عبير الكالوتي ـ الجزيرةـ عمّان ـ الأردن
ركب سيارةَ أجرة تقلّه إلى أقرب نقطة مدعومة بالمواصلات، لم تكن المسافة طويلة وهذا ما جعله يطمئن، إذ بإمكانه أن يوفر بعضاً من النقود التي يحملها، لم يستطع أن يغرق في التفكير أكثر بمخلفات يومٍ وظيفيٍّ كاملٍ ، إذ إنّ صوتَ المذيع الذي وجد فيه صاحبُ سيارةِ الأجرة سلواه ولسان حاله يقول : " الكلام إلي واسمع يا جار" ، قطع على صاحبنا سكونَه ليمتعضَ.. ويسحبَ نفساً عميقاً ..وعلى الهواء مباشرة كان صوت المذياع : المذيع: " متى ممكن أن نصل لمرحلة يجرى عليها التعديل على العداد في وقت الانتظار عند الازدحام"
المسؤول: " هذا ما نأمل أن نصل له وهو أولى من تعديل العداد فقط للكيلومترات المقطوعة وبذا نضمن حق السائقين"
- المذيع: " وختاماً لا ننسى المواطن كذلك فهو ضمن الدائرة، ونحن نأمل ابتداءً أن يقل
سعر برميل النفط إلى سبعين دولاراً، ونتخطى هذه التعديلات التي تمت ثلاث مرات وخلال فترة وجيزة "
" وختاماً المواطن في بلدي"، هذا ماقاله صاحبنا متمتماً مع نفسه، ليتنبه قائلاً للسائق :
" يعطيك العافية.. عندك"
فردّ عليه السائق: " سأطلب منك على العداد القديم ،مالم يجروا التعديل "
دفع الراكب أجرته، وترك للسائق البضعة قروش المتبقية ، قائلاً في نفسه : " أصبح كلٌّ منا يقتات على شفقة الآخر، إلا شفقة واحدة لم تطأنا بعد، المهم فأمانته تستحق إكرامَه بعد تلفيق السائق الذي جئت معه صباحاً ليجعلني أدفع ضعف الأجرة بكذبه، وكأنني مسؤول عن دفع ضريبة احترام المواطن في بلدي"
سحب صاحبنا نفساً عميقاً آخر ومضى يسير ليقطع باقي الطريق علّه يجد حافلة تقلّه، وإذ بصوت جابي الأجرة يقف على رأس نفق المشاة بصوته الذي أكله الدهر ينادي في وجوه المارة ، وقف صاحبنا يفكر فيما إذا كان بإمكانه أن ينتظر - والشمس تلفح وجهه- حافلةً أخرى أقلَّ أجرة من هذه ولكنها توصله لنقطة أكثر بعداً عن بيته ، فكّر هنيهة، وضحّى بالفارق ثم ركب، لم تكن هذه المرة عملية البحث عن مِقعد عمليةً صعبة ،اختار مقعداً وجلس وهو يتحسر على وقته الذي تملكه إرادة الراكبين، ويتأمل في الوقت ذاته وجوههم ، ليكون المقعد الأخير نصيب امرأةٍ شقّ الإرهاق معالم وجهها وهي تحمل ابنها الرضيع بين يديها وتلفّه حتى لا يكاد يرى شيئاً، وكأنها تحمل كيساً من الفواكه تنتظر استواءها في هذا الجو الحار..
لتبدأ عملية جباية الأجرة، وكما توقع صاحبنا فالرفع ليس مهمة الحكومة فقط ، فالحق الذي تمارسه الحكومة يُخرج كوامنَ لاذت في النفس، ظنّها صاحبنا أنها اندثرت، ليدرك بعد ذلك أنه كان ساذجاً حين حسب ذلك، فالعلاقة طردية حسب قوانين الرفع، إذا كان الرفع متعلقاً بسعر برميل البترول، فالأسعار سترتفع ابتداء لترفع معها كلَّ دفين، ويرخص الضمير عكسياً .
دفع صاحبنا آخر خمسين قرشاً كانت معه وانتظر ليعاد له الباقي، إلا أنه نزل من الحافلة وجابي الأجرة يمارس صلاحيات الحكومة ، فيجمع من الراكبين أجرة بتسعيرة جديدة منه وموحدة أنى كانت نقاط نزولهم، والراكبون يستفهمون سريعاً ، أو لا يستفهمون، ومن ثم يصمتون.
نزل صاحبنا مختنقاً من لعبةٍ لم توزع أدوارُها بانتظام، ووقف ينتظر قطع الشارع، مرّ بجانب بقالة اعتاد شراء شيءٍ منها مما تبقى من باقي قروشه التي ينفقها في المواصلات، لكن هذه المرة أفقده صمته أن يوفر بضعة قروش للشراء.
تذكر ومنذ أقل من سنتين تحديداً، كان يقطع ذات المسافة، ويشتري من ذات البقالة، ويدخر لجيبه بضعة قروش متبقية.
مشى والأفكار تخنقه، فبقي شارعٌ طويلٌ يفصله عن بيته، لتقطعَ سيارةٌ مسرعةٌ ثورةَ اختناقه وكأنها لا تراه، لم يدرِ صاحبُنا - وقد تلفت حوله- أين يمشي، فحتى الرصيف ارتفع لمقام السيارات، وفي الشارع تتسابق السيارات، وفي تلك الشعرة الفاصلة، مابين خط الرصيف والسيارة مشى صاحبنا، قائلاً: "وختاماً لا ننسى المواطن" ،وبدأ بشتم القابضين على جيوب الناس ابتداء من برميل البترول، إلى راسمه وملونه ، و مُصدّره ومُورده، والحالم به والحامل ويضاف المحمول، وإلى كل الوجوه الصامتة التي رآها في طريقه تَسقي غيرها غشاً وكذباً أو تُسقى بذاتها ظلماً وجوراً، وحمد الله أن منّ عليهم بنعمة التكافؤ، فهنا وفي وطني فقط – على ذمة صاحبنا- الفاعل مفعول به في ذات السياق، لتخنقه الأفكار خنقاً فيشتم نفسه : كيف صمتُّ عن قرشي .. وعن أرضي
" وختاماً المواطن في بلدي"، هذا ماقاله صاحبنا متمتماً مع نفسه، ليتنبه قائلاً للسائق :
" يعطيك العافية.. عندك"
فردّ عليه السائق: " سأطلب منك على العداد القديم ،مالم يجروا التعديل "
دفع الراكب أجرته، وترك للسائق البضعة قروش المتبقية ، قائلاً في نفسه : " أصبح كلٌّ منا يقتات على شفقة الآخر، إلا شفقة واحدة لم تطأنا بعد، المهم فأمانته تستحق إكرامَه بعد تلفيق السائق الذي جئت معه صباحاً ليجعلني أدفع ضعف الأجرة بكذبه، وكأنني مسؤول عن دفع ضريبة احترام المواطن في بلدي"
سحب صاحبنا نفساً عميقاً آخر ومضى يسير ليقطع باقي الطريق علّه يجد حافلة تقلّه، وإذ بصوت جابي الأجرة يقف على رأس نفق المشاة بصوته الذي أكله الدهر ينادي في وجوه المارة ، وقف صاحبنا يفكر فيما إذا كان بإمكانه أن ينتظر - والشمس تلفح وجهه- حافلةً أخرى أقلَّ أجرة من هذه ولكنها توصله لنقطة أكثر بعداً عن بيته ، فكّر هنيهة، وضحّى بالفارق ثم ركب، لم تكن هذه المرة عملية البحث عن مِقعد عمليةً صعبة ،اختار مقعداً وجلس وهو يتحسر على وقته الذي تملكه إرادة الراكبين، ويتأمل في الوقت ذاته وجوههم ، ليكون المقعد الأخير نصيب امرأةٍ شقّ الإرهاق معالم وجهها وهي تحمل ابنها الرضيع بين يديها وتلفّه حتى لا يكاد يرى شيئاً، وكأنها تحمل كيساً من الفواكه تنتظر استواءها في هذا الجو الحار..
لتبدأ عملية جباية الأجرة، وكما توقع صاحبنا فالرفع ليس مهمة الحكومة فقط ، فالحق الذي تمارسه الحكومة يُخرج كوامنَ لاذت في النفس، ظنّها صاحبنا أنها اندثرت، ليدرك بعد ذلك أنه كان ساذجاً حين حسب ذلك، فالعلاقة طردية حسب قوانين الرفع، إذا كان الرفع متعلقاً بسعر برميل البترول، فالأسعار سترتفع ابتداء لترفع معها كلَّ دفين، ويرخص الضمير عكسياً .
دفع صاحبنا آخر خمسين قرشاً كانت معه وانتظر ليعاد له الباقي، إلا أنه نزل من الحافلة وجابي الأجرة يمارس صلاحيات الحكومة ، فيجمع من الراكبين أجرة بتسعيرة جديدة منه وموحدة أنى كانت نقاط نزولهم، والراكبون يستفهمون سريعاً ، أو لا يستفهمون، ومن ثم يصمتون.
نزل صاحبنا مختنقاً من لعبةٍ لم توزع أدوارُها بانتظام، ووقف ينتظر قطع الشارع، مرّ بجانب بقالة اعتاد شراء شيءٍ منها مما تبقى من باقي قروشه التي ينفقها في المواصلات، لكن هذه المرة أفقده صمته أن يوفر بضعة قروش للشراء.
تذكر ومنذ أقل من سنتين تحديداً، كان يقطع ذات المسافة، ويشتري من ذات البقالة، ويدخر لجيبه بضعة قروش متبقية.
مشى والأفكار تخنقه، فبقي شارعٌ طويلٌ يفصله عن بيته، لتقطعَ سيارةٌ مسرعةٌ ثورةَ اختناقه وكأنها لا تراه، لم يدرِ صاحبُنا - وقد تلفت حوله- أين يمشي، فحتى الرصيف ارتفع لمقام السيارات، وفي الشارع تتسابق السيارات، وفي تلك الشعرة الفاصلة، مابين خط الرصيف والسيارة مشى صاحبنا، قائلاً: "وختاماً لا ننسى المواطن" ،وبدأ بشتم القابضين على جيوب الناس ابتداء من برميل البترول، إلى راسمه وملونه ، و مُصدّره ومُورده، والحالم به والحامل ويضاف المحمول، وإلى كل الوجوه الصامتة التي رآها في طريقه تَسقي غيرها غشاً وكذباً أو تُسقى بذاتها ظلماً وجوراً، وحمد الله أن منّ عليهم بنعمة التكافؤ، فهنا وفي وطني فقط – على ذمة صاحبنا- الفاعل مفعول به في ذات السياق، لتخنقه الأفكار خنقاً فيشتم نفسه : كيف صمتُّ عن قرشي .. وعن أرضي