لقد شعر الجميع بالصدمة عندما تناقلت وسائل الإعلام من صحف ومجلات خبر تلك الكارثة التي ظهرت على السطح بإعلان الشرطة في بعض البلاد العربية القبض على مجموعة تنتمي إلى جماعة عبدة الشيطان حيث قبضوا عليهم متلبسين بهذا الجرم المشين .
فكانت صدمة عنيفة أحدثت في المجتمع المسلم رجة ، خلخلت دعائمه وأسسه ، وغدا المصلحون من هول الصدمة يتحسسون مكامن الداء وأسبابه ودوافعه ، ما الذي أخرج من بين ظهراني المجتمع المسلم هذه الشرذمة القذرة التي تتخذ من الشيطان إلها - أيا كانت فلسفتها في تفسير هذه العبودية - ، ما الذي دفع هذه الطائفة من الشباب إلى الإعراض والتولي عن دين المجتمع وقيمه وأخلاقه ، دون أن يبالوا بذلك أو يستشعروا الخوف والرهبة من الإقدام على هذا العمل الشائن .
كل هذه الأسئلة دفعت المصلحين والباحثين إلى تلمس هذه الأسباب بغية معالجتها، وقد ذكر كلٌّ وجهة نظره في ذلك، وهي وإن بدت مختلفة إلا أنها كلها يمكن أن تعدَّ أسبابا مباشرة أو غير مباشرة في بعث هذه الظاهرة .
ونحاول في هذا المقال أن نضع أيدينا على بعض تلك الأسباب التي ذكرها المصلحون والباحثون بغية معالجتها، ووضع الحلول لها، مع الإشارة إلى أن ما بدا من مظاهر هذه الظاهرة ربما لا يشكل إلا جزءا يسيرا من حقيقتها، ولعل الأيام تكشف لنا ما كان خافيا . فمن أهم أسباب بروز هذه الظاهرة في مجتمعاتنا :
1- إهمال التعليم الإسلامي : وهذا الأمر يتعلق أصالة بالتربية الأسرية ، فكثير من الأسر لا تهتم بل لا تبالي أصلا بتعليم أبناءها الإسلام، ولا تحثهم على التمسك به ، ولا تقدم لهم القدوة الصالحة في هذا الإطار، بل تدفع بهم تجاه التغريب ، فينشأ الطفل أبعد ما يكون عن الجو الإسلامي الذي يزرع في نفسه الخوف من الله وحب القرب إليه.
2- تحقير أهل الدين وإظهارهم بمظهر الشواذ عن المجتمع : وهذه نقولها صريحة، وهي جريمة ترتكبها كثير من وسائل الإعلام ، حيث يظهر - بتعميم مقصود - الشيخ كدرويش ساذج، ليس له إلا عمامته ومسبحته وهو أبعد ما يكون عن قضايا الناس وهموهم ، هذا إذا لم تسخر بعض وسائل الإعلام بالمظهر الإسلامي وتنفر الناس عنه، بل إن بعضها ليبلغ به الكفر والزندقة إلى الاستهزاء بأحكام الدين وفرائضه وآدابه .
3- غياب القدوة الصالحة وإحلال القدوة الفاسدة مكانها : وهذا نتيجة حتمية لما ذكرناه آنفاً من الاستخفا بأهل الدين والاستهزاء بهم ، فمن البعيد أن يقتدي الشاب - الذي ينظر إلى الحياة بمنظار الإعلام الفاسد - بشيخ مسلم، بعد أن شوه الإعلام صورته، وفي المقابل يجد الشاب كثيراً من وسائل الإعلام تجاهد وتناضل لإبراز قدوات فاسدة للشباب ذكورا وإناثاً ، وإظهارهم بمظهر التحضر والأناقة ، وأنهم هم وجهاء المجتمع وحماته ، في حين أنهم خواء من ذلك كله .
4- ظهور المباديء الكفرية باسم الحرية الفكرية : وهو نتيجة كذلك لتغييب الدين بمادئه السامية، فتجد الكل حراً في نشر ما عنده من سموم الأفكار والخيالات والأوهام، حرية لا يجد خمسها - وربما أقل - صاحب المبدأ الصحيح " الإسلام "، فتفتح لأصحاب الضلالات الفكرية المشككة في الإسلام المجلات والفضائيات لينشروا سمومهم تحت مسمى الإبداع والحرية . فانتشرت بين الناس المبادئ الهدامة ، وأصبحت المبادئ كالثياب تلبس في يوم وترمى في آخر، وكما أن لكل زمن موضة في اللباس كذلك لكل زمن موضة في الأفكار، وكل ذلك يجري تحت مسمى الحرية الفكرية أو قل الحرية الكفرية .
5- مواقع عبدة الشيطان على الإنترنت : وهي وسيلة لنشر دعوتهم من جهة ولتحقيق التواصل بينهم من جهة أخرى ، وهي وسيلة شيطانية كذلك للتخفيف النفسي على أولئك الذين يعيشون في بيئات ومجتمعات إسلامية ، حيث يوفرون لهم الغطاء النفسي لإنحرافهم .
6- الاختلاط بالكفار عموما : وهذا من أعجب العجب، وهو أن يتأثر المسلم بأفكار الكفار الفاسدة، ولا يؤثر على الكفار بأفكاره النيرة الصحيحة، ذلك أن ما يحمله المسلم من نور وهدى كان الأجدر به أن يدفعه إلى التأثير الإيجابي على الكفار الذين يخالطهم ، لا أن يتأثر سلبا بأفكارهم وضلالتهم ، وقد أظهرت التحقيقات مع عبدة الشيطان في مصر أن بعضهم أخذ تلك الأفكار عن طريق اليهود نتيجة اختلاطهم بهم .
وليس علاج هذا أن يمتنع المسلم عن مخالطة الكفار طالما أن له مصلحة مباحة في ذلك ، ولكن العلاج يكمن في معرفة المسلم بدينه، وتسلحه بتلك المعرفة في مواجهة الأفكار الضالة والآراء المنحرفة ، حتى إذا التقى بكافر أو ضال كان ما عنده من العلم بدينه حافظاً له من الانسياق وراء الأفكار الضالة، بل إنه سيصبح داعية إلى الحق والهدى ، مبطلا لما عند الكفار من العقائد الفاسدة والأفكار المنحرفة . أما إن أبى إلا الجهل بدينه فلن تزيده مخالطة الكفار إلا ضلالا وربما ألقاه جهله في مهاو سحيقة من الكفر والضلال .
7- الفراغ والغنى وغياب الهدف الإسلامي من الحياة : فكل هذه الأسباب تدفع بالإنسان إلى التخبط في ضلالات الأفكار والعقائد ، فتراه يعيش حياة بلا معنى ولا هدف، فلا يدري أين يتجه ولا على أي طريق يسير .
فهذه بعض الأسباب المباشرة وغير المباشرة في ظهور عبدة الشيطان بين ظهراني المجتمعات الإسلامية ، ولعل علاج تلك الظاهرة يلوح في أفق من قرأ تلك الأسباب ووقف على حقيقتها، وهو علاج مجمله في العودة إلى ما شرعه لنا ربنا سبحانه وتعالى، ويأتي في مقدمة ذلك تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة بملء قلبه بحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب دينه ، ثم مراعاة تعليمه تعليما إسلاميا صحيحا، لا تعليما دنيويا فارغا من كل القيم الإسلامية، ثم لا بد من الاهتمام بالإعلام وتوجيهه توجيها إسلاميا يدعو إلى الفضيلة ويحارب الرذيلة، وأن يعتني بتقديم القدوات الصالحة للشباب ، ثم قيام الدولة بدورها في حماية المجتمع من شذوذات الأفكار وشذوذات الأخلاق، وألا تدع الحبل على غاربه بدعوى تمسكها بحرية زائفة لا تراعي خصوصيات المجتمع ودينه، ومما ينبغي أن يهتم به الإعلام إضافة إلى ما تقدم شحذ همم الشباب لغايات نبيلة دينية ودنيوية لتكون دافعا لهم للقيام بواجباتهم ومسئولياتهم المنوطة بهم .
كل هذه الخطوات لو طبقت تطبيقا صحيحاً، وعُمل بها في مجتمعاتنا فإننا على يقين بأن ظواهر كظاهرة عبدة الشيطان لن يكون لها حظ في الاستيلاء على فكر وقلب واحد منا .
وعندها فقط لن نصطدم بمثل هذه القاذورات لأنها لن تظهر في مجتمعاتنا ، أما وحال مجتمعاتنا الإسلامية كما لا يخفى، فإن الوضع لا يبشر بخير، وما زلنا نسمع هنا وهناك بروز بعض من هذه الفقاعات النجسة ، ذلك أن المجتمع مليء بأسباب ظهورها .
وأخيرا نقول إن حجم الخطر كبير، ومعالجته ينبغي أن تكون في مستوى ذلك الخطر، فهل نستجيب لديننا ونرجع إليه فهو الحصن الحصين لنا من الانهيار والارتداد إلى حمأة الجاهلية المنحطة، نسأل المولى عز وجل أن يرأف بعباده وأن يهدي ضالهم ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين .