يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
هذا الحديث النبوي الشريف يرشد المسلم إلى أن ضبط النفس وكظم الغيظ عند الغضب ليس دليل ضعف ولكنه دليل قوة شخصية المسلم ولذلك كان من أبرز صفاته صلوات الله وسلامه عليه الحلم وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ولذلك نراه عليه الصلاة والسلام يوجه رجلا قال له: “لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب..”. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر لابن مسعود: “ما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال ليس ذلك، ولكن الذي لا يملك نفسه عند الغضب”.
وفي هذا الحديث إشارة إلى ما وقر في الصدور من أن القيمة التي تتبين بها أقدار الرجال إنما هي القوة المادية التي بها يستطيع المرء أن يقهر خصومه ويتغلب عليهم.
ولقد كان هذا المفهوم الخاطئ سائدا بين العرب في جاهليتهم، وبه كان المعيار الذي يخفض ويرفع وتسمو به المنزلة ويحتل به الإنسان من القلوب كل التقدير والاحترام الأمر الذي يكون به مرهوب الجانب.
لا تفريط ولا إفراط
والناس في غضبهم على درجات ثلاث من التفريط والإفراط والاعتدال. فأما التفريط فيفقد صاحبه القوة الغضبية أو يضعفها. وذلك مذموم وهو الذي يقال فيه إنه لا حمية له وفيه قال الشافعي “من استغضب فلم يغضب فهو حمار” وقد وصف الله أصحاب نبيه بالشدة والحمية فقال: “أشداء على الكفار رحماء بينهم”. والغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب وأما الإفراط فهو حينما تغلب صولة الحمية حتى تخرج بالمرء عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها نظر ولا فكر ولا اختيار بل يصير في صورة المضطر، وقد يكون ذلك نتيجة أمور غريزية يصير بها المرء في صورة الغضبان، وقد يكون نتيجة التأثر بالبيئة المحيطة بها والتي ترى التهور وقوة الغضب شجاعة.
وأما أثره في القلب من المغضوب عليه فالحقد وإضمار السوء والشماتة والحزن بالسرور والعزم على إفشاء السر وهتك الستر والاستهزاء وغير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط.
وإنما المحمود من الغضب: غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وتنطفئ جذوته حيث يحسن الحلم.
وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال “خير الأمور أوسطها”.
إن واجب المؤمن أن يروض نفسه على ما يستحبه الشرع ويستحسنه العقل بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير ذلك للمرء خلقا وإذا كان ذلك بالنسبة للضروري من احتياجات الإنسان فغير الضروري كالجاه والمال ونحوهما من متاع الدنيا من باب أولى فقد يمكن التوصل إلى التخلص من حب ما ليس بضروري بالتذكير بأن الدنيا ليست للمرء وطنا فكل ما فيها إلى زوال ومنتهى المرء فيها إلى القبر والمستقر الأخير الآخرة، والدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك وبال إذا جاوز حد الاعتدال.
اقتلاع جذور الغضب أمر بعيد المنال ولو تصور لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عيه وسلم ففي الحديث الذي رواه مسلم كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه حتى إنه قال: “اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربى تقربه إليك يوم القيامة”.
تجنب الغضب
وإذا كان الغضب وشهوة الانتقام مدعاة إلى الخروج عن قيم الإسلام الفاضلة وأخلاقه السمحة فقد أودع تعاليمه ما يذكر بما يجنب المسلم شر الوقوع في شراكه، ففي كتاب الله عز وجل يقول سبحانه: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”. وقال: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” والمسلم عليه أن يذكر أن الله عزيز ذو انتقام وأن قدرة الله فوق قدرته.
إن أسوأ آثار الغضب تمزيق الوحدة وتفريق الجمع وبث روح العداوة والبغضاء بين الناس وإشاعة روح التقاطع والتباغض في المجتمع. وغير خاف أثر ذلك في مقدرات الأمة وهوانها وذهاب هيبتها وضعف شوكتها وصدق الله إذ يقول “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”. والنبي الكريم يقول: “لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث”.
والمتأمل في الحديث الذي معنا وما يرمي إليه، يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم يربأ بأمته أن تركن إلى المادة سلاحا تتقي به المكاره وترهب به الناس وإلى القوة طاقة تزهو بها وتتعالى منبها إلى أن المرء إنما تعلو به الفضائل وتسمو بمكانته مكارم الأخلاق فإذا غضب لم يخرجه غضبه عن حد الاعتدال في أقواله وأفعاله تلبية لداعي الانتقام ممن آثار حفيظته. وإنما يثوب إلى عقله يستهديه الرشد وإلى دينه يستلهم منه الصواب وسيعلم أن ألد أعدائه هو الذي يقوده إلى التهلكة ويدفع به إلى المعاطب وأنه نفسه الأمارة بالسوء، شر خصومه وألد أعدائه فإذا ملك زمامها ولم تملكه فإنه أعز جانبا واشد بأسا من الصرعة. ذلك بأنه غلب نفسه وشيطانه وشيطان صاحبه.
هذا الحديث النبوي الشريف يرشد المسلم إلى أن ضبط النفس وكظم الغيظ عند الغضب ليس دليل ضعف ولكنه دليل قوة شخصية المسلم ولذلك كان من أبرز صفاته صلوات الله وسلامه عليه الحلم وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ولذلك نراه عليه الصلاة والسلام يوجه رجلا قال له: “لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب..”. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر لابن مسعود: “ما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال ليس ذلك، ولكن الذي لا يملك نفسه عند الغضب”.
وفي هذا الحديث إشارة إلى ما وقر في الصدور من أن القيمة التي تتبين بها أقدار الرجال إنما هي القوة المادية التي بها يستطيع المرء أن يقهر خصومه ويتغلب عليهم.
ولقد كان هذا المفهوم الخاطئ سائدا بين العرب في جاهليتهم، وبه كان المعيار الذي يخفض ويرفع وتسمو به المنزلة ويحتل به الإنسان من القلوب كل التقدير والاحترام الأمر الذي يكون به مرهوب الجانب.
لا تفريط ولا إفراط
والناس في غضبهم على درجات ثلاث من التفريط والإفراط والاعتدال. فأما التفريط فيفقد صاحبه القوة الغضبية أو يضعفها. وذلك مذموم وهو الذي يقال فيه إنه لا حمية له وفيه قال الشافعي “من استغضب فلم يغضب فهو حمار” وقد وصف الله أصحاب نبيه بالشدة والحمية فقال: “أشداء على الكفار رحماء بينهم”. والغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب وأما الإفراط فهو حينما تغلب صولة الحمية حتى تخرج بالمرء عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها نظر ولا فكر ولا اختيار بل يصير في صورة المضطر، وقد يكون ذلك نتيجة أمور غريزية يصير بها المرء في صورة الغضبان، وقد يكون نتيجة التأثر بالبيئة المحيطة بها والتي ترى التهور وقوة الغضب شجاعة.
وأما أثره في القلب من المغضوب عليه فالحقد وإضمار السوء والشماتة والحزن بالسرور والعزم على إفشاء السر وهتك الستر والاستهزاء وغير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط.
وإنما المحمود من الغضب: غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وتنطفئ جذوته حيث يحسن الحلم.
وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال “خير الأمور أوسطها”.
إن واجب المؤمن أن يروض نفسه على ما يستحبه الشرع ويستحسنه العقل بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير ذلك للمرء خلقا وإذا كان ذلك بالنسبة للضروري من احتياجات الإنسان فغير الضروري كالجاه والمال ونحوهما من متاع الدنيا من باب أولى فقد يمكن التوصل إلى التخلص من حب ما ليس بضروري بالتذكير بأن الدنيا ليست للمرء وطنا فكل ما فيها إلى زوال ومنتهى المرء فيها إلى القبر والمستقر الأخير الآخرة، والدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك وبال إذا جاوز حد الاعتدال.
اقتلاع جذور الغضب أمر بعيد المنال ولو تصور لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عيه وسلم ففي الحديث الذي رواه مسلم كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه حتى إنه قال: “اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربى تقربه إليك يوم القيامة”.
تجنب الغضب
وإذا كان الغضب وشهوة الانتقام مدعاة إلى الخروج عن قيم الإسلام الفاضلة وأخلاقه السمحة فقد أودع تعاليمه ما يذكر بما يجنب المسلم شر الوقوع في شراكه، ففي كتاب الله عز وجل يقول سبحانه: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”. وقال: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” والمسلم عليه أن يذكر أن الله عزيز ذو انتقام وأن قدرة الله فوق قدرته.
إن أسوأ آثار الغضب تمزيق الوحدة وتفريق الجمع وبث روح العداوة والبغضاء بين الناس وإشاعة روح التقاطع والتباغض في المجتمع. وغير خاف أثر ذلك في مقدرات الأمة وهوانها وذهاب هيبتها وضعف شوكتها وصدق الله إذ يقول “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”. والنبي الكريم يقول: “لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث”.
والمتأمل في الحديث الذي معنا وما يرمي إليه، يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم يربأ بأمته أن تركن إلى المادة سلاحا تتقي به المكاره وترهب به الناس وإلى القوة طاقة تزهو بها وتتعالى منبها إلى أن المرء إنما تعلو به الفضائل وتسمو بمكانته مكارم الأخلاق فإذا غضب لم يخرجه غضبه عن حد الاعتدال في أقواله وأفعاله تلبية لداعي الانتقام ممن آثار حفيظته. وإنما يثوب إلى عقله يستهديه الرشد وإلى دينه يستلهم منه الصواب وسيعلم أن ألد أعدائه هو الذي يقوده إلى التهلكة ويدفع به إلى المعاطب وأنه نفسه الأمارة بالسوء، شر خصومه وألد أعدائه فإذا ملك زمامها ولم تملكه فإنه أعز جانبا واشد بأسا من الصرعة. ذلك بأنه غلب نفسه وشيطانه وشيطان صاحبه.