الأول: صباح الخير
الثاني: صباح الخير
الأول: هل أنت المواطن سعيد مسعود سعدان أبو السعد؟
الثاني: نعم… خير إن شاء الله
الأول: بناءا على القوانين الجديدة فإن اللوائح تنص على ضرورة أن تطلق زوجتك، وأن تغير مكان سكنك، ويتوجب عليك أن تنقل أبناءك من مدارسهم الحكومية الحالية إلى مدارس أخرى خاصة، وعليك السماح لابنتك الصغرى بالمشاركة في برنامج الموهوبين "ستار أكاديمي"، ثم إن موديل سيارتك قديم وتسريحة شعرك لا تناسبنا إطلاقا، كما أننا نفضل أن تزيد من وزنك بعض الكيلوغرامات.
الثاني: نعم نعم نعم، خير خير، من أنت أساسا وعن أي لوائح وقوانين تتحدث؟ صحيح أن فكرة تطليق زوجتي بدت لي جذابة ومقنعة ومفيدة، ولكن ما دخلك أنت؟
الأول: أنا المندوب الرسمي لشركة "الاستثمارات العالمية في الكوادر البشرية" في المنطقة، وقد قامت الدولة بالأمس ببيع أراضي هذا الحي وخصخصة مرافقه العامة وخدماته وجميع سكّانه، وبما أنك من سكان الحي وتبعا لعقد البيع الذي وقعت عليه الدولة بالأمس فقد تم إخصاؤك أعني خصخصتك.
الثاني: ولكن هذا لا يجوز، هذا حرام، وأنا غير موافق.
الأول: لا علاقة لموافقتك بالأمر، ولا يحق لك الاعتراض، ثم إن عمليات البيع والخصخصة غير خاضعة للإفتاء الديني أو الإجماع الشعبي ولا تحتاج إلى تصويت وقبول وأغلبية، ولا تنسى أن المسئولين قد تقاضوا مبالغ طائلة منا ومن حكومات خارجية وجهات مختلفة ومنظمات سرّية يهمها جدا أن تتم عمليات البيع هذه وإذا قامت الحكومة تحت الضغط الشعبي أو بناء على طلب البرلمان أو لأسباب دينية أو فكرية أو اقتصادية أو حتى أيديولوجية بفسخ العقد فإن الشروط الجزائية التعجيزية التي وضعناها دقيقة للغاية وذكية جدا، بحيث لن يتضرر أي من المسئولين الذين أبرموا معنا الاتفاقيات ووقعوا العقود، كذلك لن نخسر نحن شيئا ألبتة، والمتضرر الوحيد سيكون الوطن والمواطن، لأننا سنحصل على المزيد من الأراضي وسنمتص بموافقة الدولة ومباركة الحكومة دماء الشعب بصورة علنية ومفضوحة دون أدنى حرج.
الثاني: ولكنني كمواطن...
الأول: لقد باعت الدولةُ الدولةََ، وتخلت الدولة عن واجباتها تجاه الشعب، وألقت عن كاهلها عبء تحمل مسئولياتها وفكت الارتباط بالشعب وتبرأت من التزاماتها تجاهه، ويقتصر وجود الحكومات الصورية الحالية على الحفاظ على النواحي الأمنية وحماية الاستقرار والأمن داخل الدولة وحماية النظام القائم ضد أعمال الشغب ومراقبة محاولات التهرب من دفع الضرائب، وبالتالي فلم يعد لكلمة مواطن وجودا في قاموس الدولة لأن كلمة الدولة تم إلغاؤها أيضا، ومن هنا يمكن لك أن تستنتج أنك أصبحت إنسانا بلا حقوق وبلا مطالب.
الثاني: ولكن لماذا يحدث هذا؟
الأول: الفساد وسوء التخطيط وسوء الإدارة وسوء توزيع في المناصب بصورة أبعدت واستبعدت ذوي الكفاءات والذمم والضمائر وجعلت من الدولة ومناصبها وقطاعاتها تركة للمتسولين والجشعين. حسنا، تلجأ بعض الدول المتقدمة إلى الخصخصة ولكن ضمن قوانين وبنود تكفل للدولة سلطتها على الشركات والقطاعات التي تمت خصخصتها ولا تحرمها من نصيبها الوافر في الأرباح ودورها الرئيسي في القيادة، كما أنها تضمن للشعب حقوقه وكرامته، ثم إن بعض القطاعات تعتبر من ركائز الدولة ولا يمكن خصخصتها لأسباب أمنية كقطاع الاتصالات مثلا، وهناك قطاعات تمثل ثروة قومية لا يمكن التنازل عنها أو بيعها تحت أي مسمى ولأي سبب كثروات المعادن في دولة تعتبر هذه الثروة المعدنية هي كل رأس المال الوطني فيها. خطوط الطيران الوطنية والبريد وقطاع السياحة ووو هذه هي البنية التحتية للدولة ومن واجب الحكومة أن تعمل على تطوير آلية عمل هذه القطاعات وزيادة إنتاجها وصونها من المتآمرين بأموالها والمتلاعبين بمصالحها والمستهترين والقاصرين، الذين فشلت خططهم ومخططاتهم وأساليب إدارتهم العقيمة والبالية في تحسين أداء هذه المؤسسات، عوضا عن الانغماس أكثر في الفساد والاستهتار من خلال بيع هذه المؤسسات لتذهب الأثمان المقبوضة أدراج الرياح كما ذهبت قبلها عوائد هذه المؤسسات الأساسية، فالأيدي والعقول التي فشلت في الحفاظ على وإدارة هذه المؤسسات ستفشل حتما في إدارة الأموال التي قبضتها كثمن زهيد وبخس لمؤسسات ضخمة ومثمرة ومربحة بشرط أن تقع في أيدي أمينة ونزيهة وتوجهها عقول حكيمة وآراء رشيدة.
الثاني: أخبرونا أننا بهذه التنازلات نشجع على الاستثمار ونسدد الديون، وأن الأهداف بعيدة وحكيمة إلى درجة أننا نحن الشعب البسيط لا يمكننا رؤيتها واستيعابها.
الأول: هناك فرق بين التشجيع على الاستثمار لصالح الدولة وبين التشجيع على الاستثمار لصالح المستثمر وحده مما يشجع بشكل أكيد على تهافت اللصوص وتكالب القراصنة مما يضر بالدولة ومصالحها أكثر مما يعود عليها بالنفع، ومسألة الديون المتراكمة هي نتيجة حتمية لفشل الإدارة وقصور الفكر وطول في الأيادي الممتدة على الخيرات والعوائد، والوطن والشعب غير مسئولان عن أخطاء الغير المستهتر خاصة أن هذا الغير لا يكف عن الوقوع في الخطأ والعبث دون أن يطاله القانون ودون أن يدفع ثمنا لذنوبه الكثيرة وخطاياه الجسيمة، والمرامي البعيدة والفوائد الخفية لم ولا ولن تروها أبدا لأنكم لا علاقة لكم بها.
الثاني: كان من المفروض أن تشجع الدولة قطاع الزراعة وتدعم المنتجات الوطنية وتحد من عمليات الاستيراد وتدفع بالشعب نحو الزراعة والتصنيع والتصدير والاعتماد على النفس حتى نحقق ولو جزءا بسيطا من الاكتفاء الذاتي، وليتها تابعت مسائل الطاقة منذ زمن بصورة أكثر دقة وجدية فقد سمعت أننا نمتلك كميات لا بأس بها من الزيت الصخري والنفط الخام ومادة اليورانيوم.
الأول: هل جننت؟ بالطبع العالم كله يعرف أنكم تملكون مصادر الطاقة والوقود هذه، ولكن من الممنوع التصريح عنها والعبث بها، وهذا راجع للأسباب ذاتها التي بسببها حرمتم حق الاغتسال من دنس المعونات المادية والمساعدات الدولية، أن تمتلك قوتك يعني أن تمتلك قرارك، وجغرافية منطقتكم حساسة ولا يصلح معها أن تكونوا أسياد أنفسكم وصناع قرار، ولضمان هذا لابد من إلقائكم على قارعة الحاجة لنا.
الثاني: ترى هل تعتقد بوجود تدخلات خارجية ومصالح دولية وراء ما يحدث؟
الأول: عذرا لا يمكنني الحديث معك في هذا الموضوع ولكن هناك أحاديث جانبية وهمس يطرح نظرية "الوطن البديل".
الثاني: لماذا لم تؤثر عمليات البيع والخصخصة على مستوى معيشة الفرد؟ تعويم الأسعار ما زال مستمرا وقد رفعوا الدعم عن كل شيء حتى عن السلع الأساسية، ونحن نزداد فقرا وبؤسا، لماذا نبيع ونُخصخِص إذا؟
الأول: ألم أقل لك أنكم كشعب لا علاقة لكم بعوائد البيع وأرباح الخصخصة؟ وألم أشرح لك أسباب ضياع ثروات الوطن ومقدّراته؟ وأن الحل ليس في البيع والخصخصة بل في استحداث قوانين فعالة وصارمة، وأساليب إدارية ناجعة ومدروسة، وتفعيل اللوائح المجمدة، والأهم من هذا وذاك تغيير الوجوه وتجديد الدماء، والقضاء على الفساد والشللية والمحسوبية والوساطة، وفتح قنوات اتصال وتواصل ما بين السلطة والشعب، والتخطيط بمنهجية علمية إستراتيجية دقيقة، والمراقبة والمساءلة والملاحقة، والتطوير والمرونة والتجديد، الخبرة والمهارة والذكاء، الحرص والضمير والإتقان، هذه هي أدوات الخروج من المأزق وتحسين الأوضاع وهكذا تلجون عالم الازدهار والتقدم والرفاهية.
الثاني: والعمل إذا؟
الأول: اخضع ثم اخضع ثم اخضع، وبعد أن تنتهي إلى قمة الخضوع والذل والفقر والمهانة اخضع واخضع، وافتح مزيدا من الأبواب والأسباب لمزيد من الخضوع ثم اخضع واخضع، ومن جديد اخضع...
الثاني: تذكرني كلماتك بقصيدة "تقدموا" للشاعر "سميح القاسم" وقصيدة "لا تصالح" للشاعر "أمل دنقل".
الأول: نعم، فلا وجود لحل وسط بين ما أقول وما يقولان...
te 
