ماكسيميليان دو روبسبير…سفاح الثورة الفرنسية
ربيعة زناسلي
يعجب الإنسان عندما يتنقل بين صفحات التاريخ... يرى عجائب النفس البشرية ... عندما يتحول الإنسان من شخصية مفكرة راديكالية إلى قاتل بدم بارد...عندما يتحول من زعيم ثائر بلغ قمة المثالية إلى دكتاتور متسلق لا يعرف رحمة ولا شفقة. يزهق مئات الأرواح دون وجه حق ...لا يشبع من سفك الدماء.. ولا يشبع من التمثيل بالآخرين... لا لشيء سوى "السلطة" ولو كلفه ذلك أن يسوق أقرب الناس إليه إلى "المقصلة" دون أن يشعر بالخجل ودون الإحساس بأنه من الممكن أن يساق إلي نفس المصير المؤلم الذي ساق إليه الآخرين.. إنه روبسبير سفاح الثورة الفرنسية !
لا يشبع من سفك الدماء .. ولا يشبع من التمثيل بالآخرين ..
"كانت شخصية روبسبير مزيجاً غريباً من الريبة السياسية الحادة والعداء الشخصي لكل من يختلف معه، الأمر الذي حمله إلى طريق التفرد خلال الثورة"، هكذا أشارت المؤلفة روث سكور إلى بعض المفاتيح التي تفصح عن شخصية روبيسبيير. إضافة إلى ذلك، هناك صورة أُخرى يرسمها عن نفسه باعتقاده بأنه لم ولن يُخطئ إطلاقاً، يرى نفسه كمصدر للقانون، حاله حال كل الطغاة في التاريخ القديم والحديث... والمعاصر.
المحامي الأنيق
اصبح محاميا وممثلا للطبقة الثالثة في قصر فرساي
أبصر النور يوم 06 ماي 1758 بمدينة آراس الفرنسية ، نشأ في أسرة فقيرة حيث كان أبوه عاطلا عن العمل ومبذرا وماتت أمه وعمره ست سنوات.و لهذا اتسمت حياته بمسحة حزينة، متزمتة وغيورة. "رجلٌ، لم يمر بمرحلة الشباب"، كما كتبت عنه شقيقته ذات مرة. إلا إنه كان ذكياً، وأُختير من بين جميع الطلبة ليلقي خطابا بمناسبة تتويج لويس السادس عشر عام 1775. لقد عانى روبيسيير مثل ملايين الفرنسيين من عامة الشعب من الفقر والحرمان وكان يحلم مثلهم بالتخلص من هذه الأنظمة الفاسدة والعيش في دولة حرة يسودها الإخاء والمساواة والعدل .
شقّ روبيسيير طريقه بقوة وعزم حتى أنهى دراسته القانونية، وفي عام 1789 أصبح محامياً، وممثلاً للطبقة الثالثة في قصر فرساي.كان مظهره عاديا.قامته متوسطة وجسده نحيل ورأسه كبير، ولكنه تميز بقدرته الخطابية وبلاغته المؤثرة وأناقته المفرطة وأدبه الجم وحرصه الشديد على الفضيلة وآداب السلوك.
السياسي المتطرف
اندلعت الثورة الفرنسية ..
انتخب روبسبير نائبا لرئيس مجلس الطبقات، الذي اجتمع عام 1789 م عشية اندلاع الثورة الفرنسية، ثم التحق بالجمعية التأسيسية الوطنية (المكونة من ممثلي الشعب)، حيث لمع نجمه ولفتت خطبه وأحاديثه البارعة الأنظار إليه.
في عام 1790 انتخب رئيسا لحزب اليعاقبة، وازدادت شعبيته كعدو للملكية ونصير للديمقراطية. وعقب سقوط الملكية في فرنسا عام 1792 انتخب روبسبير أول مندوب لباريس في المؤتمر القومي الذي ألح فيه على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته، فبعدما كان ينادي بإلغاء حكم الإعدام نجده في هذا المؤتمر يناقش بحماس لصالح تنفيذ حكم الإعدام بحق الملك : "يجب على لويس أن يموت، لأنّ الأمة يجب أن تعيش" وهو ما تحقق عام 1793. وسرعان ما انتخب روبسبير عضوا في الهيئة التنفيذية العليا ولجنة الأمن العام. بل وسيطر عليها بعد أن تخلص من جميع منافسيه، وعلى رأسهم عدد من زعماء الثورة الفرنسية مثل "دانتون" و"هيبير" و"ديمولان". ليصبح بذلك الزعيم الأوحد في فرنسا ويرتكب من الفضائح والأهوال ما لن يمحوه التاريخ أبدا. وصارت المقصلة هي أداته المفضلة في إقامة مجتمع الإخاء والمساواة والعدل .
عصر الإرهاب
حصدت المقصلة ارواح العديد من الابرياء ..
في 14 يوليو 1789 بدأت أحداث الثورة الفرنسية. وبدأ معها مسلسل مخيف من القتل الجماعي، وذاع صيت طبيب يدعى "جيلوتين" لاختراعه آلة قتل عرفت باسمه – المقصلة - التي حصدت أرواح العديد من الأبرياء تحت شعار الثورة التي لم تكن في الواقع إلا فوضى وتسارع بربري نحو القتل الجماعي.
والجدير بالذكر أنّ تعبير حكم الإرهاب la terreur يعني الفترة الأخيرة من الثورة الفرنسية التي غاب فيها المنطق وتولى زمام الأمور فيها روبيسبيير الذي يعد بحق واحدا من أشهر السفاحين الذين أنجبتهم البشرية.
كان أول مظاهر هذه الموجة هو إرساله لـ"الجيش الثوري" من باريس إلى المدن الصغرى والقرى ومعه مقصلة متحركة تقوم بتصفية معارضيه، أخذ روبيسبيير يطارد ويعدم "أعداء الثورة" ثمّ وسّع نطاق مطارداته لتضم من أسماهم بالثوريين الزائفين ووصلت مقصلته إلى رقاب المعتدلين ، بل وامتدت إلى العديد من زعماء الثورة أنفسهم.
المحكمة الثورية
خلال تسعة اشهر حكم على 16 الف شخص بالموت ..
ظلت محكمة الثوريين – المحكمة الثورية - تعمل بجد ونشاط، ولعل ما هوّن عليها مهمتها صدور "قانون المشبوهين" أو قانون "المشتبه فيهم" في سبتمبر 1793 الذي يسمح بالإعتقال والسجن دونما حاجة إلى تقديم الدليل، فازدحمت السجون وأصبح الرجال والنساء المقدّمون لمحكمة الثورة يشكلون سيلا لا ينقطع. كانت أحكام البراءة نادرة وكان الإعدام بالمقصلة هو العقوبة التي تطبق على الجميع. وخلال تسعة أشهر من الإرهاب حكم رسميا على 16 ألف شخص بالموت، ومن أشهر الضحايا:
- في شهر أكتوبر الملكة ماري أنطوانيت باعتبارها العدوة الأولى للثورة، وفي آخر أيام أكتوبر أعدم عدد كبير من الجيروند.
- وفي 6 نوفمبر أعدم فليب دوق أورليان رغم أنه مؤازرته للثورة وإدلائه بصوته مع المطالبين برأس الملك.
- وفي 10 نوفمبر أعدمت مدام رولان السيدة الفاتنة التي كان يلتقي عندنا أعضاء حزب الجيروند.
اطاحت المقصلة برأس الملكة ..
وزاد الضغط على المقصلة ففي 11 نوفمبر تم قطع رؤوس اثنين وثلاثين ضحية في ثمان وعشرين دقيقة. وفي 12 نوفمبر واجه الموت "باتي" العالم الفلكي وأول رئيس للجمعية الوطنية - لإصداره الأمر بإطلاق النار سنة 1791 على من طالبوا بإعلان الجمهورية -.
بعد ذلك بأيام قطعت رؤوس اثني عشر رجلا في خمس دقائق. كان هذا هو أسلوب التخلص من الخصوم السياسيين.
ولا يفوتنا أن نشير إلى إعدام بعض القادة الثوررين من أمثال" كوستين" و "بيرون" بتهمة الخيانة أو التواني عن مطاردة العدو.وقد علق روبيسيير على ذلك متباهيا ومتفاخرا بقوله: "إنني سأجعل خط الحدود بيني وبين أعداء فرنسا من حولنا نهرا من الدماء".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اخترع روبيسبيير مجموعة فريدة من التهم يعاقب مقترفيها بالإعدام: كالتعرض للوطنية بالسب والقذف، بث روح اليأس لدى المواطنين، ترويج أخبار كاذبة، انتهاك الأخلاقيات، إفساد الضمير العام و تعكير البراءة والطهارة الثورية. ومن أجل الإسراع بهذه الإجراءات صدرت جملة من القوانين بمنع محامي الدفاع أو استدعاء أي شهود، ليكون الحكم دائما الإعدام.
اخترع روبسبير مجموعة فريدة من التهم ليسوق الناس الى المقصلة ..
ومن غرائب الرجل أنه استحدث تقويما جديدا – كان ينبذ كل ما هو تقليدي -. بحيث يوافق اليوم الأول من السنة الأولى الجديدة يوم إعلان الجمهورية في سبتمبر سنة 1792.وأعاد ترتيب الشهور، واستبدل أسمائها التقليدية بأسماء جديدة مشتقة من الظواهر الطبيعية التي تقترن بها. وقسم السنة إلى أقسام مكونة من عشرة أيام يكون أحدها يوم عطلة.
ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة، فالأوضاع الجديدة التي أوجدتها الثورة لن تكتمل ما لم ترتبط بتغيير ديني، فظهرت ما تسمى بعبادة العقل، وقدر عدد الكنائس المحولة إلى معابد للعقل بنحو 2400 كنيسة في فرنسا كلها.
الخطأ القاتل
اصابت احدى الرصاصات فكه ..
كان هذا الخطأ تتويجا لسلسلة من الأخطاء والممارسات الوحشية، حيث أصدر في 10 جوان 1794 قانون عرف باسم قانون "بريريال" نسبة إلى الشهر الذي صدر فيه القانون حسب التقويم الجديد - قضى هذا القانون بتعديل إجراءات المحكمة الثورية وتعجيلها. ودعا جميع المواطنين إلى الوشاية بالخونة، وأزيلت الحصانة عن أعضاء المؤتمر التي تحول دون القبض عليهم، فكان هذا بمثابة السيف على رقابهم، إذ كان يهدف إلى الإطاحة بكل من يرفع رأسه معرضا إياه أو مخالفا أفكاره. وبدافع الخوف على أرواحهم قرر أعضاء المؤتمر. الإطاحة بالطاغية وتزعم المؤامر "تاليان" و "باراس"، فتم تجهيز حملة عسكرية اقتحمت دار البلدية – حيث كان يجتمع روبيسبيير مع أعوانه - و نجحت إحدى الرصاصات التي أطلقت عليه في إصابة فكه. وتمت محاكمته وأدين بتهمة الخيانة العظمى، واقتيد إلى المقصلة التي طالما استعملها لقطع رؤوس الناس. والآن جاء دوره ليشرب من نفس الكأس التي أذاقها للآلاف من التعساء.
إعدام الطاغية
احتسى اخيرا من نفس الكأس التي طالما سقاها للآخرين ..
وفي صباح 27 جويلية 1794 اصطف الآلاف من الناس في الشوارع لرؤية روبسبيير وهو يساق إلى حتفه، بعد أن سجن ساعات قليلة في نفس الزنزانة التي سجنت فيها ماري أنطوانيت. قبل تنفيذ الحكم مباشرة نزع الجلاد بعنف الضمادة التي ضمد بها فك روبيسبيير المهشم، لتنطلق منه صرخة ألم مدوية لم يسكتها إلا سقوط نصل المقصلة على عنقه ليفصل رأسه عن جسده ويصمت إلى الأبد. هكذا انتهت قصة روبيسبيير، لينتهي معها كابوس الإرهاب وحمى الإعدام، وتطوى بذلك صفحة قاتمة ألقت بظلالها على فترة من فترات التاريخ الفرنسي.
ربيعة زناسلي
يعجب الإنسان عندما يتنقل بين صفحات التاريخ... يرى عجائب النفس البشرية ... عندما يتحول الإنسان من شخصية مفكرة راديكالية إلى قاتل بدم بارد...عندما يتحول من زعيم ثائر بلغ قمة المثالية إلى دكتاتور متسلق لا يعرف رحمة ولا شفقة. يزهق مئات الأرواح دون وجه حق ...لا يشبع من سفك الدماء.. ولا يشبع من التمثيل بالآخرين... لا لشيء سوى "السلطة" ولو كلفه ذلك أن يسوق أقرب الناس إليه إلى "المقصلة" دون أن يشعر بالخجل ودون الإحساس بأنه من الممكن أن يساق إلي نفس المصير المؤلم الذي ساق إليه الآخرين.. إنه روبسبير سفاح الثورة الفرنسية !
لا يشبع من سفك الدماء .. ولا يشبع من التمثيل بالآخرين ..
"كانت شخصية روبسبير مزيجاً غريباً من الريبة السياسية الحادة والعداء الشخصي لكل من يختلف معه، الأمر الذي حمله إلى طريق التفرد خلال الثورة"، هكذا أشارت المؤلفة روث سكور إلى بعض المفاتيح التي تفصح عن شخصية روبيسبيير. إضافة إلى ذلك، هناك صورة أُخرى يرسمها عن نفسه باعتقاده بأنه لم ولن يُخطئ إطلاقاً، يرى نفسه كمصدر للقانون، حاله حال كل الطغاة في التاريخ القديم والحديث... والمعاصر.
المحامي الأنيق
اصبح محاميا وممثلا للطبقة الثالثة في قصر فرساي
أبصر النور يوم 06 ماي 1758 بمدينة آراس الفرنسية ، نشأ في أسرة فقيرة حيث كان أبوه عاطلا عن العمل ومبذرا وماتت أمه وعمره ست سنوات.و لهذا اتسمت حياته بمسحة حزينة، متزمتة وغيورة. "رجلٌ، لم يمر بمرحلة الشباب"، كما كتبت عنه شقيقته ذات مرة. إلا إنه كان ذكياً، وأُختير من بين جميع الطلبة ليلقي خطابا بمناسبة تتويج لويس السادس عشر عام 1775. لقد عانى روبيسيير مثل ملايين الفرنسيين من عامة الشعب من الفقر والحرمان وكان يحلم مثلهم بالتخلص من هذه الأنظمة الفاسدة والعيش في دولة حرة يسودها الإخاء والمساواة والعدل .
شقّ روبيسيير طريقه بقوة وعزم حتى أنهى دراسته القانونية، وفي عام 1789 أصبح محامياً، وممثلاً للطبقة الثالثة في قصر فرساي.كان مظهره عاديا.قامته متوسطة وجسده نحيل ورأسه كبير، ولكنه تميز بقدرته الخطابية وبلاغته المؤثرة وأناقته المفرطة وأدبه الجم وحرصه الشديد على الفضيلة وآداب السلوك.
السياسي المتطرف
اندلعت الثورة الفرنسية ..
انتخب روبسبير نائبا لرئيس مجلس الطبقات، الذي اجتمع عام 1789 م عشية اندلاع الثورة الفرنسية، ثم التحق بالجمعية التأسيسية الوطنية (المكونة من ممثلي الشعب)، حيث لمع نجمه ولفتت خطبه وأحاديثه البارعة الأنظار إليه.
في عام 1790 انتخب رئيسا لحزب اليعاقبة، وازدادت شعبيته كعدو للملكية ونصير للديمقراطية. وعقب سقوط الملكية في فرنسا عام 1792 انتخب روبسبير أول مندوب لباريس في المؤتمر القومي الذي ألح فيه على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته، فبعدما كان ينادي بإلغاء حكم الإعدام نجده في هذا المؤتمر يناقش بحماس لصالح تنفيذ حكم الإعدام بحق الملك : "يجب على لويس أن يموت، لأنّ الأمة يجب أن تعيش" وهو ما تحقق عام 1793. وسرعان ما انتخب روبسبير عضوا في الهيئة التنفيذية العليا ولجنة الأمن العام. بل وسيطر عليها بعد أن تخلص من جميع منافسيه، وعلى رأسهم عدد من زعماء الثورة الفرنسية مثل "دانتون" و"هيبير" و"ديمولان". ليصبح بذلك الزعيم الأوحد في فرنسا ويرتكب من الفضائح والأهوال ما لن يمحوه التاريخ أبدا. وصارت المقصلة هي أداته المفضلة في إقامة مجتمع الإخاء والمساواة والعدل .
عصر الإرهاب
حصدت المقصلة ارواح العديد من الابرياء ..
في 14 يوليو 1789 بدأت أحداث الثورة الفرنسية. وبدأ معها مسلسل مخيف من القتل الجماعي، وذاع صيت طبيب يدعى "جيلوتين" لاختراعه آلة قتل عرفت باسمه – المقصلة - التي حصدت أرواح العديد من الأبرياء تحت شعار الثورة التي لم تكن في الواقع إلا فوضى وتسارع بربري نحو القتل الجماعي.
والجدير بالذكر أنّ تعبير حكم الإرهاب la terreur يعني الفترة الأخيرة من الثورة الفرنسية التي غاب فيها المنطق وتولى زمام الأمور فيها روبيسبيير الذي يعد بحق واحدا من أشهر السفاحين الذين أنجبتهم البشرية.
كان أول مظاهر هذه الموجة هو إرساله لـ"الجيش الثوري" من باريس إلى المدن الصغرى والقرى ومعه مقصلة متحركة تقوم بتصفية معارضيه، أخذ روبيسبيير يطارد ويعدم "أعداء الثورة" ثمّ وسّع نطاق مطارداته لتضم من أسماهم بالثوريين الزائفين ووصلت مقصلته إلى رقاب المعتدلين ، بل وامتدت إلى العديد من زعماء الثورة أنفسهم.
المحكمة الثورية
خلال تسعة اشهر حكم على 16 الف شخص بالموت ..
ظلت محكمة الثوريين – المحكمة الثورية - تعمل بجد ونشاط، ولعل ما هوّن عليها مهمتها صدور "قانون المشبوهين" أو قانون "المشتبه فيهم" في سبتمبر 1793 الذي يسمح بالإعتقال والسجن دونما حاجة إلى تقديم الدليل، فازدحمت السجون وأصبح الرجال والنساء المقدّمون لمحكمة الثورة يشكلون سيلا لا ينقطع. كانت أحكام البراءة نادرة وكان الإعدام بالمقصلة هو العقوبة التي تطبق على الجميع. وخلال تسعة أشهر من الإرهاب حكم رسميا على 16 ألف شخص بالموت، ومن أشهر الضحايا:
- في شهر أكتوبر الملكة ماري أنطوانيت باعتبارها العدوة الأولى للثورة، وفي آخر أيام أكتوبر أعدم عدد كبير من الجيروند.
- وفي 6 نوفمبر أعدم فليب دوق أورليان رغم أنه مؤازرته للثورة وإدلائه بصوته مع المطالبين برأس الملك.
- وفي 10 نوفمبر أعدمت مدام رولان السيدة الفاتنة التي كان يلتقي عندنا أعضاء حزب الجيروند.
اطاحت المقصلة برأس الملكة ..
وزاد الضغط على المقصلة ففي 11 نوفمبر تم قطع رؤوس اثنين وثلاثين ضحية في ثمان وعشرين دقيقة. وفي 12 نوفمبر واجه الموت "باتي" العالم الفلكي وأول رئيس للجمعية الوطنية - لإصداره الأمر بإطلاق النار سنة 1791 على من طالبوا بإعلان الجمهورية -.
بعد ذلك بأيام قطعت رؤوس اثني عشر رجلا في خمس دقائق. كان هذا هو أسلوب التخلص من الخصوم السياسيين.
ولا يفوتنا أن نشير إلى إعدام بعض القادة الثوررين من أمثال" كوستين" و "بيرون" بتهمة الخيانة أو التواني عن مطاردة العدو.وقد علق روبيسيير على ذلك متباهيا ومتفاخرا بقوله: "إنني سأجعل خط الحدود بيني وبين أعداء فرنسا من حولنا نهرا من الدماء".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اخترع روبيسبيير مجموعة فريدة من التهم يعاقب مقترفيها بالإعدام: كالتعرض للوطنية بالسب والقذف، بث روح اليأس لدى المواطنين، ترويج أخبار كاذبة، انتهاك الأخلاقيات، إفساد الضمير العام و تعكير البراءة والطهارة الثورية. ومن أجل الإسراع بهذه الإجراءات صدرت جملة من القوانين بمنع محامي الدفاع أو استدعاء أي شهود، ليكون الحكم دائما الإعدام.
اخترع روبسبير مجموعة فريدة من التهم ليسوق الناس الى المقصلة ..
ومن غرائب الرجل أنه استحدث تقويما جديدا – كان ينبذ كل ما هو تقليدي -. بحيث يوافق اليوم الأول من السنة الأولى الجديدة يوم إعلان الجمهورية في سبتمبر سنة 1792.وأعاد ترتيب الشهور، واستبدل أسمائها التقليدية بأسماء جديدة مشتقة من الظواهر الطبيعية التي تقترن بها. وقسم السنة إلى أقسام مكونة من عشرة أيام يكون أحدها يوم عطلة.
ثم جاءت فكرة اتخاذ ديانة جديدة، فالأوضاع الجديدة التي أوجدتها الثورة لن تكتمل ما لم ترتبط بتغيير ديني، فظهرت ما تسمى بعبادة العقل، وقدر عدد الكنائس المحولة إلى معابد للعقل بنحو 2400 كنيسة في فرنسا كلها.
الخطأ القاتل
اصابت احدى الرصاصات فكه ..
كان هذا الخطأ تتويجا لسلسلة من الأخطاء والممارسات الوحشية، حيث أصدر في 10 جوان 1794 قانون عرف باسم قانون "بريريال" نسبة إلى الشهر الذي صدر فيه القانون حسب التقويم الجديد - قضى هذا القانون بتعديل إجراءات المحكمة الثورية وتعجيلها. ودعا جميع المواطنين إلى الوشاية بالخونة، وأزيلت الحصانة عن أعضاء المؤتمر التي تحول دون القبض عليهم، فكان هذا بمثابة السيف على رقابهم، إذ كان يهدف إلى الإطاحة بكل من يرفع رأسه معرضا إياه أو مخالفا أفكاره. وبدافع الخوف على أرواحهم قرر أعضاء المؤتمر. الإطاحة بالطاغية وتزعم المؤامر "تاليان" و "باراس"، فتم تجهيز حملة عسكرية اقتحمت دار البلدية – حيث كان يجتمع روبيسبيير مع أعوانه - و نجحت إحدى الرصاصات التي أطلقت عليه في إصابة فكه. وتمت محاكمته وأدين بتهمة الخيانة العظمى، واقتيد إلى المقصلة التي طالما استعملها لقطع رؤوس الناس. والآن جاء دوره ليشرب من نفس الكأس التي أذاقها للآلاف من التعساء.
إعدام الطاغية
احتسى اخيرا من نفس الكأس التي طالما سقاها للآخرين ..
وفي صباح 27 جويلية 1794 اصطف الآلاف من الناس في الشوارع لرؤية روبسبيير وهو يساق إلى حتفه، بعد أن سجن ساعات قليلة في نفس الزنزانة التي سجنت فيها ماري أنطوانيت. قبل تنفيذ الحكم مباشرة نزع الجلاد بعنف الضمادة التي ضمد بها فك روبيسبيير المهشم، لتنطلق منه صرخة ألم مدوية لم يسكتها إلا سقوط نصل المقصلة على عنقه ليفصل رأسه عن جسده ويصمت إلى الأبد. هكذا انتهت قصة روبيسبيير، لينتهي معها كابوس الإرهاب وحمى الإعدام، وتطوى بذلك صفحة قاتمة ألقت بظلالها على فترة من فترات التاريخ الفرنسي.