واجهت المدافعة عن حقوق المرأة ليلى حمارنة صدى حكوميا بعد عودتها من جنيف عندما قدمّت إلى جانب ناشطات أخريات تقرير الظل للجنة الأممية “سيداو” الموازي للتقرير الحكومي حيال التزام الأردن بحماية المرأة والتزامه بحقوقها.
“لم يكن في بالي أبدا هذا الهجوم الذي تعرضت له، ومن كان معي على اعتبار أننا لم نراعي مصلحة بلدنا”، تتحدث حمارنة عن هذه الممارسة على اعتبارها شكلا من أشكال المضايقة التي تواجهها المدافعة عن حقوق المرأة، “ويساق لنا دوما أننا ننشر غسيل بلدنا أو أقلها عدم التعامل معنا”.
شكل المضايقة كما تراه حمارنة يتجاوز ما ذكرته؛ قد يتمثل بالأداء الحكومي الضعيف والمهين أمام اللجنة الأممية. “كان مفاجئا لنا التقرير الحكومي السيئ والأداء أثناء الرد على الأجوبة. ومثالا على ذلك هو ما قاله الممثل الرسمي أمام اللجنة على ضرورة أن تعتبر النساء في الأردن قانون الأحوال الشخصية شريعة والتسليم له، وهذا أمر غير مقبول أبدا بالنسبة لنا”.
على أن الثورات العربية كانت ربيعا للحريات في العالم العربي، لكنها ليست بربيع حقيقي بالنسبة للنساء، على ما تراه حمارنة التي تعتقد أنها أثرت سلبا على المرأة وقضاياها التي هبطت من على سلم الأولويات بالنسبة للحكومات.
وتتفق المدافعة النسوية لينا جزراوي مع حمارنة، وترى أن الإشكال الاجتماعي قد يكون مضاعفا عليها. وتسرد بعضا مما تتعرض له من محاولات اغتيال شخصها عندما تنشر آراءها على شبكات التواصل الاجتماعي ولا تستحوذ على رضا البعض.
ثقافة سائدة
من أخطر أنواع المعيقات، على ما تقوله لينا، هي الثقافة السائدة، فعندما تعبر المدافعة عن قضاياها قد تواجه بصد مجتمعي رافض لها، وهذا قد يبدأ من محيطها الصغير الذي هو أسرتها وينتهي بمجتمعها الكبير.
“قد تتعرض للعنف داخل أسرتها بأنواعه المختلفة، جسدي نفسي لفظي، وقد تهُدد بالطلاق فيما لو كانت متزوجة، هي مجموعة ممارسات من شأنها الحد من مطالبات المدافعة”، تقول لينا.
“مشكلة المرأة تتجاوز المدافعة من كونها امرأة لها هويتها الجنسية”، وفق لينا جزراوي وتتابع حديثها أن ثمة تحد آخر قد يتمثل في كون هنالك العديد من النساء يحملن الفكر الذكوري لقضاياهن، ما يعني أن هذا التحدي يكون مضاعفا بحق المدافعات.
تجد لينا التحدي الآخر للمدافعات هم النساء أنفسهن، اللواتي قد لا يجابهن قضاياهن بمتانة، لتجد نفسها منطوية ومعزولة على نفسها في حال تعرض أحدهن إلى تحرش جنسي تجدها تستقيل من عملها وتعود إلى منزلها لتربية أطفالها ليس إلا.
مجابهة ضد التيار
الدكتورة عبير دبابنة عضو هيئة التدريس في كلية دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، ترى من جانبها أن كل من يدعو إلى التغيير الإيجابي سوف يواجه بتيارات مناهضة لهذا التغيير أمام من يريدون بقاء الحال على ما هو عليه خدمةُ لمصالحهم ومن يبحث عن معادلات جديدة بالضرورة سيلقى معاداتهم.
الأمر الآخر الذي تراه دبابنة من أشكال الاضطهاد بالنسبة للمرأة المدافعة عن حقوق النساء، بأن الرجل المدافع لا يواجه كالذي تواجهه المرأة المدافعة.
وإذا كانت محاولة انكفاء المدافعة على نفسها لتعرضها لهجوم أو يتم عزلها واقصاءها، فما هو مطلوب، وفق حمارنة، هو مواجهة ذلك بشراكة أكبر ما بين المدافعات.
معزولة في محيطها ومتهمة دوما
اجتماعيا، تجد المدافعة عن حقوق المرأة مريم محمد، وهو الاسم المستعار لها، فجوة ثقافية ضمن المحيط الاجتماعي ما بين المدافعة ومحيطها العائلي؛ “تجد نفسها مؤنة في قضية المرأة بينما يبقى أفراد العائلة يدورون في نقاشاتهم حول ما لا يعبر عن مسلمات في حقوق المرأة”.
والمقاطعة اجتماعية تبدأ من قبل صديقاتها هو ما تجده الناشطة مريم بالخطوة الأولى نحو عزلها اجتماعيا، وقد تكون المدافعة عرضة للأحكام المسبقة من الزملاء المحامين والقضاة وموظفي الدوائر الحكومية؛ “خصوصا من الجهات المتعصبة التي تحول أهداف الإصلاح إلى مناداة للخروج عن العادات والتقاليد”.
وترى هناك لينا جزراوي أن المدافعة تواجه تهما معلبة الدعوة للخروج عن القيم والانحلال وتطلق على المدافعات وهذه تهم معلبة وجاهزة.
وتتابع مريم أن المدافعة تجد نفسها تواجه جهات متطرفة ومسؤولة لحقوق المرأة والتحرر غير المدروس في جهات الداعمة الغربية، بحيث نمثل تيار كبح جماح أفكار تحرر المرأة في المجتمعات المفككة بما لا يتوافق والمجتمعات الشرقية المحافظة والتي ما زالت تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية فيها والتي تؤمن بتحرر المرأة من خلال الأسرة والمجتمع وليس بالانفصال عنهما.
كما أن الجهات المتطرفة دينيا تعيق من مسيرة تقدم المجتمع وحصول المرأة على حقوقها، تقول مريم، حيث أن الآراء الدينية تكفر المرأة ما يعني نسفا لكل ما حققته.
ما المطلوب؟
تعتقد حمارنة أن شراكة المدافعات فيما بينهن قد يشكل انتصارا أولي لعدالة مطالبهن، وتقول: المؤكد لدينا جميعا بأن لا طريق أمامنا إلا الاستمرار. داعية إلى محاربة الإقصاء الذي تواجهه على الدوام.
وواقع الحال يهدد مكتسبات حققتها المرأة، وترى حمارنة أن إدراكهم لهذا الخطر قد يعتبر خطوة نحو حماية أكبر، فضلا عن شراكة وتعاون أوثق ما بين المدافعات.
ربما تشكيل الجدار الفولاذي للمدافعات يكمن من خلال استمرارهن في الرقابة “والاستمرار في رفع تقارير الظل لهيئة الأمم المتحدة” كما تقول حمارنة، فضلا عن متابعة حثيثة للسياسات الحكومية المطبقة على النساء والإصرار على تغيير وتعديل القوانين التمييزية.
حرية وقوة المدافعة يكمن في وعي المرأة بحقوقها والقوانين المتعلقة بها، هي أفضل طريق لتحصينها من أي غبن قد تتعرض له “هناك محاولات لتزييف وعيها، وهنا لا بد من الاشتغال عليه من خلال مجموعات بؤرية تستهدفها”، تقول لينا جزراوي.
المطلوب كما تقول لينا جزراوي توحيد لغة الخطاب ما بين المنظمات الحقوقية وتغييره، “فلم يعد مقبولا المهادنة في حقوق النساء فضلا عن إحداث التأثير في الثقافة وشراكة ما بين المنظمات التقليدية والحركات النسوية الجديدة.
بالنسبة لحمارنة تجد أن الفرصة متاحة للنساء لأجل التقدم إلى الأمام وبشراكة أكبر مع الرجال المؤمنين بعدالة المساواة ما بين المرأة والرجل. تعول على جيل جديد من المدافعات تصفهم بالعقلانية بالمقارنة معهم.
أهم أداة لتقوية المدافعة عن حقوق المرأة يكمن من خلال المعرفة والعلم وتجذير وتعميق دراسات المرأة كنهج أكاديمي متخصص استنادا إلى ذلك يمكن تطوير خطاب نسوي حضاري متخصص بالتالي من يتلقى المعلومة بالضرورة سيتفاعل إيجابيا، وهو ما تراه الدكتورة عبير بالخطوة الصغيرة لتحقيق القفزة الكبيرة.
للاطلاع على تقارير: نساء التغيير