني عباد.
التربية والتعليم:
توجد في عراق الأمير أربع مدارس حكومية هي مدرسة عراق الأمير الثانوية للبنين، ومدرسة عراق الأمير الشاملة للبنات، ومدرسة الحامدية الإعدادية للبنين، ومدرسة عراق الأمير المؤنثة الأساسية للبنين (سميت المؤنثة لأن الهيئة التدريسية فيها كلها معلمات).
الصحة:
يوجد فيها مركز صحي فرعي.
المجتمع المدني:.
توجد في القرية جمعية سيدات عراق الأمير التعاونية، ومحطة معرفية تابعة لمركز الملكة رانيا للتميز.
* يوجد في عراق الأمير 4 مساجد، وأقدم هذه المساجد هو مسجد العباس.
توقيع :عيون الحزن
أنا لم ولن أكون لعبة لآمرأة تتحكم فيها الأهواء
أنا من عرفني تصاب نفسه بالغرور والخيلاء ويكفيه فخراً انه عرفني لذلك يقف لي أنحناء