فقد مجلس النواب كل ما تبقى له من وقار , عندما صمت عن محاسبة النائب الذي يخرج عن التقاليد والاعراف البرلمانية سواء بالغياب عن الجلسات او بالخروج عن تقاليد الحوار والاختلاف , وتفاقمت ظاهرة الاشتباكات النيابية بصورة مؤذية لكل الحالة الاردنية , بعد ان انحاز المجلس التشريعي والرقابي الى تبويس اللحى في انهاء الخلافات البينية بين النواب وتجاوز اللجوء الى تفعيل النظام الداخلي لكل من يخرج عن الاعراف البرلمانية والتقاليد التشريعية , فصار المجلس حارسا لكل التقاليد العمياء , لا حارسا لمصالح الناس وتشريعاتهم .
غضبة النواب ونرفزتهم مفهومة وليست خارجة عن سياق الحالة الشعبية المتشنجة والغاضبة , فما يجري في شوارعنا وجامعاتنا هو واقع سيتبدى تحت القبة وخارجها , والنواب يمثلون الشعب وبالتالي سينعكس الغضب الشعبي على سلوكهم , فهم احد اسباب غضب الشارع وهم نتيجة لهذا الغضب ايضا , مع اقتراب موعد الرحيل والعودة الى قواعد لم تسجل في ذاكرتها الكثير من الايجابيات لمجلس النواب الحالي .
النواب كمن يحفر قبره بيده , فهو يعمل على انجاز تشريعات سيكون مخرجها الوحيد , رحيل المجلس والعودة الى الناس بذاكرة خالية من الانجاز , بل ومثقوبة , بحكم غياب الحصافة عن معظم التشريعات وغياب دور الرقابة والمحاسبة للمجلس الذي منح الثقة بسخاء لكل الحكومات بلا استثناء , لذا لا يكترث الميت ان القبر يزخرف .
النواب يعرفون ان النهاية اقتربت , والعمل وسط هكذا اجواء لا يمكن ان يفضي الى ظروف ايجابية في التشريع والحوار البيني , ولا يمكن ان يرّسخ مفهوم النقد والنقد الذاتي , فالنائب الذي ينتقد المجلس او لجانه ليس بمعزل عن الغرم وحمل الوزر فهو جزء من المنظومة التشريعية ومحاولات شراء العطف بدغدغة العواطف الشعبية واغراء الغرائز لا تقل في السوء عن استخدام الجينات والعضلات في الرد والحوار .
فقيمة الفكر السياسي في المجتمع الاردني تتراجع بشكل ينذر بكارثة , فلا احد يحتمل وجهة النظر الاخرى , وتبادل التهم المعلبة والطازجة , منتشرة في شوارعنا وصالوناتنا مثل عرائش البطيخ , وعلينا ان نقبل احاديث القوى السياسية بالموافقة , وعلينا ان نذعن لرأي الهتاف ومطلقه والا خرجنا من الملّة الوطنية , وعلينا ان نتفهم قرارات الحكومة ونصدقها بطهر الجدّات .
في مرحلة سابقة انهارت امبراطوريات بسبب جرعة العلنية الزائدة والديمقراطية غير المألوفة , ولذا انهار الاتحاد السوفييتي بسبب الغلاسنوست , واندحرت قيمة المنظومة الاشتراكية الذي ظلّت تخفي الشروخ البينية والافقية لدول المنظومة وتقول انها انجزت الدولة الواحدة لنكتشف ان حجم التشظي وصل الى ابناء الدولة الواحدة وليس الى دول الاتحاد فقط .
نعاني منذ فترة من تشظ ٍّ داخلي على كل المستويات وحملت الحراكات تعبيرات المحافظات والمناطق ولم يلتفت احد الى مدلول هذا التشظي , الذي كرسنّاه في قانون الانتخابات , فصار النائب معني بدائرة ضيقة يستطيع ان يلبي خدمات مفاتيحها الانتخابية ليصل الى القبة , او ان يحصد اجماع عشيرته فقط ليصبح نائب وطن .
ما يجري وما جرى تحت القبة نتيجة واضحة لما زرعناه في بيئتنا السياسية التي خرجت من دائرة الانتخاب الضيقة الى دائرة الانتخاب الوهمية , فصار كل واقعنا السياسي اما وهمي واما صغير بحجم شارع او حي , وفقدنا بريق المشاريع الكبرى , حتى في الاقتصاد , وبتنا نستعير القشور من العالم , فمسألة الاشتباكات النيابية وتراشق الكراسي وكؤوس المياه مألوفة في البرلمانات وحتى الاحذية باتت مألوفة ايضا فهي اختراع عربي بامتياز , ولكننا نسينا او رفضنا ان نستعير اسباب تلك التشنجات وانها في برلمانات العالم من اجل البلاد والعباد وليس من اجل المصالح متعددة الابعاد .
المجلس يسير نحو النهاية وعليه ان يحسن خاتمته , لاننا دوما نسأل الله حسن الخاتمة . ونسأله للنواب ايضا .
الدستور