نظرا لمكانة المسجد الحرام والكعبة المشرفة في قلوب المسلمين قاطبة، فقد حظيا بعناية ورعاية خاصتين من خلفاء المسلمين على اختلاف العصور الإسلامية ,وقد شهد المسجد الحرام تطورات عمرانية وبنائية عبر العصور ، حيث قام الخلفاء الراشدون بإجراء توسيعات مهمة، وبالأخص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي قام بتوسعة المسجد الحرام بحوالي ( ألف وخمسمائة متر مربع )، أما في عهد الخليفة عثمان بن عفان فقد أصبحت المساحة الكلية للمسجد الحرام 4482 متراَ بزيادة تعادل 25٪ من مساحته السابقة.
ثم جاء التجديد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي أمر عندما حج بتجديد سقف المسجد الحرام من خشب الساج ، وأمر بإضاءة الصفا والمروة , ووضع مصابيح تنير هذا الطريق ، وعلق في سقف الكعبة قدحين زجاجيين وشمسيتين من القماش الديباج، ثم شهدت عمارة المسجد الحرام خلال فترة حكم ابنه الوليد تطورا ً كبيرا ً باستعمال الرخام، والذهب، وتزيين الجدران والسقوف بالفسيفساء.
ومر المسجد الحرام بالتجديدات والإضافات العديدة بعد ذلك ، فقد أضافوا إليه السقوف والأعمدة، ووسائل الإنارة وغيرها ، ومن أبرزتلك الإضافات ذلك الإعمار الذي أجراه السلطان العثماني سليم وابنه السلطان مراد عام 1572م وذلك عندما أعيد تعمير المسجد بأكمله، بأسلوب جديد، استُخدمت فيه أجود مواد البناء.
ثم ما تم إنجازه خلال عهد الأسرة السعودية التي اهتم قادتها اهتماما ً بالغا ً بتوسعة المسجد الحرام وعلى الأخص في عهد الملك عبد العزيز آل سعود 1375– 1396 هـ، والملك فهد بن عبدالعزيز سنة 1409هـ.
ولا يفوتنا في هذا المقام الحديث عن الكعبة المشرفة التي تعتبر أقدم مكان للعبادة في الأرض ، حيث اختارها الله جلت حكمته مكانا ً لبيته المحرم، أول بيت وضع للناس على هذه البسيطة , يقول الله تعالي : (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ً وهدى للعالمين )) (آل عمران 96). وبذلك اكتسبت مكة قدسيتها من هذا الاختيار، وحظيت بالتكريم والتعظيم ,وأضحت من المدن التي تهفو إليها النفوس والأفئدة. فقد بعث الله نبيه إبراهيم وولده إسماعيل ليرفعا قواعد البيت العتيق ، فقاما ببناء الكعبة من الحجر الرخام. ثم شرفه بكونه قبلة أهل الرسالة الخاتمة، وموطن رسولها عليه أفضل الصلاة والتسليم .
كان ارتفاع الكعبة 4,5 متراَ، ثم قامت قريش قبل البعثة النبوية باستقصار الارتفاع و بناء سقف مسطح بسطحين من الدعائم في كلً صف ثلاث دعائم. وكان ارتفاع كل دعامة من الخارج حوالي عشرة أمتار، كما تم بناء مدماكين من الخشب والحجارة , وقد ورد في سيرة ابن هشام، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قام بنقل حجارة بناء الكعبة على رقبته، وبعباءته، وهو الذي فض التنازع بين البيوتات القرشية حول من يضع الحجر الأسود في موضعه في قصة معروفة في كتب السيرة النبوية الشريفة.
جميع الصور بالمرفقات
منقول
المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة
يعد المسجد النبوي الشريف من أوائل النساجد التي بنيت في الاسلام ,وقد بنيت على غراره معظم المساجد الإسلامية، فكان بذلك الصورة الأولى والأساسية لتصميم عمارة المساجد في الإسلام .
ورغم أنه ليس المسجد الأول الذي أقامه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في المدينة المنورة، حيث كان مسجد قباء هو الأول، فإن اختفاء معالم هذا المسجد، جعل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة أول المساجد التي بنيت في الإسلام من حيث التصميم المعماري والأهمية .
ولقد تم اختيار حرم المسجد جهة الشمال، وتم تحديد هذا الحرم من خلال جذوع النخل، وتم اختيار الجزء الجنوبي الشرقي كحجرات لمعيشة الرسول مع أسرته الكريمة.
وأصبح للمسجد قبلة من اللبن، كانت تتجه إلى بيت المقدس، فحولها الرسول بعد سبعة عشر شهرًا إلى الكعبة،وذلك بعد نزول الآية الكريمة : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ( سورة البقرة آية 145 .
وقد بنى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مسجده الشريف من اللبن، وجعل في سقفه الجريد المغطى باللبن كذلك ، وأما اسطواناته فكانت من خشب النخيل.
ولما انتقلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر الصديق، قام بتوسعته من جهة القبلة ، وجعل أساس المسجد بالحجارة في جوف الأرض، ثم أقام البناء عليه باللبن ، وجعل سقفه بالجريد، والأعمدة من خشب النخل.
وما إن آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان حتى أحدث زيادة كبيرة في المسجد، واستبدل مادة البناء من اللبن إلى الحجارة، كما وضع اسطوانات حجرية بدلا ً من الخشبية، واتسعت مساحة المسجد من الناحية الشمالية 50 ذراعا ً ومن الشرق 60 ذراعا ومن الغرب 50 ذراعا ً، ومن الجنوب 100 ذراع، ولم يزد في عدد الأبواب، بل في عدد النوافذ.
وحين تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة، أمر واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، بتوسيع مساحة المسجد من جهتي الشرق والغرب، وشراء الدور المجاورة، وعلى أثر ذلك اشتملت الزيادة على حجرات زوجات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدد من الدور ، واحدة لعبد الرحمن بن عوف، والثانية لعبد الله بن مسعود، وأضيفت دارُ من جهة الغرب لطلحة بن عبيد الله، ودار لعمار بن ياسر، ودار للعباس بن عبد المطلب، وأمر الخليفة الوليد بإرسال أعمدة رخامية من الشام، وفسيفساء من مصر، وأقيم الأساس من الحجارة والرصاص والحديد، وبني الجدار بالحجارة المنقوشة المحشوة بالرصاص، فأصبح طول المسجد بعد هذه التوسعة 180 ذراعا ًمن ناحية الجنوب، و110 من ناحية الشمال، ونقشت جدران المسجد بالفسيفساء، وأدخل قبر النبي ( صلى الله عليه وسلم) ضمن المسجد، وأقيمت أربع مآذن في زوايا المسجد.
وعمر بن عبد العزيز هو أول من جعل للمسجد محراباً. وفي عهد الخليفة أبي جعفر المنصور تصدعت جدران المسجد، فأمر بصيانتها وتجديدها.
وفي عهد ابنه المهدي ضاق المسجد بزواره وبالمصلين، فأمر واليه على المدينة آنذاك جعفر بن سليمان بزيادته من جهة الشمال 100 ذراع، ومن الشرق والغرب 50 ذراعا ً، وزاد ذراعين في ارتفاع الجدران، وكان ذلك في عام 162هـ. واستمر خلفاء البيت العباسي في الاهتمام بالمسجد إصلاحا ً وترميمًا .
وكان في المسجد أربعة مآذن في أركانه، أزال منها سليمان بن عبد الملك المئذنة الجنوبية الغربية لإشرافها على بيته، ثم أزيلت المئذنتان الشماليتان ، ولم تبق إلا المئذنة الجنوبية الشرقية، وهي عبارة عن برج مربع طول ضلعه 5,4 مترًا وارتفاعه 29 مترًا.
وكان للمسجد عدد من الأبواب، منها باب جبريل ,وكان اسمه باب عثمان ,وهو الباب الذي يدخل منه الرسول (صلي الله عليه وسلم)، والباب الثاني هو باب النساء الذي فتحه عمر بن الخطاب، والباب الثالث هو باب الرحمة، وكان اسمه باب السوق في عهد الرسول، وهو الوحيد من جهة الغرب، والباب الرابع هو باب السلام وكان اسمه باب مروان لموقعه على بيت مروان الذي كان ممتداَ على طول الجدار من الزاوية الجنوبية الغربية وحتى غربي المحراب، ولقد أزال المهدي الواجهة الشمالية للمسجد عند تعديله.
وتتركز زخرفته في تزيين الجدارين الجنوبي والشمالي، فقد زُيًن الجدار الجنوبي بأشرطة رخامية ، وهي أشرطة عرضية، تعلوها كتابات من آيات قرآنية، وأشعار وقصائد قصيرة.
أما في الجدار الشمالي، فقد تم وضع فتحات لإدخال النور، وتم تزيينه بالفسيفساء، وتم تغطية السقف بالخشب الملون والمزين. ويقوم المنبر في الوسط بين الجدار الجنوبي والمحراب، وكان محراب الرسول (صلي الله عليه وسلم) مكونًا من درجتين، فجعلها معاوية ثماني درجات، بإضافة ست درجات في أسفله، وقد احترق هذا المحراب في القرن الثالث عشر.
وفي الجهة الجنوبية الشرقية أقيم قبر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غرفته الخاصة، وقام عمر بن عبد العزيز ببناء حاجز مستطيل حول القبر . وبين القبر والمحراب فضاء يسمى (الروضة) وهو مكان استعمله الرسول للاستقبال، وقد تم تبليطها في العهد الأموي.
وكان مشروع التوسعة في العهد السعودي الحالي أكبر مشروع توسعة يشهدها المسجد على مر العصور، حيث بدأها الملك عبد العزيز بن سعود في النصف الأول من القرن العشرين، ثم جاءت التوسعة الكبرى في عهد ابنه الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية .
جميع الصور بالمرفقات
منقول
المسجد الأقصـى المبارك بالقدس الشريف
في إطار جهود المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الهادفة إلى التصدي للمحاولات العديدة لطمس الهوية العربية الإسلامية في القدس الشريف خصصت مساحة من نافذتها على شبكة المعلومات الدولية ( الأنترنت ) لنشر المعلومات التاريخية والحضارية للقدس الشريف , وإبراز الحقائق الأثرية التي تؤكد عروبة مدينة القدس وإسلاميتها وذلك بهدف توعية شباب المسلمين بتاريخ هذه المدينة المقدسة وحضارتها المجيدة .
ففي الوقت الذي تتعرض فيه مدينة القدس الشريف، قبلة المسلمين الأولى ، ومسرى النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ، ومهد الديانات السماوية إلى حملة عاصفة ومنظمة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتغيير هويتها العربية الإسلامية ,وطمس معالمها الحضارية وتراثها الثقافي الضارب في أعماق التاريخ كان لابد أن يعرف العالم حقيقة ما يجري من مسخ وتزوير لمعالمها وتاريخها . ولذا تؤكد الإيسيسكو وبالأدلة الأثرية والوثائقية أن القدس عربية منذ أكثر من خمسة آلاف عام ، وأن بيت المقدس إسلامي منذ أسراء النبي صلي الله عليه وسلم إليها في بداية بعثته الشريفة .
وقد ارتبط اسم المسجد الأقصى بإسراء النبي صلي الله عليه وسلم منذ أن قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع العليم ).
ثم كان هذا المسجد أحد الأماكن المقدسة التي تدخل زيارتها في الشعائر الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشدٌ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى).
المسجد الأقصى المبارك
يقع مبنى المسجد الأقصى المبارك في الجهة الجنوبية الشرقية لمنطقة الحرم القدسي الشريف في القدس، وهو القبلة الأولى للمسلمين وثاني مسجد بني لعبادة الله وحده وثالث الحرمين الشريفين، أما أول من أمر ببنائه فهو الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب بعد أن فتح بيت المقدس في16هـ/636م ثم أعاد بناءه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86-96هـ/705-714م) في الفترة الواقعة ما بين 90-96هـ/708-714م) كما أكدت ذلك أوراق البردى التي أخذت عن مراسلات بين قرة بن شريك حاكم مصر الأموي وأحد حكام الصعيد. (وكانت مساحة المسجد أكبر بكثير مما هي عليه اليوم، وقد ذكر المقدسي (375هـ/985م) وهو أول من أورد وصفا للمسجد الأقصى أنه كان يتكون من خمسة عشر رواقا أكبرها الرواق الأوسط وسبعة أروقة في كل من الجهة الغربية والجهة الشرقية. ويفتح في كل رواق باب باتجاه الشمال أكبرها الرواق الأوسط، وجميعها مغطاة بسقف على شكل جملون أعلاه سقف الرواق الأوسط الذي ينتهي في الجهة الجنوبية بقبة خشية مغطاة بالرصاص. وقد ظل المسجد قائما بتخطيطه الأصلى حتى سنة 132هـ/749م حيث تهدّم جانباه الشرقي والغربي جراء الهزة الأرضية التي حدثت في تلك السنة.وتم ترميمه في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور 141هـ/758م. ثم تعرّض المسجد لزلزال آخر في العهد الفاطمي سنة 425 هـ/1033م فأعاد بناءه الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله 427هـ /1035م، وقد وصفه الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار المسجد بعد هذا الترميم عام 437هـ/1045م بوصف يشبه وصف المقدسي فقال: "على الساحة خمسة عشر رواقا، وعليها أبواب مزخرفة، ارتفاع كلً منها عشرة أذرع، وعرضه ستة أذرع".
أما اليوم فيتألف المسجد الأقصى من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة رخامية ممتداَ من الشمال إلى الجنوب، يغطيه جملون مرصع بألواح الرصاص، وينتهي من الجنوب بقبة عظيمة الهيئة والمنظر، كُروية الشكل، تقوم على أربعة دعامات حجرية تعلوها أربعة عقود حجرية، نتج عنها أربعة مثلثات ركنية، لتكون بمثابة القاعدة التي تحمل رقبة القبة. والقبة نفسها مكونة من طبقتين: داخلية وخارجية، زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية والجصية، وأما من الخارج فقد تمت تغطيتها بصفائح الألمنيوم، واستبدلت حديثا بألواح من الرصاص، وذلك في أثناء أعمال الترميم التي قامت به لجنة إعمار المسجد الأقصى. ويحيط بالرواق الأوسط من كلا جانبيه الغربي والشرقي ثلاثة أروقة من كل جانب جاءت موازية له وأقل ارتفاعا منه.
أما الأروقة الواقعة في القسم الغربي فقد غطيت بالأقبية المتقاطعة المحمولة على العقود والدعامات الحجرية والتي تم إنشاؤها في الفترة المملوكية، وأما القسم الشرقي فقد غطي بسقوف خرسانية تقوم على أعمدة وعقود حجرية تم ترميمها وإعادة بنائها على يد المجلس الإسلامي الأعلى (1357_1363هـ/ 1938-1943م.
ويُدخل إلى المسجد من خلال أبوابه السبعة الموجودة في الجهة الشمالية، والتي يؤدي كلُ منها إلى أحد أروقة المسجد السبعة، ويتقدم الواجهة الشمالية واجهة أخرى هي عبارة عن رواق تمت إضافته في الفترة الأيوبية، ويمتد من الشرق إلى الغرب، يتألف من سبعة عقود حجرية تقوم على دعامات حجرية، وعوضاً عن تلك الأبواب السبعة، فقد فتح بابان آخران في كل من الجهة الغربية والشرقية للمسجد، وباب واحد في الجهة الجنوبية وذلك في فترات متأخرة.
مسجد قبة الصخرة بالقدس الشريف
تعد قبة الصخرة أقدم معلم من معالم الحضارة الإسلامية في مدينة القدس الشريف وهي تشكل بقعة مهمة في الحرم الشريف، تم بناؤها في العصر الأموي علي يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 72 هـ 691 م ، ومثل شكلها الهندسي رمزًا عالميًا لمدينة القدس الشريف .
وفي عهد الخليفة المأمون بن الرشيد تم ترميم قبة الصخرة وجددت عماراتها ،ولكن العمال استبدلوا اسم الخليفة الأموي عبد الملك باسم الخليفة العباسي المأمون , وفاتهم أن يغيروا السنة التي أرخت للبناء فبقيت علي حالها 72 هـ تدل على تاريخ بنائها الأول . والكتابة نصها : ( بنى هذه القبة عبد الله ( الإمام المأمون ) أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي عنه(ٍ
ويتكون المبنى من فناء مركزي تغطيه قبة كبيرة وتدور حوله ممرات خارجية مزدوجة. وهذه القبة أنشئت على الصخرة المقدسة طولها سبعة عشر مترًا وسبعون سنتيمتر، وعرضها ثلاثة عشر مترًا ونصف المتر، بارتفاع مترين، من الحجر الصلد غير المشذب، جرداء قاتمة اللون، ولهذه الصخرة قدسية ترتبط بحادث المعراج، حيث انطلق النبي (صلى الله عليه وسلم) عند معراجه على براقه إلى السماء من هذه الصخرة . ولذا سمي الجدار المجاور لها بحائط البراق، وهو الذي سماه اليهود في تاريخ قريب باسم حائط المبكى دون وجود أساسي تاريخي لهذه التسمية .
كما تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم، لعدة عوامل منها: قدسيتها ومكانتها الدينية عند المسلمين، وأنها تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية، وهي لوحة فنية وجمالية رائعة تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية عبر عصورها المتتابعة، ولذلك فقد جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية حتى اعتبرت آية في فن الهندسة المعمارية.
تتوسط قبة الصخرة المشرفة تقريباً ساحة الحرم الشريف حيث تقوم على فناء (صحن) يرتفع عن مستوى ساحة الحرم حوالي 4م ويصل إليها الزائر من خلال البوائك (القناطر) التي تحيط بها من جهاتها الأربع.
بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/684-705ميلادية) حيث بدأ العمل في بنائها سنة66 هجرية /685ميلادية، وتم الفراغ منه سنة72هجرية /691ميلادية. وقد أشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان بفلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس، وقد أنفق عليها خراج مصر لمدة سبع سنوات.
ووُضع تصميم مخطط قبة الصخرة المشرفة على أسس هندسية دقيقة ومتناسقة تدل على مدى إبداع العقلية الهندسية الإسلامية حيث اعتمد المهندس المسلم في تصميم هيكلها وبنائها على ثلاث عناصر هندسية ترجمت بعناصر معمارية لتشكل فيما بعد هذا المعلم والصرح الإسلامي العظيم. وأما العناصر المعمارية الثلاثة التي جاءت محصلة تقاطع مربعين متساويين فهي: القبة التي تغطي الصخرة والتي تحيط بها تثمينتين داخلية وخارجية تحيطان بالقبة نتج عنهما رواق داخلي على شكل ثماني الأضلاع.
أما القبة التي جاءت بمثابة الدائرة المركزية التي تحيط بالصخرة فإنها تجلس على رقبة تقوم على أربع دعامات حجرية (عرض كل منها ثلاثة أمتار) واثني عشر عموداً مكسوة بالرخام المعرق، وتحيط بالصخرة بشكل دائري ومنسق، بحيث يتخلل كل دعامة حجرية ثلاثة أعمدة رخامية، وتتكون القبة من طبقتين خشبيتين داخلية وخارجية وقد نصبتا على إطار خشبي يعلو رقبة القبة كما زينت القبة من الداخل بالزخارف الجصية المذهبة ومن الخارج صفحت بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب، وفتح في رقبة القبة ست عشرة نافذة لغرض الإنارة والتهوية، وتضم التثمينة الداخلية ثماني دعامات حجرية يتخللها بين كلً دعامة وأخرى عمودان من الرخام، وتعلوها عقود نصف دائرة متصلة بعضها ببعض بواسطة جسور خشبية، وتتألف التثمينة الخارجية من ثماني واجهات حجرية، فتح في كل من الواجهات المقابلة للجهات الأربع باب وخمسة شبابيك، وقد كسيت الواجهات من الداخل بالبلاط الرخامي الأبيض. ومن الخارج كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض، والقسم العلوي بالقاشاني، علماً بأنها كانت مكسوة بالفسيفساء المزخرفة في الفترة الأموية، كما تم تغطية سقفي الرواقين الممتدين من التثمينة الخارجية وحتى القبة بجمالونات خشبية صفحت من الداخل بألواح خشب دهنت وزخرفت بأشكال مختلفة وأما من الخارج فقد صفحت بألواح من الرصاص.
وفي أسفل الصخرة المشرفة يوجد كهف صغير يعرف بالمغارة، وهو مربع الشكل تقريباً (5ر4م مربع) ومتوسط ارتفاعه 3م وقد أقيم في جهته القبلية محرابان أحدهما وهو الواقع في الجانب الشرقي للمغارة يعود تاريخه للفترة الأموية.
وقد استطاع الفنان المسلم أن يزين ويحلّي قبة الصخرة المشرفة بعدة أنواع من الزخارف، من أهمها: الزخارف الفسيفسائية، والزخارف الرخامية، والزخارف الخشبية، والزخارف القاشانية والخطوط كعنصر زخرفي إلى جانب وظائفه التوثيقية.
أما الزخارف الفسيفسائية والتي تعرف بالفسيفساء فهي عبارة عن قطع زجاجية ملونة ومذهبة تميل في شكلها إلى المربعات الصغيرة حيث اشتهرت كعنصر زخرفي في تجميل العمائر الهندسية في العصرين البيزنطي والأموي.
وقد اختار الفنان المسلم ثلاثة ألوان رئيسة ليستخدمها في نسج زخارفه الفسيفسائية، حيث اشتملت الألوان على الأخضر والأزرق والمذهب (اللون الذهبي) إضافة إلى ألوان أخرى ثانوية.
وأهم مواضيع الزخرفة كانت: الزخرفة النباتية كالأشجار والفواكه والأوراق النباتية مختلفة الأنواع، والأشكال، وورق الأكانتس، والمجوهرات بجميع أنواعها، والمزاهر (المزهريات)، والأشكال الهندسية والخط، وجاءت كلها لتكون مواضيع الرسالة التي أراد الفنان إبرازها للناظرين والمتمعنين بها.
وكأن الفنان يريد أن يذكرنا بتصويراته هذه الأشياء الموجودة في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين والتي تمً وصفها في القرآن الكريم بما فيها من أشجار وثمار مختلفة الألوان ومجوهرات ثمينة وقصور... الخ.
أما الزخرفة الرخامية فقد استخدمت بشكل لافت للنظر في الأعمدة وتيجانها، وفي تكسية الدعامات الحجرية، إضافة إلى الأفاريز المذهبة التي تزخرف أماكن مختلفة من داخل البناء، إضافة إلى القاشاني، وهو ذلك الآجر المزجج والملون والذي يعرف في بلادنا بالبلاط الصيني، وقد استخدم لأول مرة في عمارة قُبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي استبدل الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية منذ العهد الأموي بالبلاط القاشاني المزجج والملون وذلك في سنة 959هجرية / 1551 ميلادية.
مسجد عمر بن الخطاب بالقدس
يقع جنوبي ساحة كنيسة القيامة في القدس. وقد أقيم على المكان الذي صلى فيه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح القدس. ففي أثناء زيارته لكنيسة القيامة حان موعد الصلاة، فطلب منه بطريرك القدس الصلاة، فرفض الصلاة داخل كنيسة القيامة احتراماً للنصارى، وحفاظاً على ملكيتهم للكنيسة، وحتى لا يقوم المسلمون ببناء مسجد في مكان صلاته في الكنيسة.
وقد أعاد بناءه الملك الأفضل أبو الحسن نور الدين بن صلاح الدين سنة 589هـ/ 1193م. وتهدم عام 863هـ/1458م بسبب زلزال تعرضت له المدينة، فأُعيد بناؤه عام 870هـ/1465م، والمسجد الحالي تم ترميمه في العهد العثماني.
يتكون المسجد من المدخل وهو مزخرف بزخارف متقنة تعود للفترة العثمانية، ويلي ذلك درج ينزل به إلى ساحة المسجد الواقعة على الجهة الشرقية، ثم من خلالها إلى مكان الصلاة أو المسجد نفسه، وهو يتألف من قنطرتين لهما عقود محمولة على أربع دعامات كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى بواسطة عقود قاطعة، وفي منتصف الجدار الشرقي للقنطرة الشمالية الشرقية يوجد باب يؤدي إلى درج يصعد به إلى أعلى المئذنة، والمئذنة طويلة مربعة الشكل تتبع طراز الأبراج السورية، ويعود تاريخ بنائها إلى الفترة المملوكية.
جميع الصور بالمرفقات
منقول