الاهتمام بالحركات الاسلامية الصاعدة ليس محليا فقط بل دولي ايضا , لاستشراف برامج ومناهج تلك الحركات التي تحقق تقدما في المسار الشعبي , لاسباب متفاوتة منها عدم تجربتهم في الحكم من جهة واعتمادهم منهجا اقتصاديا مختلفا من جهة اخرى , فالشارع العربي بات مقبلا على انتخاب غير المجرب كما اثبتت الانتخابات العربية في مصر وتونس والجزائر , قبل ان يتراجع المصريون عن خطوتهم بشيء من الرشاد ويقبلون على انتخاب مرشح الطريق الثالث بشكل رمى بالخوف عند الادارة الليبية الجديدة التي تراجعت عن الانتخابات مؤقتا .
مرشح الطريق الثالث هو منهج شعبي جديد اخذ بالتراكم والتزايد بعد ان لمس الشارع العربي ان المنهج الاقتصادي والسياسي للتيارات الاخوانية لا يحمل ابتكارات واجتراحات للمشاكل بقدر ما يحمل رفضا قشريا للمنهج الاقتصادي القائم , وتقول مؤسسة كارينجي التي استضافت مؤخرا اقطابا من التيارات الاخوانية في العالم العربي في ملخص دراستها ان الاسلاميين لا يقفون موقفا معارضا لخصخصة القطاع العام , ولا يقولون “ لا “ لتشارك القطاع الخاص في القطاعات المتوسطة والصغيرة ويمسكون عن ذكر موقفهم في القطاعات الكبرى , وخلصت الدراسة الى ان التيارات الحزبية الاخوانية لا تملك برنامجا واضحا للأزمة الاقتصادية ويرى الباحث محمد ابو رمان ان الحركة تخفي نزعتها نحو أسلمة الاقتصاد وانها رفضت في العام 2007 رفع شعار يؤكد على ذلك خلال الانتخابات التشريعية في الاردن , التي يؤكد تقرير كارينجي ان الجماعات الاخوانية في الاردن هي الاضعف بين نظرائها في المنطقة حيال الاقتصاد ومشاريعه ورؤيته .
وسياسيا فهم يمارسون اقصاءً للآخر مثل كل الاحزاب الحاكمة السابقة , وتجربة مصر مثالا شاهدا , فالجماعة الاخوانية وبعد فوزها في انتخابات البرلمان عادت عن قرارها بعدم خوض الانتخابات الرئاسية في مصر وقامت بما يشبه الخديعة للتيارات الليبرالية والقومية , كما ان تصريحات رئيس الوزراء التونسي “ الجبالي “ حيال رئيس الجمهورية وضرورة توقيعه على امر ترحيل المطلوبين الى دول اخرى راكم القلق منهم , فقد قال الجبالي وهو من حزب النهضة في تونس انه لن ينتظر توقيع الرئيس التونسي لتسلم المطلوبين الى ليبيا , علما ان الدستور التونسي يستوجب موافقة الرئيس, وشهدت ليبيا نفسها خروجا عن الحلف السابق من قِبل الاخوان على الشركاء في المجلس الانتقالي الذي رحل معظمهم عن ليبيا .
الاقتصاد هو العصب الرئيس لحراكات الشعوب العربية وهو المدخل الاساس لرضى الشارع الشعبي الذي يريد كرامة وخبزا , وعجز الجماعات الاخوانية عن تقديم مشاريع اقتصادية سيكون مفصلا رئيسا في تقييم الشارع الذي بات لا يرضى بالجمل الفضفاضة التي يطلقها نشطاء الجماعة فهي تصلح للسياسة ولكنها لا تصلح للاقتصاد , الذي يريد برامج واقعية على الارض مسنودة بالقوانين الضامنة للنزاهة والحاكمية الرشيدة , فالفساد ومجابهته عند الجماعات الاخوانية موجود بقوة ولكنه غير متبوع ببرامج ورؤى اقتصادية خلاقة وتراعي اماكنات البلدان العاملة داخلها .
ظاهرة الاقبال على انتخاب غير المجرّب فقط بدأت بالانحسار , وبدأ الشارع العربي يستيقظ على وقع الإزاحات في الاقوال والافعال الاخوانية , التي تشهد نسبة إزاحة عالية , فما لمسه المواطن العربي خلال هذه الفترة من عمر وجود الجماعة على كرسي القرار جعله يراجع نفسه , ويقبل على اجتراح الطريق الثالث حتى لو كان هذا الطريق يعيد انتاج الوضع السابق برقابة واعية وبإعلاء قيمة المراقبة والشفافية والحاكمية الرشيدة , لانها اكثر ضمانا للامن وللاقتصاد من الانفلاش الجديد الذي احدثته غياب الرؤى والابتكارات , والحديث عن الاقصاء والتفرد بالسلطة , فالمطلوب ليس استبدال حزب حاكم بآخر ولا نظام متسلط بآخر , بل المطلوب دخول عصر الدولة المدنية القائمة على القانون واحترام قيمة المواطنة وتفعيل الرقابة والمحاسبة , وكل هذا في بيئة اقتصادية جاذبة وقابلة لإعادة توزيع الثروات والعوائد على الجميع وليس لفئة جديدة من المجتمع .
الدستور