الصراع بين دعاة الاصلاح والمطالبين به وبين خصومه وروافضه والمستفيدين من “اجهاض” مشروعه، ليس سهلا، وطريقه ليست مفروشة بالورود.
هذه حقيقة يجب ان تدركها المجتمعات العربية التي تبحث اليوم عن موطىء قدم على طريق “التغيير” او “التحول” نحو ديمقراطية منتجه تخلصها من “تركة” الماضي المثقلة بالفساد والاستبداد.
حتى “الانظمة” التي سقطت رؤوسها بفعل الثورات العربية، ما تزال “قواها” تتحرك وتؤثر وتحاول ان تستعيد حضورها، في مصر استطاع “شتات” النظام السابق ان يجمع صفوفه ويصب اصواته في صناديق الانتخاب لدفع “الجنرال شفيق” الى سدة الرئاسة، في ليبيا ايضا ما زال بعض اعوان النظام طلقاء وشركاء احيانا في توجيه “المشهد” السياسي، وفي اليمن ايضا وفي تونس بدرجة اقل، وهذا –بالطبع- مفهوم فقد تربع هؤلاء عقودا طويلة على سدة “الحكم” ورسموا بأيديهم خرائط المجتمع وامسكوا مفاتيحه، وسيطروا على ثروات البلد وصنعوا لأنفسهم شبكات اجتماعية واقتصادية وسياسية يصعب تفكيكها.
في البلدان الاخرى التي تطالب شعوبها بالاصلاح، يبدو المشهد اكثر تعقيدا فالثورات المستفيدة من بقاء الاوضاع كما هي تمتلك كل الادوات: السلطة والنفوذ والمال، وتتحرك في اتجاه واحد ونحو هدف واحد، وتخوض معركتها الاخيرة بكل ما لديها من امكانيات.. اما القوى الاخرى التي تبحث عن الخلاص “بالاصلاح” فلا تملك الا مطالبها وحقوقها العادلة، وهي قليلة التنظيم مشتتة الاهداف مشغولة بالدفاع عن نفسها، في هذا الصراع تبدو معدومة، وامكانية “افحام” الخصم تحتاج الى وقت طويلة .. وجهد كبير ايضا.
هذا لا يعني ابدا ان القوى المضادة للاصلاح والتغيير متيقنة من الانتصار او انها لا تشعر بالخوف من نهاية “اللعبة” على العكس تماما فهي في قرارة نفسها “ضعيفة” ومرتبكة، ومع كل يوم يمر يتناقض رصيد “قوتها” اكثر فأكثر، فيما تتصاعد على الطرف الاخر “قوة” اصوات الناس ويزداد رصيدهم وتتحول افكارهم ومطالبهم الى “ولادات” حية تمشي على الارض، وتضيف الى اعدادهم اعدادا جديدة.
ثمة من يحاول ان يختزل صورة الصراع على “الاصلاح” بين فريقين: احدهما يقف في الشارع ويصرخ ويطالب والآخر يجلس على مقاعد “المسؤولية” يتفرج ويقرر ويحاول ان يدير “المشهد” وهذا –بالطبع- صحيح جزئيا لكنَ ثمة طرفا اخر يقف وراء الصورة ويمثل اغلبية المجتمع او “الناس” الذين ما زالوا يراقبون وينتظرون.. تُرى في اي رصيد سيصب هؤلاء اصواتهم؟ والى اي طرف سينحازون؟ هذا هو السؤال الذي يحيّر الجميع.
لدى كل طرف من جولات الصراع على “الاصلاح” ما يلزم من ادوات لاستمالة الاغلبية، ثمة من يملك المال والنفوذ، وثمة من يملك اوراق الواقع الصعب الذي يحتاج الى اصلاح، ثمة من يرفع فزاعات التخويف من العبث القادم على “عربة” التغيير، وثمة من يرفع شعارات “المستقبل” الافضل القادم من بوابة “العدالة” والحرية.
يبدو سؤال “الحسم” مشروعا في لحظة المخاضات التي قد تطول، لكن الاجابة الصحيحة عليه موجودة لكل من يريد ان يفتح عينيه على التاريخ القريب والبعيد، وما فيه من تجارب تؤكد ان كلمة “الشعوب” هي الاعلى، وان انتصار “الاصلاح” هو السنّة الباقية، والنافذة ايضا.
الدستور