مع بداية العام
يراسل الناس بعضهم بعضا هذه الأيام بمناسبة نهاية العام الهجري بطلب المسامحة والتهنئة ولكنني آثرت أن تكون الرسالة لي…
ليقيني أن أحق النفوس بالنصح نفسي ، وأولاهم بالصدق ذاتي ، فخاطبتها بأصدق العبارات وأنصحها :
يانفس : هذه الأعوام والشهور والأيام تتفلت من بين يدي سريعا ، ولو تأملتيها بعين النصح واليقين لأصبحتِ غير مصدقة لسرعتها ،
ولا مستيقنة بمضيها .
آلا تذكرين - يانفس- بداية هذا العام الذي انصرمت أيامه ، وتقوضت ساعاته ، كيف مرت سريعا كأن أول يوم فيها قد ابتدأ للتو ، وإذا
به عام قد انقضى من عمري كنت قد خلفت قبله أعواما .
يانفس : لو كنت تعقلين , وعلى الواقع تشهدين لعرفت حقيقة الدنيا وأنها لحظات ، سرعان ماتزول وتتفلت لحظاتها من أيدينا ، فهذه
السنوات التي من مضت من عمري ذهبت لمح البصر أوهي أسرع ، وانقضت من عمري دون أن أشعر .
كم عمرك اليوم
عشرون أو ثلاثون أو قد بلغت الأشد
وهو الأربعون
وأخشى أنك قد قربت الخمسين
أو ربما حطيت رحالك عند معترك المنايا وبلغت الستين ، بالله يانفس أليست قد مرت سريعة ؟ وانقضت مهرولة هرولت فظيعة ؟
يانفس : قد غرتك الأماني ، وسولت لك أمَّارتي بالسوء أن مهلة الإنتهاء من دنياي بعيدة ، وساعة رحيلي منها غير قريبة , فلعلي
أحاكمك لما لاتستطعين إنكاره :
ألم تقبري – يانفس – قريب أو صديق كان دونك في العمر ؟
ألم تواري جثمان طفل رضيع لم يبلغ الحنث ؟
كم خلّفت خلفك في المقابر من فتاة نضرة ؟ ودفنت بعدك شاب قد امتلئ بالقوة ؟
يانفس هذه قبورهم شاهدة عليهم ، وآثارهم حاكمة بفنائهم
أُتراك بعدهم تُخلّدين ؟ أم أنك للموت تستبعدين ؟
وسأحاكمك أيضا – يانفس -لما لا نختلف عليه :
أوليس في مثل هذا اليوم للعام القادم سيكون أعدادا من البشر تحت أطباق الثرى مرهونين
وعن الأعمال محبوسين
أجيبي فلماذا تهربين ؟
فمن ياترى منا ومنهم سيحيا ، ومن منهم سيكون تحت أطباق الثرى ؟
يانفس : قد وعدك الله الصادق الكريم – وهو أوفى من وعد – أنك إن اغتنمت هذه الحياة القصيرة أن تحيي حياة كريمة لاتعرفين فيها
الكدر، ولاتشعرين فيها بالنكد ، فكيف تفرطين في عيش رغيد ، وملك عظيم ، ونعيم لاينتهي ، بحياة مليئة بالغصص ، وعيش قد عبئ
بالنكد .
يانفس : إن غمسة في الجنة تُنسي كل ضيق وهم وبؤس مر بأبس أهل الدنيا ، فكيف إذا كان هذا النعيم متزايد على مر اللحظات ،
ومضاعف على مضي الساعات .
وبالمقابل غمسة في دار الهوان تُنسي أنعم أهل الغرور كل سرور ذاقوه ، وكل نعيم اغترفوه ، فكيف بالآم لاتنتهي ، وغصص لا تنقضي ؟
يانفس : لو قيل لك أنه بإمكانك ارجاع السنين التي مضت لتستدرك مافات لكنت أفرح شيئ بذلك ، أتدري لماذا ؟
لعلمك أنك كنت على التفريط سادره ، وللتسوف سائره - فهذه حقيقتك - فحتى متى تكوني هكذا ؟
افرحي لأنك في زمان الإمكان فغدا ستكون عندك هذه الأمنية ولكن بغير هذا الحال
- فسينقطع الرجوع وتغلق دونه الأبواب -
يانفس : كوني رحيمة بي فوربي إنني على عذاب الله لا أقوى ولسخطه لا أطيق .
عجبا – والله – لي كيف أشكوا نفسي لنفسي ، وهل عندي أغلى من نفسي لنفسي ، فهل تراني أرحم نفسي ؟
كتبه: عادل بن عبدالعزيز المحلاوى
المصدر:طريق الإيمان