أين نسختي؟
زينب علي البحراني - السعودية
لا أحد يُدرك حجم معاناة المؤلفين العرب وما ينفقونه من وقت وجهد ومال لتأليف الكتاب ثم طباعته وتسويقه إلا من خاض تلك التجربة بالفعل، ولا أحد يدرك حجم الإحباطات التي تصطدم بها توقعات المؤلفين بعد إصدارهم الأول إلا من تبخرت تطلعاته أمام واقع نشر الكتب وتوزيعها في المنطقة العربية، بعد أن كانت ترفرف في سماوات أحلامها الوردية قبل مواجهة حقائق هذا الواقع.
في البدايات يتصور المؤلف أن إصداره الأول سيحقق له انتشارًا إعلاميًا هائلاً، وجماهيرية واسعة، وربما مكاسب مادية طائلة. لن تبق قناة فضائية، ولا مجلة ثقافية، ولا صحيفة محلية أو عالمية إلا وتنشر خبر بزوغه، وتثني على إبداعه، وتتهافت على اقتناص المواعيد لإجراء الحوارات واللقاءات المقروءة والمسموعة والمرئية معه، ولا يكف هاتفه عن استلام الاتصالات وبريده الإلكتروني عن استلام الرسائل التي تبشره بنفاد نسخ كتابه قبل انصرام الشهر الثالث من توزيعها، والمطالبة بموافقته على طبعات جديدة من الكتاب ذاته، لكن كل تلك الأحلام السرابية تتهشم بين مطبات الواقع مخلفة في النهاية شعورًا راكدًا يتراوح بين الخيبة والأسى!
كنت ومازلت أعتقد اعتقادًا راسخًا أن أكبر أزمات توزيع الكتاب العربي تكمن في الناشرين العرب من ذوي الميزانيات المحدودة، والمواهب المحدودة، والخيال المحدود، والتخطيط الإداري العشوائي الضعيف، والأنانية التي تجعلهم يقدمون مصالح جيوبهم على مصلحة المؤلف حتى وإن كانت تكاليف الكتاب مدفوعة من جيبه. لأن هذا النوع من الناشرين غير المؤهلين يأخذ النقود، يطبع الكتاب، ثم يضعه على الرف بانتظار قدوم من يشتريه دون إعلان، أو بإعلان هزيل شحيح لا يتلاءم مع المتطلبات التسويقية في عصرنا الحاضر، ثم يتقاسم هو وأصحاب المكتبات كل عائد قد تتمخض عنه مبيعات الكتاب. أما إذا حاول المؤلف إضاءة شمعة تهنئة صغيرة لمنجزه الفكري أو الإبداعي بالإعلان عنه عبر التجمعات البريدية الإلكترونية أو حسابه على "فيسبوك" أو "تويتر" ينهمر عليه جماعة "أين نسختي؟"، "ممكن نسخة بليييييز؟"، و"بانتظار نسختنا الموقعة".. باختصار؛ كلهم يريدون الكتاب "مجانا" وكأنه أخرج وطبع ونشر دون تكاليف حبر وورق وطباعة وشحن! ودعنا من جماعة "الإتيكيت" المكشوف الذين يسألون بتهذيب ظاهر وبخل مستتر: "كيف يمكننا الحصول على كتابك؟"، وترجمة هذا السؤال لكل "لبيب بالإشارة يفهم": "هل نرسل لك عنواننا كي يصلنا كتابك مجانا؟؟".. فيخجل المؤلف من الرد على أحدهم بقوله: "ومن أين تحصلون على دواوين المتنبي ونزار قباني ومؤلفات الجاحظ وطه حسين وغسان كنفاني؟ أم أن الأمر يتطلب جلسة استثنائية لتحضير الأرواح كي تسألهم هذا السؤال؟!".
تجربتي الشخصية مع ثلاثة إصدارات سابقة علمتني أن المكسب الحقيقي – وربما الوحيد- للمؤلف العربي يكمن في اتساع رقعة انتشار كتابه ومضاعفة عدد قرائه، وأن على المؤلف المستقل، غير المدعوم من مؤسسات ثقافية كبرى ذات برامج إعلامية وتوزيعية قوية أن ينسى تمامًا فكرة إخفاء مضمون كتابه بعد الطباعة حرصًا على ما يظنه "حقوقه المادية"، لأنه بهذا سيحرم نفسه من فرصة الانتشار من جهة، وسيدخر لها كمًا هائلاً من الغيظ والكمد حين "يشفط" الناشر وحده كل تلك الحقوق دون أن يقدم له قرشًا ولا فلسًا.. من جهة ثانية!
*لمتابعة الكاتبة على تويتر: @zainabahrani