"الاقتصادية" تكشف تفاصيل عمليات نصبه.. والشرطة تؤكد الحادثة
واستخدم المكتب أسماء شركات استقدام كبرى في السعودية غطاء له من أجل جذب مواطنين له من خارج جدة للعمل معه كمندوبين في مناطقهم، إذ كان أبرز تلك المناطق العاصمة الرياض، مقابل راتب شهري قدره خمسة آلاف ريال.
وبيّن لـ "الاقتصادية" العميد مسفر الجعيد أنه تقدم عدد كبير من المواطنين ببلاغات لمركز شرطة الصفا حول تعرضهم لعمليات نصب واحتيال تكبدوا خلالها مبالغ كبيرة، مؤكدا أن "عمليات البحث والتحري عن صاحب المكتب لا تزال مستمرة حتى الآن".
وكانت مجموعة من الأشخاص قد استغلت إيقاف الاستقدام من بعض البلدان الآسيوية، وتعثر قدوم جنسيات أخرى، في تشكيل شركات استقدام وهمية، متخذة أسماء شركات استقدام معتمدة ومرخص لها في السعودية – تحتفظ "الاقتصادية" بأسمائها -، واستقطبوا عناصر مُدربة ومُحترفة في جانب إعداد الخطط وتنفيذها، إضافة إلى تلاعبهم بمُسميات الشركات لتكون قريبة الشبّه من شركات معتمدة مع اختلاف بسيط قد لا يلحظه العميل، متخذين من خميس مشيط مقرا لها، وتارة يكون مقرها مدينة جدة.
وعلمت "الاقتصادية" أن وسيلة تواصل تلك المكاتب مع المواطنين كانت تتم عبر الهواتف النقالة بأرقام طلبات وهمية – تحتفظ "الاقتصادية بها -، وليس بعقود ورقية رسمية موثقة، حيث إنها ليست لها وجود في الغرف التجارية، ومكاتب العمل.
واستغلت هذه المكاتب حاجة المواطنين الكبيرة للخادمات ورغبتهن في استقدامهن في وقت وجيز خلال مدة تراوح بين 45 إلى 60 يوماً، إضافة إلى عوامل جذب أخرى منها أن مدة العقد ثلاث سنوات، والراتب 800 ريال شهرياً، ورسوم استقدام تبلغ ثمانية آلاف دون رسوم تأشيرة، إضافة إلى احترافيتهم في بث الطمأنينة في نفوس المتعاملين معهم.
وانكشفت تفاصيل القصة عندما قام أحد المواطنين مساء الثلاثاء قبل الماضي بحوالة مالية بثمانية آلاف ريال إلى حساب بنكي لشاب عشريني عاطل يسكن مدينة الرياض – تحتفظ "الاقتصادية" باسمه -، إذ كان المبلغ المحوّل عبارة عن رسوم استقدام لخادمة فلبينية، بعد أن أخبره موظف أحد تلك المكاتب الوهمية ومقره خميس مشيط، أن هذا الشاب هو موظف شركة التأمين المسؤولة عن تأمين الخادمات، وكل ما يحتاجون إليه.
وقام المواطن في اليوم التالي عن طريق موظف الشركة نفسها بإلغاء طلب الاستقدام، فتم إخباره بأن استرداد المبلغ المُحول سيكون في غضون 24 ساعة، إلا أن المبلغ لم يُسترجع حتى الآن، ولم يتم الرد على اتصالاته المتكررة على الهاتف النقال الخاص بالشركة.
واستطاعت "الاقتصادية" الوصول لـ "الشاب العشريني العاطل" وهو مندوب الشركة في الرياض، فقال إنه في شهر شوال الماضي التحق بوظيفة مندوب تسويق في إحدى الشركات ومقرها جدة، براتب شهري قدره خمسة آلاف ريال، نافياً توظيفه في شركة تأمين، أو علمه بأن هذه الشركة مقرها في خميس مشيط، وقع ضحية عملية توظيف وهمي، وأضاف: "شاهدتُ في شوال الماضي على صفحات الإنترنت إعلاناً للتوظيف نشرته إحدى شركات الاستقدام، فقمتُ بالاتصال بالشركة، فأخبرني الموظف بأنهم يريدون مندوباً لهم في مدينة الرياض، وطلب مني شهاداتي، فقمتُ بإرسالها لهم عبر البريد، فوافقوا على توظيفي مباشرة دون عقد عمل، ثم طلبوا مني أرقام حساباتي في ثلاثة بنوك هي: الراجحي، والرياض، والأهلي، إضافة إلى بطاقات الصراف الخاصة بي، وأرقامها السرية".
وبسؤاله: ألم يشك فيهم عندما طلبوا حساباته وأرقامه السرية قال: "أنا عاطل عن العمل، وأحمل دبلوما بعد الثانوية العامة، ومسؤول الشركة اشترط عليّ أن تكون الأرقام السرية بحوزتهم، كي يقوموا بسحب الأموال المحوّلة إلى حساباتي عبر راغبي الاستقدام والتي تخص الشركة".
ولتأكيد كلامه السابق أمدنا بأرقام الهواتف النقالة الخاصة بمدير العلاقات العامة في الشركة التي يعمل بها وهو شخص يدعى "حامد الشريف"، الذي قامت "الاقتصادية" بالاتصال به منذ أسبوعين فأكد أنه يعمل مديراً للعلاقات العامة في الشركة (المذكورة) ومقرها في حي الصفا في جدة.
وعندما سألناه عن آلية استعادة المواطنين الذين عدلوا عن الاستقدام عبر شركته أموالهم، أكد أنه لن تتم إعادة رسوم الاستقدام لهم في حالة زيارتهم للشركة، لافتا إلى أنهم سيحصلون على رسومهم بالطريقة نفسها التي دخلت بها الحساب الخاص بمندوب الشركة في الرياض (الشاب العاطل). وأضاف: "بحكم منصبي في الشركة يهمني أن مشكلة تأخر عودة الأموال إلى المواطنين الراغبين في عدم استقدام خادمات لا تتكرر"، وزاد "سأقوم بتحويل المال لأي شخص على حسابه، حتى نثبت أن عملية استرجاع النقود تمت على الحساب المحولة منه نفسه"، مستثنياً أوراق طلب الاستقدام التي تم رفعها لوزارة العمل، حيث يجب أن ينتظر المواطن عشرة أيام لعودة المبلغ إلى حسابه، رغم أن بعض ضحايا الشركة أكدوا لـ "الاقتصادية"، أن الشركة وعدتهم سابقا باسترداد أموالهم خلال فترات مختلفة منها 60 يوماً تارة، و 45 يوماً أخرى.
وعاودت "الاقتصادية" الاتصال بالشريف أمس، لتتفاجأ بأنه يخبرها بوقوعه ضحية نصب واحتيال من صاحب الشركة مثله مثل مندوبها في الرياض، وأنه قدم بلاغا إلى قسم شركة الصفا في جدة، متهما مالك الشركة بالنصب والاحتيال.
وعلمت "الاقتصادية" من مصادرها في خميس مشيط قيام عدد من مكاتب الخدمات بمهام الاستقدام، ووقوع ضحايا لها منذ بدء العام الحالي وهم في انتظار وصول خادماتهم وحتى الآن.
وأكد مسؤول في الغرفة التجارية هناك، أنه يوجد عددٌ كبيرٌ من مكاتب الخدمات غير المصرح لها باستقدام الخادمات، تقوم بممارسة الاستقدام، مشيراً إلى أن لجنة الاستقدام في الغرفة في خميس مشيط قامت بالتحذير من التعامل مع تلك المكاتب غير المعتمدة. وبين أن تلك الممارسات من المُمكن أن تستغل في قضايا أمنية وإرهابية، لافتاً إلى أن المسؤولية عن تلك المكاتب ضائعة بين وزارتي العمل، والتجارة.
من جهتها، نفت إحدى شركات الاستقدام المرخصة في الرياض والتي استخدام مكتب جدة "الوهمي" اسمها، وجود فروع لها في أي منطقة خارج الرياض، مؤكدة عدم وجود مندوبين للشركة في مناطق أخرى، مشيرة إلى أن الشركة مقرها الرياض، والتقديم بطلب الاستقدام يكون عن طريق الموقع الإلكتروني للشركة على الإنترنت، وأضافت "في حالة وصول رقم المستفيد يتم التواصل معه، ويطلب منه استكمال الأوراق المطلوبة، دون دفع أي رسوم مالية، وفي حالة وصول الخادمة يتم إخطار المستفيد بدفع الرسوم المالية للاستقدام".